نوع من الكوميديا السوداء يمكن أن نضع في إطاره ما صرح به الدكتور حسن نصر الدين أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، وهو يتحدث في ندوة كاتب وكتاب ضمن فعاليات معرض الكتاب عن ترجمته لكتاب «تاريخ البحر الأحمر من ديليسبس حتى اليوم» للفرنسي «روجيه جوانت داجنت». قال د نصر الدين بالحرف: «ترجمت الكتاب وسلمته للمركز القومي للترجمة، وبعد فترة سألت عنه فأبلغوني بفقدان الأصل الفرنسي والترجمة، التي أخذت سنوات من عمري، فأرسلت لشرائه مرة أخرى وترجمته من جديد»، والسؤال هنا هل حاسب أحدٌ المسئولين عن تلك المهزلة؟
وقد أدار الندوة المؤرخ الدكتور السيد فليفل، العميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، وناقش الكتاب الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية، والدكتور خلف عبد العظيم الميري الأستاذ بجامعة عين شمس. والخبير في تاريخ البحر الأحمر.
وفي البداية قال الدكتور حسن نصر الدين، عن الكتاب الذي صدر عام 2019 عن المركز القومي للترجمة، إن الكتاب هو الجزء الثاني من كتاب يتتبع تاريخ البحر الأحمر منذ القدم بعنوان «البحر الأحمر من موسى وحتى بونابرت».
وأضاف نصر الدين، أن الجزء الثاني يتناول عددًا ضخمًا من الموضوعات في أكثر من 1200 صفحة، وتأتي أهميته من احتوائه على مجموعة من الوثائق النادرة، التي لم يطلع عليها إلا المؤلف، كما يضم ثلاثة ملاحق، أحدها عن الأسماء الجغرافية لكل البلدان التي ورد ذكرها بمتن الكتاب.
وأشار إلى أن المؤلف يتتبع تاريخ البحر الأحمر منذ نشأته، ويتحدث عن الشعوب الأولى التي استوطنت المنطقة، وتاريخ البحر الأحمر في العصور المصرية القديمة، لافتا إلى أنه كان بصدد كتاب عن رواد علم المصريات، وفي البحث عن مصادر للكتابة، وجد هذا العنوان فأخذ في ترجمته واستكماله، وقرر أن يكون الكتاب منذ ديليسبس وحتى اليوم.
ويتناول الجزء الثاني من الكتاب تاريخ المنطقة منذ ديليسبس، وكذلك الصراع الذي كان موجودا وقتها، وتتابع الحكومات والاحتلالات، وتاريخ حفر قناة السويس، وموقف الوالي محمد علي من حفر القناة حين تم عرض الأمر في عهده. كما يعرض لنشأة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة 1932، وأول تواجد أمريكي بالمنطقة 1836، ويولي اهتماما كبيرا بالقرن الأفريقي، وتفصيل لغات شعوبه ونفسياتهم وخصائصهم، بالإضافة إلى تفاصيل معاهدة كوينسي، والعدوان الثلاثي، ويعرض الدول التي تصارع من أجل الاستقلال وموقف الأمم المتحدة من استقلال الدول وحرب أكتوبر وموقف السادات.
وثائق نادرة.. ولكن
أما الدكتور خلف الميري، فأشار إلى أهمية تأليف كتاب آخر يحلل ويناقش محتوى هذا الكتاب، لأنه يؤرخ للبحر الأحمر من وجهة نظر الباحث الفرنسي، وقال إن الكتاب يؤرخ للبحر الأحمر، وأتمنى نقد المحتوى وتحليله ومناقشته حتى لا يكون الكتاب موجها في سياق محدد، مضيفا «يجب الا ننسى أن الفضل للمصريين في حفر القناة، وأن ديليسبس كان مجرد مسهل للمصالح الأجنبية، وعلى الرغم من أن فرمان الحفر صدر عن الخديوي إسماعيل بمصر، لكن الفكرة في الأساس ترجع للمصريين من قبل فترة ديليسبس بكثير».
وأضاف الميري أن إضافة ملاحق التواريخ والأماكن والأعلام لا تقل أهمية عن محتوى الكتاب، لأنها تعطينا إطارا إرشاديا عاما، واعتبر الكتاب علامة في مسألة العلاقات الدولية بين القوى المختلفة إقليميا ودوليا بالبحر الأحمر.
وشدد الميري على ضرورة الاطلاع على الوثائق النادرة، التي بالكتاب، وكم المعلومات التي تقدمها، ولكن يجب أن ننتبه للمحاذير والدوافع التاريخية لهذه المعلومات، خاصة وأن الكاتب كان فرنسيا، وأن ديليسبس كان انتهازيا وبيننا وبينه معركة.
أما أيمن شبانة أستاذ العلوم السياسية، فتطرق إلى الوضع الإقليمي والدولي للمنطقة، بعد فترة التسعينات، الفترة التي ينتهي عندها الكتاب، والذي ناقش رؤية الدول الأجنبية وسياسات القواعد العسكرية في المنطقة.
وأشار شبانة إلى أن معظم الدول التي تقع على شواطئ البحر الأحمر عربية، وهناك دول غير عربية تطل على البحر الأحمر مثل إريتريا والتي تملك وحدها 126 جزيرة.
وأوضح أن العالم الآن يتقاتل على البحر الأحمر، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحاول تأميم طرق الوصول إلى النفط، وينبغي عمل نظام إقليمي في المنطقة لتأمينها، مثل تدشين الأسطول الجنوبي والمشروعات القومية.
لافتا إلى أن أمن مصر يبدأ من جنوب البحر الأحمر، وطالب بتفعيل نظام الأمن الإقليمي بالبحر الأحمر، على أساس عربي أفريقي، مع إنشاء قوة أفريقية جاهزة للانتشار السريع.