منوعات

ديناميات العمل الجماعي في إدارة الجماعات الإرهابية

كتب: ماتياس سبيتسمولير

ترجمة و عرض: تامر الهلالي

 تسببت أعمال الإرهاب المروعة في أضرار جسيمة ووفيات مأساوية، حيث تكررت هذه الأعمال على مدى العقد الماضي بشكل بات ينذر بالخطر. ففي 11 سبتمبر 2001، نفذ تنظيم القاعدة سلسلة من الهجمات المنسقة ضد الولايات المتحدة، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص وجرح أكثر من 6000 أخرين. فى حادث برج التجارة العالمى، و في 11 مارس 2004، قصفت جماعة إسلامية متطرفة أربعة قطارات ركاب في العاصمة الإسبانية مدريد خلال ساعة الذروة الصباحية، مما أسفر عن مقتل 191 شخصًا وجرح 2000 آخرين.  وفي 7 يوليو 2005، هاجم مفجرون انتحاريون إسلاميون نظام النقل العام في لندن، ما أسفر عن مقتل 52 شخصًا وإصابة أكثر من 700 آخرين، وقائمة هذه الأعمال الإرهابية تطول.

 وخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2016، زادت أعداد الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمي ثمانية أضعاف، بينما شهدت سبع وسبعون دولة وفاة واحدة على الأقل بسبب الإرهاب في عام 2016، أي أكثر من أي عام منذ عام 2000.

 وقد أمضى الباحثون والمحللون والحكومات وقتا طويلا، لاستكشاف الدوافع الفردية للإرهابيين. ومع ذلك فإن الأنشطة الإرهابية عادة ما تقوم بها الجماعات، وليس الأفراد المعزولين. لذلك تعد دراسة دور ديناميات أو سلوكيات وسمات الفريق في الأنشطة الإرهابية، شيئاً محورياً لاستكشاف كيف تُجند الجماعات الإرهابية أعضاء جددا وتنظم وتتخذ القرارات.

 وفي هذا الصدد يشير كاتب المقال إلى أن بحثه الأخير مع جويون بارك من جامعة سنغافورة للإدارة، يسعى إلى تقديم فهم أفضل للعوامل التي تحفز الجماعات الإرهابية، وكيف يتخذون قراراتهم. كيف تجمع هذه الجماعات بين هوياتها المحلية و فكرة المهمة العالمية؟. يبحث الكاتب أيضاً في كيف تنظم تلك الجماعات أنفسها، وكيف تنسق هجماتها في ظل تبني استراتيجية السيولة الإدارية، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من التماسك؟

 فرق إرهابية

يرى الباحثان أن تصوُّر الفرق أو الجماعات الإرهابية باعتبارها هياكل مترابطة يمكن أن يساعدنا في الإجابة على هذه الأسئلة. إذ يتضح من دراسة الهيكل التنظيمي لتلك الجماعات أن هناك ما يُطلق عليه مصطلح «الأنظمة مزدوجة الارتباط» داخل هذه الجماعات، فالهيكل التنظيمي وإن كان يحافظ على الجماعة باعتبارها وحدة واحدة، إلا أنه يحافظ أيضا على الهوية الفريدة  لأعضاء تلك الجماعة. بمعنى آخر، يتمتع أعضاء تلك الجماعات بقدر كبير من الاستقلالية الفردية، دون إغفال أهداف الفريق ككل.

و حسب الباحثين، فإن الجماعات الإرهابية تعتمد في هيكلها التنظيمي على نظام رأسي فضفاض، يقوم على مبدأ الإدارة الذاتية، مع القليل من الاعتماد المتبادل بين أعضاء الفريق على بعضهم البعض.

و طبقاً للدراسة، فإن الأنظمة الهيكلية مزدوجة الارتباط التي تعتمدها الجماعات الإرهابية في نظمها الداخلية، توفر العديد من المزايا لأعضاء تلك الجماعات. فهي تسمح للأفراد بالاحتفاظ بهويتهم وتقرير مصيرهم، علاوة على أنها فعّالة للغاية في استشعار التغيرات أو الفرص في البيئة والاستجابة لها، كما أنها تمكنهم من أن يكونوا أكثر قدرة على الاستجابة في مواجهة أي أزمات أو مشكلات داخل المكونات الفرعية للتنظيم.

 وقد استندت هذه الدراسة التي ركزت على رصد الهجمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة منذ 15 عامًا، على دراسات سابقة حول الهياكل التنظيمية للباحث الأمريكي كارل فايك، والتي تناول فيها الأدبيات المتعلقة بسلوك الجماعات واتخاذ القرارات الجماعية، كما استفادت الدراسة من نظريات ما يسمى «الإرتباط الفضفاض» داخل الجماعات الإرهابية.

سيولة القيادة

 وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلى أن بنية القيادة التصاعدية، أي من أسفل إلى أعلى وليس العكس، هي سمة هيكلية مميزة للجماعات الإسلامية المتطرفة وقد أوضح تحليل السلوك التنظيمي للجماعات العنيفة، الذي قام به الباحثون  للتفجيرات التي وقعت في مدريد في 11 مارس 2004، كيف كان هيكل القيادة عشوائيًا داخل الشبكة الإرهابية التي نفذت الهجمات.

وبحسب الدراسة، فإن الأفراد الذين ينجذبون نحو دور قيادي في الشبكة ظهروا ببساطة على أنهم الأكثر فاعلية في تسهيل المتطلبات اللوجستية والاتصالات للمجموعة. كذلك فإن النظام الاجتماعي هو الذي يحدد الأهداف والمهام داخل الشبكة أو الجماعة، وليس القادة الأفراد.

 وتضيف الدراسة: «لا تكمن قوة الجماعات الإرهابية في قادتها، بل في تعقيدها، وعلى الرغم من وجود درجة عالية من التواصل بين بعض أعضاء الفريق، عادة ما تكون الاتصالات بين الشبكة الأكبر فضفاضة جداً». فعلى سبيل المثال في حالة الهجمات الإرهابية على قطارات في مدريد، تورطت مجموعة متنوعة من الأفراد في نهاية المطاف، من الجماعة الإرهابية  التي نفذت الهجمات، بالإضافة إلى اشتراك شبكة الدعم الاجتماعي الأوسع نطاقا، من المجرمين الصغار، وعمال المناجم الإسبان ومخبرين للشرطة.

 أفضل الطرق لمكافحة الإرهاب

إن الطبيعة المرنة للجماعات الإرهابية، إلى جانب افتقارها إلى قائد تقليدي، تجعل من الصعب مكافحة أنشطتها. حيث تتمتع تلك الجماعات المتشابهة، بقدرة هائلة على التكيف مع الظروف المحلية. فعلى على سبيل المثال، وقبل تفجيرات قطارات مدريد، علمت السلطات الإسبانية أن الجماعة الإرهابية المعنية كانت تناقش وتثني على العمليات المتطرفة في جميع أنحاء العالم.. كما أن السلطات الأسبانية كانت تعلم أن نفس المجموعة تنوي شن هجومها على الأراضي الإسبانية. ومع ذلك، لم يتم ضبط أي من أعضاء الفريق واحتجازهم.

 يشير هذا- كما توضح الدراسة – إلى أن جهود مكافحة الإرهاب يجب أن تركز بدرجة أقل على العلاقات الخارجية مع المنظمات الإرهابية، وأكثر على العمليات الفعلية لها.

 وفي هذا الإطار تمثل الطرق والأساليب التي تنظم بها الفرق الإرهابية نفسها أحد أفضل الأمثلة التي رأيناها على الاقتران الفضفاض. ويمكن تطبيق الكثير من هذه المبادئ نفسها على المنظمات التي تسعى إلى أن تكون أكثر مرونة وابتكاراً، بحيث يمكن أن يكون لها فريق ليس له قائد رسمي. فما سيحدث هو أنه سيصعد أعضاء الفريق داخل الهيكل التنظيمي للجماعة، ولكنهم سيتراجعون بعد ذلك ليحل محلهم آخرون، إذا لم يكونوا أفضل أفراد الجماعة لقيادتها في مبادرة أو عمليات معينة.

هذه السيولة التنظيمية، التي تسمح بالموارد والمعلومات من خارج الجماعة أثبتت فعاليتها في تعقب نشاطات الجماعات الإرهابية وإفشال الكثير من مخططاتها. ومع ذلك، كان لأعمال هذه الجماعات الإرهابية العنيفة تأثير عميق على عالمنا على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية. وبالتالي لا يمكن تقييم تأثيرها من خلال النظر في العمليات الفردية لهذه الجماعات سواء كانت ناجحة أو فاشلة، بل بالنجاح المحتمل للهجمات مجتمعة.

*تعريف بالكاتب

ماتياس سبيتسمولير: أستاذ مشارك في السلوك التنظيمي، جامعة كوينز، أونتاريو.

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock