كتب: قاسم قسام
ترجمة وعرض: تامر الهلالي
لا يتشارك المتطرفون وجهة نظر أو نهج، لكنهم يشتركون في عقلية.
وضعت شرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة مؤخراً مجموعة Extinction Rebellion) XR) أو «التمرد ضد الانقراض» غير العنيفة على قائمة الأيديولوجيات المتطرفة التي ينبغي إبلاغ السلطات – التي تدير برنامج المنع – عن أنشطتها القائمة أو المحتملة.
مجموعة التمرد ضد الانقراض
في هذا السياق، دعت سارة خان، كبيرة مستشاري الحكومة البريطانية للتطرف، إلى العمل على التوصل إلى تعريف أوضح للتطرف. ونُقل عن خان قولها إن تعريفًا أوضح «سيساعد في بناء استجابة للمجتمع بالكامل من خلال توفير فهم أفضل» للتطرف.
سارة خان
تعريف التطرف.. ليس سهلا
من الصعب الاختلاف مع طرح سارة خان ولكن في الواقع فإن تطوير تعريف واضح للتطرف والإرهاب ليس بالأمر السهل. وجهة النظر المباشرة هي أن المتطرف ببساطة شخص نختلف بشدة مع موقفه السياسي، وأنه لا توجد طريقة محايدة لتحديد من هو المتطرف.
بناء على هذا، فإن مصطلح «المتطرفين» هو مصطلح أُسىء استخدامه في بعض الأحيان وليس أداة جادة للتحليل السياسي. لكن فكرة أنه لا توجد وسائل واقعية لتحديد ما إذا كانت منظمة داعش، على سبيل المثال، متطرفة تبدو سخيفة. إن داعش هي بالفعل جماعة متطرفة. هذه ليست مجرد مسألة رأي شخصي.
من ناحية أخرى، إذا عدنا إلى تحدي تعريف التطرف «الحقيقي» فإن أبسط اقتراح هو أن المتطرفين يستخدمون أو يدعمون استخدام العنف لتحقيق أهدافهم السياسية. نظرًا لأنه من الحقائق أن داعش مثلاً تستخدم العنف الشديد لدعم أهدافها، فثمة حقيقة أنها جماعة متطرفة. ومن نفس المنطلق، فإن جماعة. XR ليست متطرفة نظرًا لأن استراتيجيتها هي عصيان مدني سلمي.
المحلل في صحيفة الجارديان جورج مونبيوت يرى أنه «إذا كان السعي للدفاع عن الحياة على الأرض يُعرفنا كمتطرفين، فليس لدينا خيار سوى امتلاك أو حمل وصمة التطرف». ولكن هل يمكن لجماعة XR تحمُّل «الوصمة» إذا أرادت أن تنأى بنفسها عن أي إيحاء بأنها تؤيد استخدام العنف؟.
جورج مونبيوت
العنف وحده.. لا يكفي!
إن استخدام العنف وحده لا يكفي لتقديم تعريف واضح للتطرف. فقد استخدم «المؤتمر الوطني الأفريقي» العنف في كفاحه ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكن هذا لم يجعله بالضرورة حركة متطرفة.
وقد دافع نيلسون مانديلا عن التزام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالكفاح المسلح لسببين مقنعين: كان العنف في سبيل قضية عادلة، ولم يكن هناك بديل. هذا يشيرإلى أن وصم من يمارس العنف بالتطرف يعتمد بشكل كبير على السياق. وبالتالي، فإن الجدل حول ما إذا كان استخدام العنف يجعل المنظمة «متطرفة» يستلزم جزئياً حججاً حول عدالة قضيتها من عدمه، علاوة على توافر البدائل الفعالة.
ثمة طريقة أخرى للتفكير في التطرف وهو التفكير من ناحية اليسار واليمين سياسياً. لنفترض أن التوقعات السياسية مرتبة على طيفي يسار و يمين. يمكن تعريف المتطرفين على أنهم أولئك الذين توجد وجهات نظرهم السياسية في أقصى أطراف الطيفين. ومع ذلك، هناك متطرفون يصعب تصنيفهم في إطار انتماءات يسارية او يمينية. داعش مثلاً مثال حي على ذلك، فعلى الرغم من الأطروحات التي تقول بأن إيديولوجيتها فاشية فإن الفاشية نفسها يصعب وضعها ضمن أطر اليمين واليسار سياسيا.
حركة المؤتمر الوطني الأفريقي
تحليل نفسي
ثمة نهج واعد اكثر في هذا السياق و هو محاولة تعريف التطرف من الناحية النفسية. أن تكون متطرفًا، أولاً وقبل كل شيء، هو أن يكون لديك عقلية متطرفة. غالبًا ما يُشار إلى أن الناس في الأطراف المتضادة في الطيف السياسي بأن لديهم الكثير من القواسم المشتركة. الأمر المشترك بينهم هو عقليتهم: انشغالاتهم ومواقفهم وأساليب تفكيرهم وعواطفهم. إن فهم هذه العناصر يعني فهم سبب كون صفة التطرف ليست وصفاً يمكن أن يسعد أي شخص بامتلاكه
يعد الشاغل الرئيسي للمتطرفين هو الإيذاء، نتيجة تصور أنفسهم كضحايا للاضطهاد. في حين أن التطرف يمكن أن يكون رد فعل على الاضطهاد الحقيقي، فإن العديد من المتطرفين مهووسون بأوهام الاضطهاد.
من ناحية أخرى يأتي الهدف الثاني لنوعية أخرى من المتطرفين وهو «التطهير» الذي يستحوذ على عقلية المتطرفين ويمكن أن يكون أيديولوجيًا أو دينيًا أو عرقيًا. إن المتطرفين العقائديين ليسوا ملتزمين بقوة بأيديولوجية أو نظام عقدي معين. إن التزامهم هو ما يرون أنه النسخة الأكثر نقاءً أو الأكثر تزييفاً بالأحرى من أيديولوجيتهم المفضلة. و عليه يكون خوفهم الأكبر هو الإعتدال، فهم يرون أنفسهم فاضلين بسبب نقاء معتقداتهم وصرامتها -من وجهة نظرهم -. إن انشغال التطرف بالتطهير يفسر أحد مواقفهم الرئيسية: موقفهم من التسوية. يكره المتطرفون التسوية لأنها تنتقص من النقاء الإيديولوجي حيث تتطلب التسويات مفاوضات وتنازلات. ينظر المتطرفون إلى التسوية كشكل من أشكال الخيانة، وبينما قد يكره المتطرفون خصومهم، فإن ذلك عادة ما يكون أخف من كرههم لمن يقفون في جانبهم إذا اختلفوا معهم فهم في نظرهم أولئك الذين «باعوا» القضية.
وتتمثل عقيدة التطرف الرئيسية الثالثة في اللامبالاة تجاه أي عواقب سلبية لأفعال المرء أو سياساته. إن عدم التعرض للضرر العملي أو العاطفي الذي يتكبده الآخر هو جوهر التعصب، لذلك يستتبع أن المتطرفين هم أيضًا متعصبون.
نظرية المؤامرة
فيما يتعلق بأساليب التفكير المتطرفة، فقد تم التعبير عنها بقوة في مقال ريتشارد هوفستادتر المعنون «جنون العظمة في السياسة الأمريكية» يقول: يميل المتطرفون إلى التفكير الطوباوي وكذلك التآمري!. إنهم يعتقدون في صدق اليوتوبيا المستقبلية التي ستؤدي إليها سياساتهم، وهم يرون مؤامرات تحاك حولهم. في كل مكان. ووفقًا لمصطلحات هوفستاتر، فإن المتطرفين أيضًا غاضبون بشكل غير معتاد، وهذا يشير إلى المكونات العاطفية للعقلية المتطرفة. إن الغضب المتطرف متجذر في مشاعر استياء تسيطر عليهم. من المشاعر المتطرفة الأساسية الأخرى هي الشفقة على الذات، وذلك الغضب والاستياء والشفقة على النفس يعد مزيجا عاطفيا يعمل كقاتل محتمل، لا سيما بالاشتراك مع عناصر أخرى من عقلية المتطرفين.
وللتفكير في التطرف من الناحية النفسية آثار على العلاقة بين التطرف والعنف. إن امتلاك عقلية متطرفة لا يقود بالضرورة الشخص إلى تنفيذ أو دعم أعمال العنف، ولكنه بلا شك عامل مؤد إلى خطر العنف. وليس من المستغرب أن تؤدي خيالات الاضطهاد، وعدم الاكتراث بالعواقب العملية للأفعال، علاوة على الغضب إلى دفع البعض إلى اللجوء إلى الأساليب المتطرفة.
دونالد ترامب
أمة مضطهدة
هل يرتبط أي من هذا بالسياسة في بريطانيا اليوم؟ هناك متطرفون عنيفون في المملكة المتحدة، لكن التطرف الذي يمس بالسياسة السائدة هو من النوع غير العنيف. خلال مناقشات Brexit «بريكست» الشاقة، على سبيل المثال، أصبح من المألوف أن يتهم كلا المتطرفين من الجانبين المويدين للبقاء والرافضين له بعضهم البعض بالتطرف. لم يكن المعنى الضمني أن أيًا من الجانبين أيد استخدام العنف، ولكن التطرف كان بمعنى آخر ذي تأثير. يمكن تفسير المعنى ذي الصلة باستخدام فكرة عقلية متطرفة. على سبيل المثال، الانشغال بالضحية واضح فيما وصفه المؤلف فينتان أوتول بالمعنى الغريب للقمع الخيالي الذي يكمن وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المتمثل في رؤية المملكة «أمة مضطهدة تتخلص من نير الاتحاد الأوروبي». يمكن أيضًا اكتشاف الانشغال بالتطهير والنقاء في الانشغال بـ «بريكست» النظيف غير المغشوش.
من وجهة نظر «Brextremist» أو المتطرفين في دفاعهم عن الخروج من الاتحاد الأوربي، ليس هناك مجال للتنازل.بالنسبة إلى هؤلاء، فإن أي ضرر للاقتصاد – مهما كان حجمه – يعد ثمناً يستحق دفعه ليوتوبيا المملكة المتحدة «الحرة» والمستقلة. و لا تشمل الدوافع العاطفية لأولئك الغضب والاستياء فحسب، بل الشفقة على الذات أيضًا. يقول أوتول إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منطقي بالنسبة لأمة «مليئة بالشفقة الذاتية الهستيرية». وطبقاً لهذه العقلية ، فإن المتحمسين ليسوا متطرفين، حتى لو كانوا منفتحين على اتهامات في العقيدة، والعقلية المغلقة، وعدم الرغبة في التفاوض. بغض النظر عن عنادهم، فإن البقية من المتحمسين لا ينشغلون بالتطهير أو الإيذاء في موقفهم قبل الاتحاد الأوروبي، كما انه لا يمكن اتهامهم بعدم المبالاة بعواقب المغادرة أو البقاء. من الجائز اتهامهم بعدم المبالاة بالعواقب الوخيمة المحتملة لتجاهل نتيجة الاستفتاء، ولكن هذا لا يكفي لجعل عقلية الباقي عقلية متطرفة. إن الصورة الناشئة للعقلية المتطرفة ليست جميلة، ومن الصعب المبالغة في المدى الذي تؤدي به هذه العقلية إلى الصراع والاستقطاب. عندما تصبح الانشغالات المتطرفة والمواقف وطرق التفكير سائدة، تصبح السياسة أكثر خطورة و سمية.
ما الذي يجب فعله حيال هذا التطور؟ هل التطرف قابل للشفاء؟ الخبر السار هو أن الناس يتغيرون في بعض الأحيان. انشغالاتنا ليست ثابتة، ومواقفنا ليست ثابتة ومن الممكن أن تكون قابلة للتغيير. حتى المشاعر القوية يمكن أن تتلاشى والناس يستطيعون تغيير تفكيرهم. بهذا المعنى، التطرف قابل للشفاء، على الرغم من عدم وجود علاج مضمون بالطبع. في نهاية المطاف، يعد الدرس الوحيد الأكثر أهمية للتحليل النفسي للمتطرفين هو أن معالجة التطرف ينبغي أن تتعلق بتغيير فعال ومؤثر في العقليات.
تعريف بالكاتب:
قاسم قسام: أستاذ الفلسفة في جامعة وارويك. وهو مؤلف كتب Conspiracy Theories «نظريات المؤامرة» و Vices of the Mind: from the Intellectual to the Political. رذائل العقل: من المثقف إلى السياسي.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا