رؤى

نساء الربيع العربي: مكاسب منقوصة تواجه دعاوى العودة إلى قفص الحريم

امتلكت المرأة العربية على مدار التاريخ النضالي في العالم العربي، قدرا معتبرا من الحضور والمشاركة والقدرة على التأثير فى الأحداث الكبرى. وقد تجلى ذلك في أبهى صوره خلال ثورات الربيع العربي التي كان للمرأة العربية فيها دور لا يمكن إنكاره أو تجاهله. فمنذ اندلاع  الانتفاضات الثورية فى تونس ثم مصر وليبيا  وسوريا واليمن شاركت المرأة العربية من مختلف الأعمار  والطبقات والمستويات الثقافية والاجتماعية، وقدمت النساء العربيات شهيدات عظيمات وتضحيات جسام. إلا أنه وبالرغم من كل هذه التضحيات فإن اصواتا محافظة ورجعية تخرج علينا لتعادى المرأة وتنتقد تواجدها في المجال العام.

من هنا تأتى أهمية كتاب «الانتفاضات والعدالة الجندرية في العالم العربي» والذي يضم مجموعة من الأوراق البحثية  التي ُقدمت في مؤتمر الانتفاضة والعدالة الجندرية في العالم العربي الذي نظمته الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية بالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والشئون الدولية في بيروت. فعبر هذه الأوراق البحثية التي قدمتها باحثات من دول عربية، يرصد الكتاب مدى تأثير الانتفاضات العربية على أوضاع النساء في المنطقة العربية، وعلى التنظيم والحراك النسوى العربي ومضمونه وخطاباته.

ابتسام العطيات وكتاب «الانتفاضات والعدالة الجندرية في العالم العربي»

ما نستخلصه من عروض هذه الأوراق أنه قبل تلك الانتفاضات الشعبية، كانت النساء في الدول العربية لايتمتعن بجميع حقوقهن الكاملة، مع ضعف البنية التشريعية التى تحميهن من العنف والتمييز، بل تضمنت بعض التشريعات نصوصا تمييزية ضدهن أثرت سلبا على حياتهن داخل الأسرة وخارجها، وضعف تمثيل النساء في المجالين السياسي والاقتصادي، ثم جاءت الانتفاضات لتفتح باب الأمل للمرأة، وتعطيها قوة دفع وتحفيز للعمل على كسر الأطر التقليدية والنمطية. إذ بادرت المرأة العربية بالمشاركة في هذه الثورات وكانت في مقدمة الصفوف، وكانت أدوارها رئيسة وأساسية.

انتصارات وانكسارات

ولأن شرارة الانتفاضات انطلقت من تونس، فكانت أولى الاوراق في الكتاب هي الورقة التي قدمتها  الباحثة «سلسبيل القليبي» التي اوضحت أن الحراك النسوي في تونس موجود منذ الثلاثينات، فضلا عن المكاسب التي حصلت عليها  المرأة التونسية ضمن المشروع التحديثي للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وإصداره مجلة الأحوال الشخصية ، وهي المكاسب التي  شكلت ركيزة أساسية من أجل تحقيق مكاسب أخرى. وقد تعززت المطالب النسوية بمزيد من الضمانات الدستورية ،فأقر الدستور التونسي مبدأ المناصفة والحصول على مكاسب قانونية تضمنت مزيدا من الحقوق السياسية والاجتماعية للنساء وعززت تواجد النساءالتونسيات في المجال العام، ومنها صدور قانون موحد لمناهضة العنف.

Image result for ‫الباحثة سلسبيل القليبي‬‎

الباحثة «سلسبيل القليبي»

أما  الباحثة «ابتسام القصيبي» فقد تحدثت في ورقتها عن مشاركة النساء في ليبيا منذ اليوم الأول للتظاهرات في فبراير 2011 مطالبات بالحرية، وتعددت الأدوار التي قمن بها، مثل توزيع البيانات و المشاركة في توفير الاحتياجات اللوجستية للمتظاهرين والمعتصمين في الميادين ،والقيام بمهام الإسعافات وعلاج الجرحى واستخدام صفحات التواصل الاجتماعى في نقل أحداث الانتفاضات والحشد والتعبئة، وتعرضت النساء للعنف بمختلف أشكاله (التهجير والقتل والتعذيب والإخفاء القسري والعنف الجنسي). كما تتعرض القصيبي في ورقتها إلى الدور الذي لعبته المرأة في الأحزاب السياسية التي تأسست بعد إسقاط القذافي، حيث انخرطت المرأة الليبية في الأحزاب، وأسست منظمات وجمعيات أهلية للعمل على قضايا النساء، وهو ما كان بداية لمأسسة الحراك النسوي وإنشاء منابر للنساء، فى مواجهة قوى الخطاب الذكورى، كما ركزت النساء  الليبيات على المشاركة في صنع القرار واثبات قدرتهن بطريقة عملية على المشاركة السياسية، فكان تمثيل سيدتين (سلوى الدغيلى وسلوى بوقعيقيص) في المجلس الانتقالي الذي تشكل في مارس 2011، وأجريت انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في 20 فبراير 2014، حيث وخصصت 6 مقاعد للنساء، كما أجريت انتخابات مجلس النواب في يونيو 2014 ونص قانون الانتخابات على تخصيص 30 مقعدا للنساء من اصل 200 مقعد في مجلس النواب.

Related image

لكن على المستوى الاجتماعي، فإن البنية الثقافية التمييزية تجاه المرأة في ليبيا لم تتغير ،واستمرت تفرض عليها ممارسات عنف وتمييز عانت منها النساء على مدى عقود طويلة ومنها العنف الأسري. ومع تصاعد العنف المسلح وانحراف مسار الانتفاضة في ليبيا تصاعد العنف السياسي والقمع ضد الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان بشكل ممنهج من قبل المليشيات المسلحة، وتمت ملاحقتهن وتهجيرهن قسريا و اغتيالهن.

امتد تأثير الانتفاضات العربية إلى دول أخرى لم تحدث بها انتفاضات، فاستجابت حكومات هذه الدول لبعض المطالب، تفاديا لتكرار سيناريو الانتفاضات في دولهم. وفي هذا الإطار تشير الباحثة فريال العلمي إلى وصول نسبة تمثيل النساء في الجزائر عام 2012 في المجلس التشريعى إلى 31.6% محققة المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتم زيادة عدد النساء في الحكومة إلى 19% عام 2012. كما استجابت الحكومة الجزائرية في العام 2015 للمطالب النسوية الخاصة بقضية العنف التى ناضلت النساء من أجلها على مدى خمسة عشر عاما، وأصبحت هناك احكام في القانون تجرم العنف ضد النساء ومنها العنف المنزلى، والتحرش الجنسي.

بينما أخذ الوضع في لبنان كما ذكرت الباحثة «دلال البزرى» تعقيدات مختلفة أثرت على أوضاع النساء وطبيعة حراك المنظمات النسوية هناك، منها ما هو يتعلق بالطبيعة الطائفية والسياسية في لبنان وانعكاس هذا على البنية التشريعية وانماط العنف والتمييز التي تتعرض له النساء، بالإضافة إلى تعقيدات السياسة الخارجية ومنها انعكاس مجريات الأحداث في سوريا على الوضع في بيروت وما يخص المنظمات النسوية هو قضية اللاجئات السوريات، وكيف يكون هناك تضامن نسوى مع هؤلاء النساء بمعزل عن السياق السياسي.

Image result for ‫دلال البزرى‬‎

الباحثة «دلال البزرى»

نساء داعش

على صعيد اّخر وفي سوريا التى تحولت فيها الانتفاضة إلى نزاع مسلح، مما أتاح الفرصة لـ«تنظيم داعش» بالتمدد فيها  والاستيلاء على مصادر تسليح وموارد مالية، وأن يصبح طرفا أساسيا في الصراع الدائر. وقد انضمت مئات من النساء لهذا التنظيم، وقمن بمهام قتالية، وهو ذات الأمر الذى ينطبق على ليبيا والعراق.

وفي هذا الصدد عرضت الورقة المقدمة من الباحثة «داليا غانم»، للتفسيرات والتحليلات المختلفة التى دفعت النساء للانضمام لهذه التنظيمات المتشددة، ومنها ما هو مرتبط باعتناق أيدولوجيات معينة، أو بسبب الفقر. وهناك تحليلات أخرى ترى أن النساء دفعن إلى هذه التنظيمات تحت ضغط سلطة أبوية بحكم أنهن زوجات أو أخوات أو بنات للرجال في التنظيم، ومنهن من تم استمالتهن بطرق مختلفة سواء من خلال اختراق فكرى لتجمعات نسائية، أوعبر وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث يوجد بين هؤلاء نساء غربيات، اعتقدن أن الانضمام لهذه التنظيمات هو الوسيلة التى سوف تنقلهن للمدينة الفاضلة، والمكان المثالي الذي تتأسس فيه دولة الخلافة الأسلامية ويكفرن فيه عن المعاصي التى ارتكبنها طمعا في الجنة.

الباحثة «داليا غانم»

 وتكشف لنا الأوراق كيف كانت قضايا النساء موضوع شد وجذب بين قوى التغيير وقوى الرجعية المحافظة التي حاولت  الانقضاض على الكثير من حقوق النساء وتبنى خطابات تحريضية ضدهن، والمطالبة بعودتهن إلى المنزل، خاصة في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة. كما تكشف الأوراق محاولات بعض الدول اتخاذ اجراءات احترازية أو إحداث مواءمات لكى تتفادى اندلاع الانتفاضات بها، من خلال الاستجابة لعدد من مطالب النساء على المستوى التشريعى، لكن دون العمل على تفعيل هذه التشريعات، حيث لاتزال الفجوة كبيرة بين النصوص والتطبيق.

رغم جميع التحديات السابقة لا يمكن إنكار أن أهم مكسب حققه الحراك النسوى على مدى الثمانى سنوات الماضية هو إدراج قضايا النساء على أجندة  الحوار المجتمعى، وانخراط روافد شابة جديدة تعطى مزيدا من الحيوية وتجذيرا للحراك النسوى.

منى عزت

باحثة مهتمة بقضايا العمل والمرأة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock