رؤى

13 أبريل بروفة «القيامة» في الشرق الأوسط

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عُمان

حسين عبد الغني

الثالث عشر من أبريل ٢٠٢٤ سيسجل كنقطة تحول كيفي في تاريخ الحرب والسلام في الشرق الأوسط، هو كذلك أحد التوابع الكبرى التي حركها زلزال ٧ اكتوبر أو طوفان الأقصى في هذه المنطقة المنكوبة بثرواتها الهائلة وموقعها الجيوسياسي الفريد وتكويناتها السياسية الحديثة التي صنعت على مقاس مصالح المركز الرأسمالي الغربي.

في الثالث عشر من أبريل ردت إيران على عدوان إسرائيلي استهدف قنصليتها في دمشق بهجوم مباشر صاروخي وهجوم مسيّرات – على الأراضي الإسرائيلية لأول مرة.

الهجوم الذي صيغ بهندسة سياسية وتم إبلاغ موعده مسبقًا لواشنطن قصد منه أن يكون محدودا عسكريا – ولكن ضخمًا استراتيجيًا.. نقل الحرب بين إيران والنفوذ الأمريكي في المنطقة وإسرائيل وكيل هذا النفوذ من الظل إلى الضوء ومن خلال الوكلاء والحلفاء إلى المواجهة المباشرة. ونقل رسالة شديدة الوضوح إن إيران البعيدة نحو ٢٠٠٠كلم تستطيع الوصول إلى كل مدينة في جغرافيا فلسطين التاريخية، وأن استراتيجية الردع الإسرائيلي التي بنيت منذ 1948 على احتكار الذراع الطويلة التي تحتكر أجواء الشرق الأوسط وتهدد كل دولة قد سقطت وأن هناك توازنًا جديدًا للردع بالأسلحة التقليدية تأسس في المنطقة وهو ينتظر ربما في غضون ٥ سنوات توازنا في ردع الأسلحة النووية الذي ما زالت تحتكره إسرائيل منذ ستينات القرن الماضي.

لكن التحول الكبير في مسار الصراع في المنطقة الذي كشف عنه حدث ١٣ أبريل -الذي يتبناه هذا المقال- هو أنه مثل بروفة كاملة وسيناريو مصغرا للحرب الإقليمية الشاملة المؤجلة ولكن القادمة لا محالة إذا ما استمر العمى الاستراتيجي الأمريكي.

لماذا الرد الإيراني في النقب في ١٣ أبريل وليس الرد الإسرائيلي في أصفهان عليه في ١٩ أبريل هو الذي يمثل بروفة «القيامة» أو حرب الجميع ضد الجميع المستقبلية في الشرق الأوسط؟

في ١٣ أبريل جرت عملية فرز حاسمة للمعسكرين المتواجهين فيها. انقشعت الأوهام بشأن من يقف ضد من؟ فيه جرت عملية إشهار أو فضح علني لعناصر المعسكرين المتصارعين دوليًا وإقليميًا هذا الانكشاف الذي كان حتى الرد الإيراني في هذا اليوم مستورا -عربيا على الأقل- بالدعايات الكاذبة عن نصرة فلسطين.

فوسائل الدفاع الجوي المتعددة التي تصدت للهجوم الإيراني بالمسيرات وبالصواريخ لم تكن مقصورة على إسرائيل بل من تصدى له هو تحالف إسرائيلي-عربي-أطلسي.

شاركت دول عربية لأول مرة منذ قيام الكيان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية -بشكل مباشر وغير مباشر بأسلحتها أو بقواعد أمريكية وغربية موجودة على أراضيها وبمعلومات استخبارية في التصدي لهجوم موجه ضد.. إسرائيل.

في ضوء الشمس الكاشفة وأمام الملأ من شعوبها وكما قال محللون إسرائيليون قامت دول عربية بحماية إسرائيل (الكيان المزروع) والدفاع عنها عسكريا في صراع مع دولة أصيلة في المنطقة.

الأطراف العربية التي تورطت في معركة التصدي للهجوم الإيراني في ١٣ أبريل هي التي ستكون مع إسرائيل والناتو أطراف الحلف الذي سيواجه إيران وحلفاءها من قوى مقاومة النفوذ الأمريكي في الحرب الإقليمية القادمة.

الفارق الوحيد عند نشوب حرب الكل ضد الكل أو يوم «قيامة» الشرق الأوسط هو أن الأطراف العربية التي شاركت سرًا وبشكل غير مباشر في التصدي للهجوم الإيراني وباركت التحالف العسكري الأمني العربي-الإسرائيلي-الغربي الجديد الذي أفصح عن نفسه بلا مواربة أو حياء ستنضم إليه علنا عندما تنجز صفقة التطبيع الكبرى التي تعتبرها دولة الأمن القومي في واشنطن أهم مهمة استراتيجية أمامها وأكبر إنجاز يمكن أن تحققه منذ إنجاز سقوط أو إسقاط الاتحاد السوفييتي الذي قضى على تنافس القطبية الثنائية لصالح أمريكا وأسلمها العالم تقوده كقطب وحيد ومهيمن.

في ليل السبت الأحد ١٣ الذي انطلقت فيه مئات المسيّرات والصواريخ من إيران نحو إسرائيل بلغة محمود درويش «سقط القناع عن القناع».

كل الأقنعة سقطت وبدت سوأة تبعية النظام العربي الرسمي المطلقة للولايات المتحدة عارية وحتى لا يحاول هذا النظام أن يستر نفسه وأن يخصف عليه من ورق الدعاية الإعلامية القديمة شيئ.

في ١٣ أبريل تم الإعلان الرسمي عن التحالف العربي-الإسرائيلي-المعادي لطهران وحلفائها. تبدى هذا التحالف كحقيقة سياسية وواقعية ولا يوجد تحالف أو كيان إقليمي آخر لا جامعة عربية، لا مجالس عربية إقليمية وحتى التنسيق الثنائي والثلاثي والرباعي العربي الذي يجري في مناسبات إنما يتم في إطار هذه الاستراتيجية الأمريكية الكبرى.

في ١٣ أبريل الذي تصدت فيه دول عربية لحماية إسرائيل من هجوم إيراني أو فتحت سماواتها ومياهها لطائرات الأطلسي لكي تسقط مسيّرات وصواريخ إيرانية متجهة لإسرائيل جرى ما يمكن وصفه بالاعتراف الواقعي بما أسمته واشنطن بنظام الدفاع الجوي عن الشرق الأوسط العربي-الإسرائيلي-الأمريكي الذي يشرف عليه الجنرال كوريلا قائد القوات المركزية الأمريكية هو نظام تم تفعيله وتشغيله كحقيقة أمنية وعسكرية واستراتيجية تنسق فيه دول عربية تنسيقًا كاملًا بالمعلومات والاستخبارات والأسلحة والتواصل العملياتي مع إسرائيل ضد إيران وحلفائها.

لقد تأكد استراتيجيا انجراف قسم كبير ووازن من الدول العربية علنًا وسرًا في المشروع الأمريكي الاستراتيجي لإعادة صياغة «تموضع» واشنطن في الشرق الأوسط بما يضمن بقاء هيمنتها المطلقة المستمرة على الشرق الأوسط القائمة منذ اتفاقية فض الاشتباك الثاني عام ١٩٧٥بين مصر وإسرائيل ويضمن من ناحية أخرى تقليل مواردها العسكرية المباشرة في المنطقة ونقلها لهذه الموارد جغرافيًا لما تعتبره منطقة الصراع الرئيس مع الصين في المحيطين الهادئ والهندي.

في ١٣ أبريل تأكد أن الحلف العربي-الإسرائيلي بقيادة عليا أمريكية له عنوان واضح يمكن أن تتجه إليه مراسلات الصراع في المنطقة هذا العنوان هو «منتدى النقب». المنتدى الذي أثبتت مسيرته المنتظمة منذ إقامة أول قمة له في مستوطنة ديفيد بن جوريون المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل إنه تحول ليس فقط لنادٍ إقليمي بل إلى منظمة إقليمية تتوافر لها إرادة سياسية أمريكية عليا وقاهرة ووثيقة سياسية تسعى لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي وتضع مبادرة السلام العربية في أدراج النسيان وتجعل إيران وليس إسرائيل عدوًا إقليميًا. منظمة لها نظام دفاع جوي عسكري إقليمي يضم أمريكا وإسرائيل وعددًا وافرا من الدول العربية في مواجهة طهران.

«سقط القناع عن القناع عن القناع» كما قال محمود درويش وتأكدت بصيرة الشعر والشاعر: عن عرب أطاعوا رومهم.. عرب وباعوا روحهم.. عرب وضاعوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock