إنه رجل واحد في مواجهة الجميع.. رجل بمفرده في مواجهة المجتمع.. رجل فقد في لحظة: بيته، وزوجته، وأبناءه، وحياته كلها.. أصبح مكسورًا، ومدينا، ومفلسا، وعليه أقساط، ونفسه مدمرة.. هذا هو الرجل المطلق..
الرجل المطلق، كلمة ثقيلة على الوجدان الشعبي، قاسية على قلب وعقل كل من يسمعها، حيث يقف فيها الرجل كي يتحمل نفسيا كل أسباب الطلاق، أو فشل زواجه أو خراب بيته ودمار حياته التى أقبل عليها أو قام ببنائها. نحمّله الكثير من أسباب وتبعات الفشل، إن لم يكن جميعها، فهو متهم بعدم صيانة بيته، وعدم محافظته على محبوبته أو زوجته، ومنها ضياع الأبناء أو إحساسهم – بالنقص – أي نقص جزء هام في تكوينهم ورعايتهم، يضاف إلى ذلك الجانب المادي الذي لن يسلم منه، سواء كان ديونا أو أقساطا أو أعباء تحملها في سبيل إنشاء بيته ورعايته، وبالتالي نحمله كل ذلك، يضاف إلى هذا، الأسباب النفسية، وهذا هو المهم هنا، حيث، عدم إستطاعته – بسهولة – أن يتكيف مع المحيط الجديد له، أو بصفته «رجل مطلق» أو خائب أو فاشل. وإذا نظرنا من جهة أخري وهي أن الرجل المطلق مثله مثل المرأة، يصبح «مطمع» الكثير، سواء بقصد أو بدون قصد.
اقرأ أيضا:
حفلات الطلاق والعزوبية.. ولع المهزوم بتقليد الغالب via @aswatonline https://t.co/9pjOvffH1H
— أصوات Aswat (@aswatonline) November 6, 2019
باختصار فإن الرجل المطلق جحيم أو قنبلة موقوتة، تسير بيننا، ولا نراه إلا شخصا مخطئا وقاسيا ومذنبا. وكأنه هو سبب فشل حياته..
ولأننا في مجتمعنا المصري أو الشرقي، ننظر للطلاق من ناحية واحدة وأقصد الزوجة فقط، أي المرأة المطلقة، فلماذا لا نطل من الزاوية الأخري، وأقصد هنا النصف الآخر من علاقة الطلاق وهو الرجل. يشهد المجتمع المصري الآلاف المؤلفة من حالات الطلاق سنويا، لكن الاحصاءات تتوقف كثيرا عند المطلقات فقط. والسؤال هنا إذا كان المجتمع كله يلتف حول المرأة المطلقة، بصفتها الجانب – المكسور – أو المظلوم، أو التى وقع عليها أكثر الضرر من الطلاق، فلماذا لا ينظر أحد للطرف الآخر، أي الرجل المطلق؟
الوجه الآخر
لا أريد هنا أن يُفهم هذا الحديث باعتباره تحيزًا لصالح الرجل ضد المرأة، لكن بهدف أن ننظر للموضوع من جميع جوانبه. أنظر إلى شاب ظل أعواما يقوم بتجهيز «عش الزوجية»، يدّخر، ويدخل جمعيات، ويقترض، ويوجه كل طاقته «المادية والنفسية» لإنجاز هذا الهدف وهو تحقيق حلمه في تكوين بيت وأسرة. فإذا أضفت مصاريف عقد قرآن و تجهيزات الفرح، والمؤخر، وقائمة بالمنقولات، ونثريات أخري لا نستطيع حصرها، نكتشف ضخامة تلك التكاليف، وكل ذلك قبل أن يخطو فوق عتبة بيته الجديد. ثم حين يقع الطلاق، ينهار كل ذلك، ويجد هذا الرجل نفسه على الأرض، أو على البلاط كما يقولون. ليصبح فريسة للجميع.. للدائنين أو «الديّانة»، وهذا فقط ما يظهر على السطح،.. لعيون الجميع، من جيران وأهل وأصدقاء وزملاء في العمل وفي الحياة، كلها تتهمه بأنه قصّر في رعاية بيته ولم يستطع الحفاظ عليه، ولم ينجح في التأقلم أو التكيف وسط أسرته الجديدة، ولم يستطع أن يصمد في الحياة كما يصمد الكثيرون دون أن يقوموا بالشكوي.
وربما نري كثيرامن الرجال المطلقين، وقد ساءت أحوالهم النفسية فيصبح كل منهم عدوا للمجتمع وينفر من الجميع بسبب الطلاق..
