سنوات من النضال خاضتها النساء العربيات لمناهضة العنف الواقع عليهن بسبب النوع، حققن خلالها نجاحات ملموسة تمثلت في اعتراف الحكومات بأشكال العنف التي تتعرض له النساء في المنزل، والعمل والمجتمع، ووضعت الحكومات استراتيجيات وتشريعات للقضاء على العنف.
لكن الطريق لايزال طويلا، فثمة إشكاليات تتعلق بمدى التزام وجدية الحكومات في تنفيذ هذه الاستراتيجيات، وأيضا مراجعة التشريعات من منظور النوع الاجتماعي. مثل سيادة الفكر الذكوري في المجتمعات العربية، فضلا عن الثقافة المحافظة التي تكرس للعنف ضد المرأة.
وتتعدد وتتشابه أشكال العنف في المجتمعات العربية، وإن كانت هناك خصوصية لكل مجتمع، وفقا للأوضاع السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تؤدى إلى بعض الاختلافات في حدة وأشكال العنف فيما بين الدول العربية.
تأثير قبلى
في السودان على سبيل المثال تقول الدكتورة إحسان فقيري عضو الاتحاد النسائي السوداني إن تأثير المجتمع القبلي في السودان يبدو حاضرا بقوة في هذا الصدد، حيث يسيطر حكم شيخ القبيلة في بعض المناطق أكثر من حكم القاضي والقانون، فتعاني المرأة داخل الأسرة من سوء المعاملة وتعرضها لأشكال عديدة من العنف بعد اجبارها على الزواج من قبل الوالدين أو القبيلة. وفي بعض الأحيان يكون الضحية فتاة صغيرة، وعندما تتعرض للعنف من قبل الزوج، تمارس عليها الأسرة والقبيلة ضغوطا لكى تستمر في حياتها الزوجية ولا يسمح لها بالطلاق.
وتتضاعف معاناة المرأة السودانية – كما تشير فقيري – بسبب الحروب الأهلية، فهناك نساء ولدن وتزوجن في مناطق النزوح، ويعشن حالة عدم الاستقرار التي تفرزها الحرب وتسبب لهن القلق من هاجس فقدان افراد الأسرة وتحطيم الخيام التي اتخذنها كمأوى لهن، وفقدانهن لحيواتهن واغتصابهن وتشريدهن كل هذا يسبب لهن أضرارا نفسية كبيره تجعلهن غير قادرات علي الاستمرار في الحياة وتقدمن علي انهاء حيواتهن للهروب من معاناتهن اليومية.
إحسان فقيري
جرائم الاحتلال
أما معاناة المرأة الفلسطينية، فهي مضاعفة، حيث تتشارك مع النساء العربيات جميع أشكال العنف الذي يتعرضن له في مجتمعاتهن ،بالإضافة إلى العنف الناتج عن الاحتلال. تقول ساما عويضة المديرة العامة بمركز الدراسات النسوية في فلسطين إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاته الدؤوبة لطمس الهوية الفلسطينية، قد أدى إلى زيادة العنف الموجه ضد النساء من خلال أمرين:
-الأول استخدام الثقافة المجتمعية السائدة لنشر الرعب بين صفوف المجتمع الفلسطيني من خلال إدراك جنود الاحتلال مدى أهمية كرامة وشرف المرأة في المجتمع الفلسطيني، فيحاولون من خلال اعتداءاتهم المتكرر
على النساء عند مرورهن على الحواجز، زيادة الضغط النفسي على الرجال وإشعارهم أنه ليس بمقدورهم حماية نسائهم «شرفهم».
-الأمر الثاني من خلال خلق عوائق تحول دون وصول النساء والفتيات إلى العديد من الموارد المجتمعية، فعلى سبيل المثال قضية الحواجز العسكرية على الطرق أعاقت وصول العديد من الطالبات للمدارس والجامعات وفرص العمل وتسبب هذه الإجراءات مخاطر حقيقية تكون ضحاياها من النساء والفتيات بشكل خاص.
كما تتعرض المرأة الفلسطينية، كغيرها من أبناء الشعب الفلسطيني لكافة الانتهاكات الناجمة عن ممارسات الاحتلال ،من قتل وجرح وإصابة تصل حد العاهات المستديمة، بالإضافة إلى ما تتعرض له بعض النساء الحوامل من استنشاق للغاز، أو الإصابة المباشرة جراء قرب مساكنهن من مناطق المواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو المستوطنات وقد أشارت بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين الأجنة، وتعرض النساء لحالات الإجهاض القصري.
ساما عويضة
العنف الأسري
أما في الأردن فتكشف الإحصائيات عن العنف الذي تتعرض له النساء، حيث تشير سماح مرمش المحامية والمديرة التنفيذية للشبكة القانونية للنساء العربيات، إلى أنَّ 35% من نساء الأردن تعرضن للضرب بطريقة أو بأخري، وأن 47% من النساء يتعرضن للضرب بصورة دائمة، كما أعلنت إدارة حماية الأسرة أنها تعاملت خلال عام 2018 مع 11923 حالة وقضية تخص العنف ضد المرأة وقد شكلت الاعتداءات الجنسية 13% منها كما أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية أنها اجرت 5617 دراسة اجتماعية لحالات عنف أسري.
وأوضحت «سماح مرمش» أن هناك جهودا حكومية من أجل مواجهة العنف ضد المرأة الأردنية فقد قامت وزارة التنمية الاجتماعية بإنشاء خمس دور إيواء للنساء المعنفات، وسبق ذلك إنشاء الاتحاد النسائي الأردني لأول دار لاستقبال النساء المعنفات في الأردن في عام 1999 ، كما صدر عدد من التشريعات التي تجرم العنف ومنها قانون للحماية من العنف الأسري (2017)، وأجريت تعديلات على قانون العقوبات (2017) حيث ألغيت المادة (308) التي تتيح للمغتصب الزواج من ضحيته والإفلات من العقاب، كما منع استخدام العذر المخفف بحق مرتكبي الجرائم بذريعة “الشرف” الذي ينص عليه في (المادة 98)، وإقرار تعليمات جديدة لمنح الإذن في الزواج للفئة العمرية 15-18 عاماً.
سماح مرمش
وكما في المجتمعات العربية الأخرى فإن المرأة البحرينية هى الأخرى تعانى من العنف، وطبقا للإحصائية الرسمية الصادرة عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ،فإن عدد النساء المعنفات المسجلات في دور الإيواء والإرشاد الأسري في البحرين، بلغ 50 ألف حالة خلال السنوات العشر الأخيرة بمعدل 5000 معنفة سنويا ، هذا خلاف المعنفات اللاتي يلزمن الصمت للاعتبارات الأسرية والمجتمعية المعروفة.
ورغم صدور قانون الحماية من العنف الأسري فإن هذا القانون لا يجرم الإغتصاب الزوجي ولم ينص على تجريم التهديد بالإيذاء، كما أجازت المادة (19 ) من القانون للمعتدى عليه أو وكيله أن يتنازل في جرائم العنف الأسري عن الشكوى في أي حالة كانت عليها الدعوى، وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل. ويري الخبير القانوني البحريني الدكتور حسن مدنى أنه كان الأجدر بالقانون أن يستخدم مفردة الصلح في الشكوى بدلا من التنازل عنها، وأن يكون هذا الصلح ضمن شروط معينة يتفق عليها المعتدى عليه مع المعتدي، وتكون خاضعة لرقابة إدارة الإرشاد الأسري.
أما عن الوضع في المملكة العربية السعودية والاجراءات التي اتخذتها المملكة للقضاء على العنف الأسرى ضد المرأة ، فتقول الدكتورة وفاء التويجري رئيسة لجنة الأسرة والمرأة والطفل بهيئة حقوق الانسان السعودية ، إن السلطات السعودية اتخذت عدة خطوات في هذا الصدد ، منها إنشاء وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مركز لتلقي البلاغات ضد العنف والإيذاء عبر الهاتف أو البوابة الإلكترونية لوزارة الداخلية، أوبالبريد الإلكتروني لإدارة حقوق الإنسان بالوزارة.كما قامت الوزارة بتوقيع مذكرات تفاهم مع عدد من الجمعيات للتوسع في توفير دور للإيواء في المناطق والمحافظات. وصدر مرسوم سامى عام 2017 م، بشأن دراسة قضايا العنف الأسري، وقد تضمن الأمر عدداً من التوجيهات المتصلة بالموضوع ومن أبرزها:مراجعة الأنظمة ذات العلاقة واقتراح التعديلات المناسبة عليها ،ودعم المحاكم العامة ومحاكم الأحوال الشخصية والمحاكم الجزائية بالعدد الكافي من الباحثين والمتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس، بما يحقق تقديم المشورة المهنية للقضاة في قضايا العنف الأسري. كما صدر خلال العام الحالي
وفاء التويجري
تفاقم العنف
عائدة نصر الله رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية تشير إلى تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات فـ لبنان بمختلف أشكاله (الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي والقانوني).
إذ تشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد حالات الاعتداء الجنسي من 36 حالة عام 2013 إلى 304 حالة عام 2015. كما ارتفع عدد حالات العنف الجسدي من 145 عام 2013، إلى 673 حالة عام 2015 ، كما تظهر الإحصاءات الصادرة عن قوى الأمن الداخلي أنماطاً مشابهة في الارتفاع المطرد لعدد الحالات المبلغ عنها بين العام 2015 والعام 2017. فقد سجلت حالات تهديد الإناث بالقتل ارتفاعا من 12 حالة عام 2015 إلى 44 حالة عام 2017، وحالات التهديد من حالتين عام 2015 إلى 39 حالة عام 2017، كما ارتفعت حالات الضرب والإيذاء من 22 حالة عام 2015 إلى 149 حالة عام 2017.
ويوجد في لبنان 15 قانوناً للأحوال الشخصية لـ 18 طائفة ومذهب، هذه القوانين جميعها تتضمن تمييزاً وإجحافاً بحق المرأة، فتسهم هذه القوانين في تبرير وتشريع العنف الممارَس على النساء إذ تُغلف هذه القوانين بستار من القدسية وقد تم ربطها بالدين وبثقافة تقليدية موروثة.
عائدة نصر الله
تكلفة إقتصادية
أما في مصر فقد صدر مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع عام 2015، ويضيف هذا المسح بعدا مهما يتعلق بأن العنف يسبب أضرارا مالية، ويحتاج لأن تقوم الحكومات بتخصيص موارد مالية في موازناتها من أجل أن تقدم الدعم الصحي والنفسي للمعرضات للعنف، ومن بين البيانات التي تناولها هذا المسح الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء ، تقدر التكلفة الإجمالية التي تتكبدها النساء وأسرهن بسبب العنف ما يزيد عن 2 مليار جنيه مصري، وتفقد الدولة نحو نصف مليون يوم عمل للنساء المتزوجات و200 ألف يوم عمل للزوج سنويا بسبب العنف الأسري.
ووفقا لما ورد في استراتيجية تمكين المرأة في مارس 2017، والصادرة عن المجلس القومي للمرأة أن نسبة النساء اللاتي تعرضن للتحرش حتى 2015 تصل لنحو 13% ونسبة العنف من قبل الزوج حتى عام 2014 تصل إلى 25.2%، ونسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف النفسي من قبل الزوج حتى عام 2014 تصل إلى 18% و نسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي من قبل الزوج حتى عام 2014 تصل إلى 4.1% وأن المستهدف في 2030 القضاء على هذه الأشكال المختلفة من العنف .
قانون موحد
تقدم التجربة التونسية خبرة مهمة في إصدار التشريعات والإجراءات التي يمكن أن توفر الحماية للنساء. وفي هذا الصدد تقول حنان محجوبي رئيسة جمعية مسارات نسائية بتونس إن تونس اتخذت خطوات مهمة من أجل مناهضة العنف ضد المرأة، وذلك من خلال سن حزمة من القوانين والإجراءات ،وخاصة القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة والذي دخل حيز التنفيذ بداية من يوم 15 فبراير 2018.
وتشير إلى أن أهمية هذا القانون أنه يضمن تنفيذ عدد من الإجراءات الملزمة للجهات التنفيذية المعنية.
بحثا عن حلول
فى محاولة البحث عن حلول للعنف الأسرى المتفشى ضد المرأة فى عالمنا العربى فإن الناشطات والمدافعات والجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في العالم العربي، تتفق على ضرورة تفعيل آليات العمل المشترك بين المنظمات النسوية العربية، و مطالبة الحكومات العربية بمجموعة من الاجراءات والخطوات من بينها:
-قيام الحكومات العربية بتنفيذ خطط محددة للقضاء على العنف على أن تخصص لها موازنات وجدول زمني للتنفيذ.
-التصديق علي اتفاقية القضاء علي جميع اشكال التمييز ضد المرأة «السيداو»، للدول التي لم تصدق عليها، أما الدول التي صدقت علي الاتفاقية فيجب أن تعمل على تفعيلها دون تحفظ على أي من بنودها.
-مراجعة التشريعات والتأكد من من خلوها من العنف والتمييز.
-تطوير المنظومة القانونية وتوفير البيئة المناسبة لإنفاذ القوانين وتطبيقها بما يضمن تحقيق الحماية من العنف ضد النساء.
– زيادة أعداد المحاكم ودور الرعاية وتأهيل القائمين على هذه المؤسسات بشأن التعامل مع قضايا العنف.