أجابت تونس بـ«قيس سعيد»، ليكون الرئيس الثالث بعد ثورتها، حاصدًا أكثر من مليوني ونصف مليون صوت، بنسبة 72%، مقابل مليونًا ومئتي ألف صوت تقريبًا لمنافسه نبيل القروي، الذي نال بنسبة 27% فقط من إجمالي أصوات الناخبين.
سعيد الذي لم يكن له برنامج واضح، واكتفى بعرض مقاربة تقوم على ما ذكرها أكثر من مرة «لا مركزية السلطة»، وأن «السلطة هي للشعب»، فاز بشكل مفاجئ وغير متوقع برئاسة تونس.
فوز سعيد بالجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية، كان بمثابة «انفجار» بين الأوساط السياسية، فالجميع توقع أن تكون المنافسة على أشدها بين مرشح حزب النهضة، عبد الفتاح مورو، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي.
«فوز سعيد برئاسة تونس هو ظاهرة تستحق الدراسة»، هكذا وصف المحلل السياسي التونسي بلحسن اليحياوي، الذي أكد أن الأخير حظى بتأييد كبير من قبل الشباب في تونس.
أستاذ القانوني الستيني، ذو اللغة العربية الرصينة، اختار مقر انتخابي متواضع في إحدى المدن التونسية، لينقل أفكاره للشعب التونسي.
اختار سعيد بحكمه كبيرة شعاره الانتخابي، وفضل أن يكون «الشعب يريد»، ليكسب عاطفة ملايين الشباب الذين انتفضوا ضد علي زين العابدين.
سرعان ما بدأت شعبية سعيد تنتشر بين الشباب، الذي بادروا بإنشاء عشرات الصفحات على «فيس بوك» طواعية، لتأييد سعيد، والدعوة إلى انتخاب من يحافظ على شعارات الثورة.
وظهر ذلك التأييد خلال تصويتهم على الانتخابات الرئاسية، حيث ذهب 90% من أصوات الشباب بين 18-25 إلى قيس سعيد، و83% بين 26 – 44 إلى سعيد أيضًا.
لم يظهر سعيد غير مرتاحًا بالتأكيد على أنه لا يحظى ببرنامج بالمفهوم التقليدي، بل على النقيض، استمر في ذكر بعض الشعارات الرنانة والحماسية، فمشروعه لا يتضمن تفاصيل تبلور رؤيته لحل المشاكل التي يعاني منها المجتمع التونسي، ومنها البطالة، على سبيل المثال.
وبرغم الانفتاح التي تشهده تونس، من تعديل لقانون المساواة بين الجنسين في الميراث، يظهر سعيد محافظًا يرفض بشكل قاطع القانون الجديد الذي دوى صداه في العالم العربي، ليعارض بشكل واضح تطلعات بعض التونسيين، وهو ما جعل فوزه أمرًا مختلفًا.
«أخلقة العمل السياسي»
«أنا لا أبيع الوهم للشعب التونسي.. وبرنامجي الذي أعلنته واضحًا، الشعب هو مصدر السلطات، والدستور يجب أن يكون قاعديًا ولا توجد ما تسمى دولة مدنية ولا دينية»، هكذا وضع سعيد مبادئ، وليس برنامجًا.
أكد المحلل السياسي التونسي اليحياوي، في تصريحات لـ«مصراوي»، أن سعيد ظاهرة تستحق الدراسة، فهو يمكن أن يكون مقدمة إلى «أخلقة العمل السياسي»، وأن ينأى به بعيدًا عن الصراعات غير الشريفة، ويقدم نموذجًا يحتذى به للعمل السياسي.
عانت تونس خلال السنوات الماضية من عدم استقرار سياسي، وبالتالي كان انتقاء سعيد مبني على أنه «نموذجًا يحتذى به بالنسبة لفئة كبرى من الشباب، والشخصية الجدية»، ومن ثم اختياره لم يكن منطقيًا ولكن على أساس أن آراءه جائت مخالفًا لكل ما يوجد من فساد بالمجتمع التونسي، وذلك وفقًا لليحياوي.
الشباب لم يشاركوا في الحملة التشريعية بشكل كثيف، إلا أن نسبة مشاركتهم في الرئاسية ارتفعت 18% ممن يبلغ أعمارهم بين 18-25 سنة.
فيما يرى الأمين البوعزيزي وهو باحث جامعي في الأنثروبولوجيا، «إن الثورة التونسية هي بالأساس ثورة الشباب. فالشباب هو الفاعل الرئيسي اليوم، كما كان فاعلاً في الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي والتصدي لحكومات ما بعد 14 يناير».
وأضاف البوعزيزي في تصرحيات صحفية، أن الشباب التونسي كان مقاطعًا لكل الانتخابات السابقة من 2011 إلى 2014، لأنها «كانت بعيدة عن كل جوهر اجتماعي وغارقة في مطالب سياسية»، ولكنه واصل الانخراط في أشكال الاحتجاج المختلفة.
وتابع بأنه «يمكن القول إن 90 في المئة من هؤلاء الشباب لم ينتخبوا سعيّد لبرنامجه بل انتخبوا شخصًا رأوا فيه الجدية والصدق والفصاحة فانحازوا له واختاروه».
وأكد أن «فوز سعيّد صنعه شباب لا يعرفهم معرفة شخصية وإنما يعرفونه افتراضيًا. وانتقل الشباب من تصويت عقابي للمنظومة القائمة إلى مرحلة تصويت تثميني، عبر التعبئة لصالح مرشحهم».
نقلا عن: مصراوي