وإذا كانت المطلقة مطمعا للرجال، فالرجل المطلق أيضا قد يصبح مطمعا للنساء، حيث قد يصبح فريسة سهلة لتعويض جزء مما فقده في زيجته الفاشلة. فربما يدفعه شعوره بالفشل أو قد يحثه البعض على الدخول في تجربة زواج أخري يعوض بها الزيجة السابقة، وهو ما قد يوقعه في فشل جديد. فهو هنا يصبح مثل الجريح أو المكسور الذي يريد أن يسترد ما فقده أو يجبر بخاطره أو خاطر كبريائه، فيقوم بإختيار خاطيء آخر، يزيد الحياة حوله سوءا. وقد يحاول المطلق نسيان محنته ليس بالزواج مجددا، ولكن بأن يلقي بنفسه في حضن أي شيء «مخدرات أو ادمان أي شيء يجعله يستطيع النسيان أو التكيف مع وضعه الجديد بصفته «رجل مطلق».
وبالمناسبة.. انتشر فى المجتمع المصرى الطلاق الذى يحدث بعد تجربة زواج قصيرة لا تتجاوز عاما أو بضعة شهور، والذي انتشر في مجتمعنا في السنوات الأخيرة بصورة مخيفة، تلك الظاهرة التى تزايدت بشدة، فما نكاد ننتهي من فرح أحد الأصدقاء أو الاقارب، وعندما نسأل عنه وعن أخباره، نجد الصمت أو تغيير الموضوع أو البكاء، ونذهل عندما نعرف إنه طلق أو انفصل.
المؤكد أن النساء المطلقات لسن دائما ضحايا، وكذلك الرجال المطلقين أيضا. فهناك رجال لا يستطيعون، أو لا يحبون تحمل المسئولية، أو لم يخرجوا بعد من رعاية أسرهم، والواحد منهم يعتقد بأن الزوجة يجب أن تكون مثل أمه في كل شيء، سواء تصرفات أو افعال، أو عدم تكيف مع الوضع الجديد، أو ترهقه الطلبات والأعباء الجديدة للزواج، وربما يكون السبب هو تدخل الأهل في حياة الأبناء ،وبالتالي تفشل الزيجة و يحدث الخراب. ففي كثير من الحالات يكون الأهل سببا في وقوع الطلاق، سواء نتيجة تدخلاتهم في شؤون الزوجين، أو عدم القدرة على إقناع بناتهم أو بناتهن بقسوة الحياة والغلاء وضرورة الصبر وتحمل أعباء الزواج، وتفهم ضغوط الحياة على الزوج، والذي يجب أن يعمل أكثر من عمل حتي يستطيع أن يوفر لبيته الحياة الكريمة، وكذلك فإن هناك أسر لم تزرع في نفوس أولادها الذكور قيمة تحمل المسؤولية والصبر على الزواج وأعبائه.
أيا يكن المسؤول عنه فإن قرار الطلاق ليس سهلا أو حلا كما يعتقد الكثيرون الآن، أو هروبا من واقعنا الذي نعيش فيه، أو ظروفنا الإقتصادية الطاحنة التى تهدر الكثير من طاقتنا أو إحساسنا واستمتاعنا بالحياة.فتكوين أسرة هو اللبنة الاولي لتكوين واستقرار المجتمع، واهتزازها أو انهيارها بسبب الطلاق، يسبب الكثير من المشكلات، والآثار النفسية للرجل والمرأة، أما إذا كان هناك أبناء، فحدث ولا حرج في هذا الموضوع الشائك.
أعرف كثيرا من الحالات وافق فيها الزوجان على الطلاق لكنهما يعيشان تحت سقف واحد حتي لا يتعرضا لتجريح أو تقريع المجتمع لهما فكلمة مطلقة أو مطلق في مجتمعنا ـ من أسوأ الكلمات التي يمكن أن نسمعها.
كل ما أتمناه هنا أن نجد الرعاية الاجتماعية لعلاج مشكلة الطلاق وآثارها، سواء بالصلح بين الطرفين، أو مساعدتهما على أن يبدآ حياتهما من جديد، سواء للرجل أو للمرأة. وأتمني أن لا نحّمل الرجل فشل الأسرة أو تكوينها وأنه مذنب على طول الخط، وأن نعامله بالرحمة حتي يستطيع عبورتلك العاصفة إلى جزيرة جديدة وبيت جديد، أو ترميم بيته القديم وجبر الكسور في حياته، حتي لا يتحول إلى قنبلة موقوتة تنتظر لحظة مناسبة لتنفجر في وجوهنا جميعا.
اقرأ أيضا:
أرقام مفزعة وقضايا موجعة: كيف تغيرت فلسفة الطلاق عند المصريين؟ via @aswatonline https://t.co/W4wYjB0Fj9
— أصوات Aswat (@aswatonline) November 6, 2019