كولين توماس
ترجمة : تامر الهلالي
تعرض «أصوات أونلاين» لهذا المقال الجديد، الذى تكمن أهميته وجدته كذلك في أن كاتبه «كولن توماس» الأستاذ الجامعي الذى يقوم بتدريس الأدب في جامعة نيويورك، ويكتب لكبريات الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز والواشنطن بوست، يعترف فيه بأنه كان مجرما سابقا أُتهم في قضية تهريب مخدرات وقضى ثلاث سنوات ونصف السنة بالسجن، لكنه بإرادته وتصميمه أصبح أستاذا جامعيا وكاتبا. وهو في هذا المقال يشير لحكاية سجنه غير أنه يستعرض فى المقابل قصصا كثيرة مناقضة لما حدث معه. إذ يعرض – بالأسماء – لتجارب أشخاص دخلوا السجون بتهم مختلفة فإذا بهم يخرجون منها أشد تطرفا وأكثر عنفا.
وإلى نص المقال:
في كل مرة أعلم أن إرهابياً آخر قضى بعض الوقت وراء القضبان، أستعيد إلى ذاكرتي الوقت الذي قضيته في السجن. في عام 1994، حين أُلقي القبض علىَّ و أُدنت بتهريب الحشيش إلى كوريا الجنوبية، وأمضيت ثلاث سنوات ونصف السنة في السجن. منذ ذلك الحين ناضلت من أجل فهم طبيعة السجن وآثاره على الفرد.
نجوم الإرهاب
إنه نمط مدهش وواضح أن العديد من الإرهابيين الأكثر شهرة في العصر الحديث قضوا وقتًا في السجون. صلاح عبد السلام، المشتبه بأنه وراء الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسل، سُجن في بلجيكا مع عبد الحميد أبا عود، الذي قاد هجمات الجمعة في باريس 13 نوفمبر الماضي. أما شريف كواشي وأميدي كوليبالي، المسؤولان عن هجمات شارلي إيبدو وكوشير سوبر ماركت في باريس في وقت سابق من عام 2015، فقد سُجنا في سجن فليوري ميروجيس في فرنسا، والذي يعد أكبر سجن في أوروبا.
أيمن الظواهري (زعيم تنظيم القاعدة)، قبل أن يصبح الذراع الأيمن لأسامة بن لادن، بات أكثر تطرفا في السجن. كما قال لورانس رايت، مؤلف كتاب he Looming Tower: Al–Qaeda and the Road to 9/11: تنظيم القاعدة والطريق المؤدي إلى 9/11 وهو الكتاب الذى صدر فى (2006).
أما أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة السابق في العراق، فقد كان مجرما تافها أودع سجون الأردن وتحول أخيرًا إلى زعيم شرير لتنظيم القاعدة في العراق. في حين أحتجز أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، لمدة خمس سنوات تقريبًا في معسكر بوكا، السجن الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة في جنوب العراق،والذي أصبح يعرف باسم «الجامعة الجهادية». نستطيع أن نضيف كلاً من خوسيه باديلا وريتشارد ريد وجمال أحمد حميدان –إلى هذه القائمة القاتمة التي تتسع لآخرين كثر.
هل يُعد السجن من الأعراض في حياة هؤلاء الأفراد ؟، أم مجرد سبب ليصبحوا أكثر تطرفاً؟ شيء واحد واضح: هؤلاء هم أسوأ المدانين السابقين في العالم. إنهم يجبرونني على التفكير في الطبيعة الجذرية للسجن نفسه. السجن – على الأقل لبعض الوقت – يجعل كل شخص يُسجن فيه متطرفًا. يكمن ذلك في أن معظم السجون لا تزال كيانات راديكالية في حد ذاتها، حيث تعيدنا فكرة السجن إلى القرون الوسطى في عقوباتها وبيئاتها، علاوة على إطلاق الأحكام الأخلاقية، وتسويغ و تبرير التعذيب و الحق في التعذيب والإعدام، والأصفاد، والأغلال، والعزلة، والأعمال اليومية المهينة. لقد تجاوز عدد قليل من الدول المتقدمة النموذج. لكن الولايات المتحدة لم تفعل ذلك: غوانتنامو، وأبو غريب، ومعسكر بوكا – وكذلك المؤسسات العقابية الكبرى في الولايات التي يكون فيها الحبس الانفرادي هو العرف – هي فقط أكثر الأمثلة تطرفاً. السجون هي أماكن يكون فيها الفرد عرضة لحالة من الهشاشة والضعف الشديد، وكل سجين عرضة لتفاقم المظالم والحقد والتحدي.
سجون مستقرة وآمنة
في تقرير«السجون والإرهاب» ‘Prisons and Terroris’) )2010)الذي نشره المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي nternational Centre for the Study of Radicalisation and Political Violence، ومقره لندن، في شراكة مع الاتحاد الوطني الأمريكي لدراسة الإرهاب والتصدي له، ومقره في ولاية ماريلاند، استعرض بيتر نيومان نتائج الدراسات حول تطرف السجناء في 15 دولة، بما في ذلك الجزائر والسعودية وباكستان والمملكة المتحدة وإسبانيا والولايات المتحدة. وقد خلص التقرير إلى استنتاج واحد واضح: أي احتمال لتفكيك تطرف السجناء، أو منع التطرف، يتطلب ظروف سجن مستقرة وآمنة.
و في حالة السجناء الذين تم التحقيق معهم و إدانتهم بالفعل – من أمثال صلاح عبد السلام الذي بينما كان يمكث في سجن بلجيكي قبل سنوات، كان يميل بالفعل لأن يصبح متطرفاً- فإن السجن والعزلة لا يأتيان بنتيجة، أي أن مجرد حبس هؤلاء كعقاب، دون بذل جهد لإعادة التأهيل يُفاقم المشكلة في الغالب وينطبق نفس الشيء على كل سجين، مع ذلك لا تزال معظم أنظمة العقوبات حول العالم مركزة على العقاب، والحط من الإنسانية، عبر الأداة الصريحة المتمثلة في الحرمان من الحرية.
تطرف السجناء
بالنسبة للعديد من هؤلاء المتطرفين، فإن وقتهم في السجن هو مجرد عرض وليس سببًا لطرقهم الخبيثة، ولكن هذا يجانب الصواب في الكثير من الحالات ولا ينبغي التفكير بتلك الطريقة. إذ أن الأهم من ذلك هو أنه بمجرد القبض على مجرم أو إرهابي، فإن الأمر كله يكون بيد الدولة والمفترض أن تكون تلك فرصة للدول و للحكومات ويصير السؤال هو ماذا يجب أن تفعله الحكومات لاستغلال تلك الفرصة.
وبحسب ما كتب نيومان في تقريره: «الأمر الذي غالباً ما يتم تجاهله من قبل الجمهور وصانعي السياسات، هو أن السجون والمعتقلات هي ناقلات مهمة في عملية التطرف، على الرغم من أنه يمكن الاستفادة منها في الكفاح ضدها».
درس مارك هام، وهو حارس سجن سابق ومراقب في أريزونا وهو الآن أستاذ علم الإجرام في جامعة ولاية إنديانا، تطرف السجناء في الولايات المتحدة وخارجها. و قال لي هام «إن تفجيرات مدريد جمعت بيني وبين هذه الصلة بين السجون والإرهاب»، في إشارة إلى أحميدان، قائد تلك الهجمات. كان أحميدان مهرب حشيش ومجرما مهنيا قضى بعض الوقت في السجن في موطنه المغرب وإسبانيا. التقى بعض المتواطئين معه في السجن.
وأضاف هام: «لم أجد مشكلة في التطرف في مؤسسات أمنية متوسطة تدار بشكل جيد حيث يوجد لدى السجناء برامج لإعادة التأهيل، وتقديم المشورة بشأن المخدرات والعمل». «لكنك تجد التطرف بغزارة في سجون مكتظة بالمساجين مثل سجن «فولسوم» [في كاليفورنيا]، وريكرز آيلاند، وكلينتون في نيويورك، وهي سجون كبيرة وقديمة وتدار بشكل رديء».
حلول طويلة الأمد
هل القمع في حد ذاته – الحرمان من الحرية – راديكالي بشكل عام؟ أي أنه شيء في حد ذاته يمكن أن يثير حالة من الغضب عند السجين، بغض النظر عن الجريمة التي ارتكبها؟. كان هذا صحيحًا بالنسبة لي، للسنة الأولى ونصف من سجني. لقد حبست على مدار 32 ساعة يومياً في زنزانة اسمنتية صغيرة، وشعرت أنني أحط من الشياطين قدراً، وجدت نفسي ممتلئًا بالغضب المكبوت تجاه الدولة، ممثلة في الجنود والحراس و القوى الموجودة. أي شخص كان سجينًا على دراية بهذه الخلفية من الكراهية في العقل والقلب. إنه أسوأ ما يجب أن تتحمله في السجن. لا يوجد لدى الولايات المتحدة، وقطعاً معظم دول العالم برنامج رسمي لتفكيك تطرف السجناء وإعادة تأهيلهم. ومع ذلك، يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 400 إرهابي محلي ودولي يقضون أحكاماً في سجونها. من المقرر الإفراج عن العشرات منهم في السنوات الخمس المقبلة. كان هؤلاء الأفراد، موضوع الاهتمام عندما عقدت اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب والمخدرات التابعة لوزارة الأمن الداخلي جلسة في أكتوبر 2015 حول «نزلاء الإرهاب: مكافحة التطرف العنيف في السجون وما بعدها». خلال الجلسة، شهد توني باركر، مساعد مفوض السجون في إدارة «تينيسي» للإصلاح، على أن استراتيجية الأمن القائم على الإصلاح طويل الأجل، ربما أصبحت مسالة حتمية و لازمة. وقال: «لقد فشلنا في إدراك الحاجة إلى تغيير الاستراتيجية واستبدالها بمقاربة تتضمن كلاً من الأمن والمبادرات التأهيلية الفعالة».
إن القائمة الطويلة والمتنامية للإرهابيين السابقين المدانين تمثل -ببساطة -أكثر الأمثلة وضوحا لعشرات الآلاف من السجناء الذين يتم إطلاق سراحهم إلى العالم الحر، و هم في كل الأوقات يصيرون أسوأ حالًا من وقت إيداعهم السجون. وطالما بقيت السجون أكثر عقابية من كونها مؤسسات لإعادة التأهيل، فإنها ستخلق المزيد من المتطرفين والجهاديين الأكثر عنفا، والمزيد من المتطرفين المناهضين للحكومة، والعصابات، والأفراد الذين يشعرون بالمرارة والسخط من جميع الأديان والمعتقدات.
تعريف بالكاتب: كولين توماس: كاتب أمريكي تنشر مقالاته في مجلة نيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرهما. يدرس الكتابة والأدب في جامعة نيويورك وورشة عمل جوثام للكتاب، ومؤلف كتاب Brother One Cell (2007).
cullen thomas