أنا ذلك الطفل القروي الذي كان يجرى حافيًّا بدروبها سعيدًا بنزول المطر، متقافزا بالصيف على لسعة الطرق، هكذا تحدث الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام، إلى جمهور معرض الكتاب، في حديث مطول غلفه الحب والمشاعر الإنسانية، وهو اللقاء الأول لسلام مع الجمهور بعد الأزمة الصحية الكبيرة التي تعرض لها مؤخرًا، وأثارت ضجة كبيرة بعد تباطؤ الجهات المعنية عن علاجه، ومازال الشاعر المتفرد يمثل للعلاج الكيميائي حتى تلك اللحظات، و قد أدار اللقاء الشاعر أحمد بلبولة.
غلبت اللغة الشعرية على حوار رفعت سلام، فكان حديثًّا سلسًا، نابعًا من القلب، يسرد فيه رحلته في الحياة، منذ أن كان صغيرًا يجوب في قريته الصغيره تحت الأمطار، مرورا بدراسته وشبابه وحتى الآن.
مسئولية المعرفة
تحدث «سلام» في البداية عن حبه للكتابة حيث قال: لقد قدمت على مدار تاريخي أكثر من 30 كتابًا ما بين التاريخ والشعر والتأليف والترجمة، وكان هم الشعر موضوعي، لتأتي ورطة أكبر هي هم الترجمة، ووقعت في مشكلة بالنسبة لي كشاعر، لأن المعرفة التي تتحقق بعمق أكبر من خلال الترجمة، فهذه المعرفة كانت عبئًا عليَّ كشاعر، فقد تحمل نفسك مسئولية تجاه الشعر، وأمام الترجمة فأنت تحمل نفسك مسئولية أكبر، طالما أنك من أعداء التكرار، ولا تقبل بأن تكتب ما يكتبه الآخرون أو تقدمه أو تعيد ترجمته، أو تقدمه أو تعيد إنتاجه، لأنك تجد نفسك أمام شعراء آخرين، لايتحدثون ولا يكتبون بلغتك بل بلغات أخرى
وتابع «سلام»، أنا لست ابنًا لطبقة كانت تذهب بأولادها إلى المدارس الخاصة ليتعلموا اللغات الأجنبية، إنما أنا ذلك الطفل القروي الذي كان يجرى حافيًّا بدروبها سعيدًا بنزول المطر، متقافزا بالصيف على لسعة الطرق، أنا ذلك الطفل، وبيتنا كائن في نهاية القرية، وكان على أن أقطع شوارعها ودروبها، للذهاب إلى المدرسة، وبالتالي حين بدأت الاحتكاك باللغة في المدرسة تشبثت بهذه العلاقة، وحين كان لي أن احتك بها في الكلية ظللت متشبثًا بها أكثر، فكنت أعرف أنني يجب أن أتشبع بالمعرفة. حيرة المشوار.
طريق الإبداع
وتساءل «سلام»: لماذا يقدم المترجمون الأعمال الروائية الروسية لا الشعر الروسي، فأنت تقرأ للكتاب الروس أعمالهم الروائية ولكنك لن تجد أي ترجمة عن أعمالهم الشعرية، وهو ما قادني إلى الذهاب إلى تلك الأعمال والقيام بترجمتها لنفسي، فما قدمته من ترجمة الشعراء الروس كان من باب المعرفة الشخصية لي ولأصدقائي.
واستكمل، تلك هي اللحظة الأولى لي، حتى وإن سبقتها لحظات مبكرة، لا أدرى ما الذي دفعني في المرحلة الإعدادية إلى أن أفتش في العالم وأحاول الرسم وعندما ينغلق الطريق أحاول كتابة القصة، وإذا انغلق الطريق أحاول كتابة السيرة الذاتية، فينغلق كل ذلك، حتى وصلت إلى المرحلة الثانوية، حتى ألتقيت بأساتذتي في اللغة العربية، وقد كتبت كتابي الشعري الأولى.
وأكد «سلام» أنه في بداياته الشعرية تأثر للغاية ببصمة الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور. وأختتم اللقاء بعدد من القصائد الشعرية التي ألقاها سلام على جمهور الحاضرين.