منوعات

عودة داعش.. بين انتصار ترامب المزعوم وعملية «نبع السلام»

في أواخر شهر مارس من هذا العام، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وهو ما اعتبره انتصارًا ينسب له ولإدارته، حيث كان القضاء على التنظيم الإرهابي أحد الوعود المركزية التي تضمنتها حملته الانتخابية عام 2016.

ولكن المؤكد أن تنظيم داعش لم يسقط ذلك السقوط الذى يجعل ترامب منتشيا وفخورا، كما أن هناك تحديا جديدا خلفته هزيمة التنظيم يتمثل فى الآلاف من مقاتليه الأجانب إضافة إلى النساء والأطفال الموجودين، سواء في مخيمات اللاجئين أو في السجون شمالي شرق سوريا والعراق، وهو ما يضع الدول الغربية في مأزق حرج  فهى لا ترحب بأولئك المواطنين مرة أخرى، وفى الوقت نفسه لا تستطيع التخلي عنهم. وقد جاءت العملية العسكرية الحالية التي يشنها الجيش التركي في شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية، لتعيد تسليط الضوء على ما بقى من تنظيم داعش، وما يمثله من خطر محتمل، لا سيما في ظل المخاوف من أن تؤدي هذه العملية التي أطلق عليها الأتراك «نبع السلام» إلى احياء نشاط التنظيم  الإرهابي في تلك المناطق التي هُزم فيها. إذ تخشى الأوساط الدولية والأقليمية أن يستغل مقاتلو داعش حالة الفوضى والإضطراب التي تشهدها المنطقة لمعاودة عملياتهم الإرهابية، فضلا عن احتمال فرار الآف من معتقلي التنظيم والذين يقبعون في سجون تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية، التي تبدو حاليا مشغولة بصد الهجوم التركي، أكثر من انشغالها بتأمين تلك السجون.

عرائس الجهاد

وفقًا لتقديرات المتحدث باسم القوات السورية الديمقراطية في مارس الماضي فإن هناك 12 ألفًا من النساء والأطفال الأجانب بالإضافة إلى ألف معتقل من عناصر داعش في السجون موجودون في سوريا فقط. وقد أبدت القليل من الحكومات الغربية استعدادها للسماح بعودة مواطنيها الذين انضموا إلى داعش بكامل إرادتهم. فمن ناحية سيقابل القرار باستهجان من شعوب تلك الدول، ومن ناحية أخرى سيكون هناك خطر على الأمن القومي بوجود عناصر إرهابية داخل البلاد.

في المقابل ترى منظمات حقوق الإنسان أن ترك تلك الأسر في أوضاع المخيمات المزرية في شمال سوريا، أمر غير مقبول تمامًا، حيث تعرضت العديد من النساء المعروفات باسم «عرائس الجهاد» لمستويات فظيعة من العنف، كما فقدن أولادهن وأزواجهن، وبالتالي تعاني العديد منهن اضطراب ما بعد الصدمة وغيرها من الأمراض النفسية. و هناك أيضًا من شاركن في شرطة الأخلاق أو ما يعرف بـ«الحسبة» وكن يجندن آخريات ويشاركن في العنف، حيث لعبت النساء دورًا مركزيًا، وبداية من عام 2018 شكلت النساء 13% ممن جندهم داعش.

و لأن النساء لسن مستهدفات كالرجال ولا يشاركن في الحروب فهناك نسبة أعلى ممن نجوا من النساء والأطفال، وسواء كن مذنبات أم لا، فقد تم وضعهن مع أطفالهن في معسكرات احتجاز تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في ظروف  انسانية صعبة، وهو ما يستوجب احتواء الأزمة قبل أن تتفاقم. وقد حاولت أمريكا الضغط على حلفائها في وقت سابق من هذا العام لاستعادة مواطنيها ومحاكمتهم في بلادهم الأصلية، حيث حذر «ترامب» في تغريدة من خروج المقاتلين من السجون وعودتهم إلى أوربا لتنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية والفظائع هناك، إلا أن الحكومات الأوربية لم تأخذ تحذير ترامب بمأخذ الجد.

تعقيدات لوجستية

أحد الأسباب التي تفسر تجاهل الدول الأوربية لتحذيرات الرئيس الأمريكى هو مدى تعقيد عملية استعادة المواطنين ومحاكمتهم، ففي بعض الدول – على سبيل المثال السويد- لم يكن هناك في القانون ما يجرم الانضمام إلى تلك الجماعات حتى عام 2016، وبالتالي فإن أي مواطن سويدي انضم إلى داعش قبل ذلك التاريخ لا يمكن معاقبته إلا بإثبات اشتراكه في جرائم محددة، وهو أمر يصعب جمع دلائل عليه، وحتى إذا نجحوا في توفير البراهين اللازمة فإن ذلك يأخذ وقتًا.

ولا تسمح معظم الدول الأوربية بالحبس الاحتياطي لأكثر من 14 يومًا على أقصى تقدير، وبطبيعة الحال سيكون من الصعب مراقبة أعداد كبيرة من المشتبه بهم لفترات مطولة، وحتى بعد إدانة أعضاء داعش السابقين سوف تواجه الحكومات مشكلة أخرى في السيطرة على نشر الأفكار الدينية المتعصبة داخل السجون الأوربية، لذا تفضل معظم الدول محاكمة مواطنيها  على الأراضى التى ارتكبوا فيها جرائمهم سواء فى سوريا  أوالعراق.

لكن مشكلة تلك المحاكمات الخارجية أنها لا تستوفى المعايير الأوربية، حيث يمنع القانون الأوربي اخضاع المواطنين لمحاكمات يمكن أن يتعرضوا خلالها للإعدام أو أن تكون ظروف سجنهم غير آدمية. ووفقًا للصحفيين الذين حضروا إجراءات المحاكم في العراق فإن المحاكمات تستغرق 10 دقائق، ومن يُحكم عليه بالإعدام، سواء كان رجلا أو امرأة يعدم في الحال، وقد أعدم شنقًا بالفعل ثلاثة مواطنين من بلجيكا وما لا يقل عن 11 من فرنسا.

 وقد وعدت الحكومة الفرنسية بالتدخل لمنع تكرار ذلك، كما تدخلت ألمانيا مسبقًا لتخفيف عقوبة امرأة ألمانية من الإعدام إلى السجن مدى الحياة، لكن مع إصرارهم على استمرار المحاكمات خارجيًا.

إسقاط الجنسية

 ولضمان عدم عودة هؤلاء الإرهابيين إلى بلادهم مرة أخرى بدأت الحكومات الأوربية فى إسقاط الجنسية عنهم، انتقامًا منهم لما فعلوه بحق أنفسهم وبلادهم من ناحية، وللسيطرة على عدد القضايا وعدم إهدار موارد الدولة في مراقبتهم من ناحية أخرى، لكن هذا الأمر يعتبر مخالفًا لقانون حقوق الإنسان بأن لكل إنسان الحق في الجنسية ولا يحق للدولة سحب الجنسية عن مواطن إذا كان ذلك سيعرضه لأن يكون بلا جنسية.

القوانين المحلية أيضًا في معظم تلك الدول لا تسمح بسحب الجنسية بقرار إداري، حيث يجب أن يكون هناك محاكمة، وإذا تمت المحاكمة ووجد القاضي أن المواطن لن يكون لديه جنسية بديلة فإنه يلغي قرار الحكومة، ولكن حتى مع سحب الجنسية كما حدث مع «شميمة بيجوم» البريطانية، أو الأختين «زارا» و«ريما إقبال» إضافة إلى أكثر من 100 مواطن بريطاني، فإن هذا لن يحل مشكلة الأطفال.

أطفال بلا هوية

لقد ولد كثير من الأطفال على أراضي سوريا والعراق تحت حكم داعش، وبالطبع ليس لديهم أوراق ثبوتية أو جوازات سفر وبالتالي فهم عديمو الجنسية، وبينما سمحت السويد باستعادة 7 أطفال يتامى للجهادي «مايكل سكرامو» تحت ضغط من الجد والجدة، كما استعادت فرنسا بعض الأطفال، في حين أن هناك دولا كانت أقل تسامحًا مثل الدنمارك التي صرحت وزيرة هجرتها «إنجر ستويبرج»: «بأن من أعطى ظهره للدنمارك لا يحق لأولاده أن يكونوا من مواطنيها».
ويبدو أنه لا وجود للحلول السهلة في التعامل مع تلك الأزمة، خاصة أن إعلان «ترامب» الأخير بسحب القوات الأمريكية تمامًا من سوريا، فتح المجال أمام تركيا ونظام بشار الأسد لمهاجمة القوات الكردية التي قد تفقد السيطرة على المواقع التى تضم من تم القبض والتحفظ عليهم من عناصر داعش، وهو ما قد يعطي قبلة الحياة لداعش مرة أخرى كي تستعيد – ولو جزءا بسيطا – من قوتها، وإذا ظل الوضع على ما هو عليه بترك تلك الأسر في المخيمات والسجون دون أي حقوق، ودون أي حلول بديلة، ستتحول تلك الأماكن تلقائيًا إلى بؤر مثالية لاحتضان أجيال كاملة من الإرهابيين.

المصادر: 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock