منوعات

الهوية وحلم العودة.. حضور يتجلى في الإبداع الروائي الفلسطيني

«على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. على هذه الأرض سيدة الأرض، أم البدايات، أم النهايات.. كانت تسمى فلسطين.. صارت، تسمى فلسطين.. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة».. تلك أبيات ملهمة ختم بها محمود درويش قصيدته «على هذه الأرض»

https://youtu.be/K457gb2jz1o

 كما أن لقضية فلسطين المكانة الأكبر في قلب كل عربي يؤمن بعروبته، فإن للأدب الفلسطيني هو الآخر منزلة خاصة لدى كل مثقف عربي حقيقي يؤمن بأن القضية الفلسطينية هي أم القضايا العربية، والأدب الفلسطيني هو الأصدق تعبيرا عن القضية الأم ولا ينفصل عنها، فهي قضيته الجوهرية، لذا لم يكن من المستغرب أن نشهد لهما (القضية والأدب) حضورا بملتقي القاهرة الدولي السابع، للإبداع الروائي العربي، الرواية في عصر المعلومات، والذي عقد بالقاهرة مؤخرا، وهو الحضور الذي توج بفوز الروائي الفلسطيني الكبير يحيي يخلف بجائزة الدورة الأخيرة للمتلقي. ومن ثم كان الأدب الفلسطينى شاغلا لكثير من الباحثين والنقاد الذين شاركوا فى الملتقى.

هوية فلسطينية

«الملهاة الفلسطينية.. زمن الخيول البيضاء»، للكاتب الروائي «إبراهيم نصر الله»، كانت محل دراسة، عرضت في إحدى جلسات الملتقى، من قبل باحثة الدكتوراه، في مجال النقد الأدبي، بجامعة قناة السويس، دعاء الحناوي، والتي تتناول «الملهاة الفلسطينية» بوصفها مشروعاً سردياً ملحمياً، يضم حتى الآن نحو ثماني أجزاء، تقع «زمن الخيول البيضاء» في الجزء السابع منها، حاول الأديب عبر تلك الملحمة توثيق تاريخ الشعب الفلسطيني، أو جانب منه.

 تبدأ أحداث هذا المشروع الروائي الملحمي، مع نهاية القرن السابع عشر، و تستمر حتى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، واتفاقية أوسلو، مساحة كبيرة من الزمن، حاول خلالها  نصر الله أن يروي تاريخ الفلسطينيين، وأن يعبر عن طموحاتهم وأحلامهم وآمالهم، على المستويين الشخصي والعام، كل رواية من الروايات الثماني، لها تقنياتها وبنيتها المختلفة، وشخوصها وحكاياتها وأجواؤها الخاصة، التي تتحرك عبرها. وهنا تشير دعاء الحناوي إلى أن إبراهيم نصر الله، قد عمد إلى استخدام مسمى «ملهاة» غير أنها تؤكد على أن الرواية تبتعد كل البعد عن ما هو متعارف عليه للمفهوم الإصطلاحي لفن “الملهاة” والذي يعتمد على السخرية والكوميديا كسمة أساسية من سماته، سواء كانت راقية أو عبثية سوداء، إلا أن الأديب هنا قد استعان بلفظة «ملهاة» بوصفها مفردة لغوية، بعيدة عن المعنى المتعارف عليه لها.

تدور أحداث «الخيول البيضاء» في قرية «الهادية» وهى قرية لا يوجد لها مقابل على أرض الواقع، إلا أنها في توصيفها تشبه قرية عائلة الأديب، والتي  كانت قد هجرتها قبل أن يولد نصر الله، كما أنها تشبه في مجملها، معظم القرى الفلسطينية.

الرواية في جانب منها تتماس مع السيرة الذاتية لعائلة الروائى، حيث حاول نصر الله تتبع ثلاثة أجيال متتالية، لعائلة تعيش بتلك القرية، خلال الفترة التالية للحرب العالمية الأولي، وحتى النكبة الفلسطينية عام 1948. تشير الباحثة إلى أن الأديب قد عمد إلى جمع الوثائق والحكايات التاريخية الشفاهية، من شهود عيان قد عايشوا بعضا من تلك الأحداث التي عاشتها فلسطين خلال تلك الفترة.

اعتمدت الرواية على بنية أدب الملحمة، حيث أنها مثلها، مثل الملحمة تعالج فترة زمنية طويلة، ومن جانب آخر، الرواية لم تعالج فقط التاريخ الفلسطيني الرسمي، ولكنها عنيت أيضا بتناول التراث الفلسطيني والعادات والتقاليد السائدة، الهوية الفلسطينية وخصوصية الشعب الفلسطيني، حيث أكد الأديب عبر عمله الملحمي على أن هناك شعباً يحمل هوية مميزة ورؤية وخصوصية ثقافية معينة تميزه عن غيره من الشعوب.

عالج الأديب شخصية «خالد ابن الحاج محمود» بصورة مبالغ في قدراتها، ولكنها ليست صورة أسطورية تماما، حيث قدمه بوصفه الشخص الذي يتحلى بالشجاعة الفائقة، التي مكنته من الدفاع عن عائلته وقريته، تلك القرية التي تراها الباحثة بوصفها ليست مجرد قرية عادية، بل هى ترمز لفلسطين كاملة.

اعتمد النص على العديد من أبيات الشعر، لوصف مدى حب أهل القرية، وإحترامهم وتقديرهم للخيل، إلى حد التعامل مع الخيول  وكأنها أحد أفراد الأسرة، من جانب آخر استعان الأديب بالعديد من أبيات الشعر لمعلقة «طرفة ابن العبد»، وذلك لرسم العديد من الشخصيات، مثال شخصية رجل الدين، الذي يستخدم الشعر للدعوة للزهد والبعد عن الملذات، والتعبير عن روح رجل الدين.

كما اعتمدت الرواية على فكرة الهامش، لكن ليس بوصفه مكاناً للإشارة إلى معلومة ما، وإنما كان الهامش جزءاً أساسياً من بنية النص، حيث تضمن العديد من الرسائل، التي تبدو حقيقية، كما تضمن أيضا عناوين العديد من الصحف.

السمة المميزة لرواية «الخيول البيضاء» كما وصفتها الباحثة، تتعلق باللغة الشعرية للسرد الروائي، وكيف لا والأديب ذاته انطلق إلى عالم الرواية، بعد أن خاض عالم الشعر، وقد رصدت الباحثة، تعدد الرواة داخل الرواية، إضافة إلى الاستعانة بالشخصيات التراثية الشعبية، إلى جانب مختلف فنون الفلكلور الفلسطيني، حيث أراد الأديب عبر إستعانته بالتراث الفلسطيني، أن يؤكد على أن الشعب الفلسطيني إنما هو شعب محب للحياة، ولا ينسى أبداً ماضيه.

«الملهاة الفلسطينية» للأديب إبراهيم نصر الله، كما وصفتها دعاء الحناوي، هى نوع من المقاومة، حيث يتجلى السرد الروائي بوصفه أداة للمقاومة الوطنية، أداة للحفاظ على الهوية.

حلم العودة

العمل الثاني الذي يمكن أن نعرض له في هذا السياق، قدمه الناقد الأدبي الدكتور محمد حسن عبد الله، في دراسته النقدية، لرواية «الأسكندرية 2050» للأديب صبحي فحماوي، حيث يشير إلى أنه لا يمكن قراءة هذا العمل الأدبي دون التعرف على شخصية الأديب ذاته، الذي وصفه بأنه قد درس علم الزراعة، من ثم قام بدراسة علم الهندسة، وتخصص في العمل في مجال هندسة وتنسيق الحدائق، هذا إلى جانب كونه فلسطيني.

هنا يقف الدكتور محمد حسن عبد الله، مطولا أمام كون الأديب فلسطيني، حيث يري أن الرواية ورغم أنها عمل إبداعي إنساني في المقام الأول، إلا أن الأدباء الفلسطينيين قد اعتادوا حمل قضيتهم معهم عبر مختلف أعمالهم الإبداعية.

رواية «الأسكندرية 2050، كما يراها محمد حسن عبد الله، هى محاولة للبحث عن فلسطين، وفلسطين كما يراها  فحماوى لا تتجسد فقط في أحداث المخيم، في اليرموك، وإنما هى تتجسد أيضا في الحبيبة التي عشقها بطل الرواية وهو في المرحلة الثانوية، فلسطين تتجلى لدى الأديب في الأمثال الشعبية المستخدمة عبر الرواية، وفي أسماء الشخصيات، مثل شخصية كنعان، وكنعان هذا رمز الفلسطينيين، والعراك المتبادل بين أهالي المناطق المختلفة، أهل غزة وأهل الشمال، فلسطين حاضرة على مدار الرواية كاملة، حيث يلاحظ القارىء أن المكان في الرواية هو «عكا»، وفي الرواية يتجلى الحضور والرائحة الفلسطينية، و«مشهور»- وهو أحد الأبطال الرئيسيين فى الرواية – يتجول فى العديد من البلدان، إلا أنه في نهاية المطاف يعود إلى «عكا» كي يموت فيها.

الأديب هنا لم يعمد إلى الإستعانة بفكرة الدائرة بمعناها الفلسفي المجرد، بل حاول أن يؤكد على فكرة أنه «من بدايتك.. تأتي نهايتك». المقصود بتلك العودة، هى فكرة تحقيق الحلم الفلسطيني بالعودة إلى أرض الوطن، ذلك الحلم الذي لم يغادر فلسطينياً واحداً من أبناء الوطن الجريح.

Image result for ‫حلم العودة‬‎

 على جانب آخر تقدم الرواية حضوراً قوياً لتفاصيل مدينة الأسكندرية، وتفاصيل الحياة الإجتماعية بالمجتمع السكندري، فالرواية تحمل نوعاً من التوازن، بين ارتباط الأديب بأرضه في فلسطين، وحبه لمدينة الأسكندرية.

 وفى الرواية تجسيد لحالتي اليأس والأمل، فهى تتضمن عوامل الإحباط، مثلما تجسد عوامل الأمل، وكأن القضية الفلسطينية، المتجسدة عبر شخصية كنعان، الذي يصفه الناقد بأنه كائن عالمي حيث تجول كثيرا، بالعديد من البلدان، وهو محمل باليأس حينا وبالأمل حينا آخر، الأديب هنا استطاع أن يعبر عن القضية الفلسطينية بوصفها قضية العالم، وأن حل تلك القضية لن يتأتى دون حل قضية وأزمة الإنسان على مستوى العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock