منوعات

معظمهن متعلمات وميسورات ماليا: لماذا تلتحق النساء بصفوف داعش؟

قد يتعذر على الذهنية الغربية تفهم الأسباب التي تدفع بالمرأة إلى التنازل طواعية عن حريتها لترتدي زيا يغطي جسدها من أقصاه إلى أقصاه، والخضوع بملء إرادتها لقواعد تراتبية صارمة. لكن في ظل نظام تنظيم الدولة الإسلامية الصارم، شهدت أعداد النساء – اللاتي وطدن أنفسهن، ليس فقط للعيش في ظل هذا النظام، وإنما أيضا لخدمة قضيته – زيادة لافتة في السنوات الأخيرة. وحتى الآن، تبدو الداراسات التي تناقش وتحلل الظاهرة، قليلة وغير كافية لفهم وأبعاد تلك هذا الموضوع.

في هذا السياق، يحاول الباحثان الأردنيان حسن أبو هنية، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية ومحمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، تجسير هذه الفجوة البحثية من خلال كتابهما Dschihadistinnen: faszination Maertyrertod (نساء جهاديات: سحر الشهادة)، الذي نشر في سبتمبر2018.

حسن أبو هنية                                           محمد أبو رمان

 يشير الباحثان في بداية كتابهما إلى أن الدور الفاعل للنساء في الحركات الإسلامية بوجه عام، يشكل ظاهرة جديدة. فحتى بداية هذا القرن، كان دور المرأة محصورا في تربية الأطفال وإعدادهم للجهاد ودعم المقاتلين. لكن هذا الدور تغير مع زيادة قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فمقارنة بتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الجهادية، يمتلك تنظيم الدولة الإسلامية وسائل أكثر تطورا للترويج لأفكاره، ولتجنيد أعضاء جدد في صفوفه، كما أنه أكثر حضورا على شبكات التواصل الاجتماعي، ويوفر فرصا للتواصل بأكثر من لغة.

ومع اجتياح التنظيم لمدينتي الرقة في سوريا والموصل في العراق، وإعلان قيام دولة الخلافة الإسلامية في عام 2014، انضمت مئات النساء من جميع أنحاء العالم إلى هذه الميليشيا الإرهابية. وبينما لا تزال المرأة غير ممثلة في المناصب القيادية داخل التنظيم، إلا أنها لعبت دورا أكثر فاعلية وتأثير مما كانت عليه في السابق، وذلك من خلال اضطلاعها بمهام إدارية ولوجيستية. وفي هذا الإطار يؤكد هنية وأبو رمان أنه لا يجب التهوين من الدور الذي لعبته المرأة في شبكة الاتصالات الداعشية، حيث منحهن ذلك الفرصة للتأثير في العمليات التي قام بها التنظيم وتطوره.

أصوليات وتقليديات

ينتقل الكاتبان في النصف الثاني من الكتاب إلى عرض دراسات حالة لحوالي خمسين إمرأة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط والمملكة العربية السعودية وأوربا والولايات المتحدة. وبالنظر إلى صعوبة العثور على مصادر موثوقة في هذا  الإطار، فإن الدراسة تعتمد بالأساس على شهادات مكتوبة، أو حتى شفهية أدلت بها النساء الداعشيات بأنفسهن، أو حصل عليها الكاتبان من أفراد قريبين منهن، إضافة إلى الوثائق والأحكام الصادرة من محاكم مختلفة، وغير ذلك من مستندات.

 ورغم أن هذه الدراسة، ليست ممثلة للنساء الجهاديات بالمعنى الدقيق للكلمة، في ضوء صعوبات البحث المشار اليها، إلا أن الباحثين (هنية وأبو رمان) نجحا من خلال كتابهما، في رسم صورة واضحة ومفصلة لدوافع هؤلاء النساء -على تباينها- للإنضمام إلى صفوف داعش، وهو ما يعد بعدا مهما في مجابهة مشكلات التحول إلى الأفكار الراديكالية والانضمام إلى تنظيماتها.

كما يتحدى الكاتبان أيضا الصورة النمطية للعرائس الجهاديات كضحايا ساذجات تم التغرير بهن، في إشارة إلى تدني مستوياتهن التعليمية والثقافية، أو زهدهن في الحياة حد اليأس تحت وطأة خبرات اجتماعية أو اقتصادية قاسية. حيث يؤكد الكاتبان أن المرأة الداعشية ليست هي تلك المرأة غير المتعلمة أو المعوزة، وإنما أغلبهن ممن تلقين تعليما أكاديميا، وفي أغلب الأحوال من الميسورات، وهو ما تؤكده الروايات الموثقة في الكتاب.

أسباب التطرف

في جميع الحالات تقريبا التي يقدمها الكتاب، توجد نقطة تحول في حياة المرأة الداعشية تدفعها دفعا إلى التخلي عن حياتها، والانضمام إلى صفوف داعش. ويمكن إجمال كل ذلك في ثلاثة عوامل رئيسة، هي: الموقف السياسي العالمي المتغير (مثلا الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، أو الصراع في سوريا، وما يتبع ذلك من إذلال وتشريد للمجتمعات الإسلامية)، والمعاملة التي يتلقاها الأخوة والآباء والأزواج في السجون، وفقدان بعض أفراد الأسرة.

في مناطق الصراع، لا تتوقف معاناة المرأة عند حدود الحرب وما ينتج عنها من دمار، وإنما تتجاوزها إلى شعور عميق بالقهر ورغبة قوية في الانتقام. أما في الغرب، فتبذل المرأة المسلمة جهودا مضنية للإجابة على سؤال تعريف الذات والقيم الثقافية الشخصية. وهنا يشير الكاتبان إلى الدور المحوري الذي يلعبه العالم الافتراضي (مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت)، إلى جانب العلاقات الاجتماعية والتأثير المتبادل من قبل نساء أخريات، في تطرف المرأة.

ويخلص الكاتبان إلى أن ظاهرة النساء الداعشيات تعود بالأساس إلى أسباب سياسية وشخصية. ويفسران كيف ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ليقدم ما زعم أنه «المشروع السياسي البديل» لكل من الأنظمة الغربية والعربية المعاصرة على السواء.

وإذا كانت بعض التقارير الإعلامية تؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية قد خسر كثيرا من قوته وتاثيره في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه – بحسب الكاتبين – لا يزال يمثل قوة لا يجب تجاهلها. ولا تزال أيديولوجيته متجذرة في عقول نساء ورجال كثيرين في جميع أنحاء العالم.

 وفي ختام كتابهما يؤكد أبو هنية وأبو رمان أن على قاعدة مهمة هي أن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الحركات والتنظيمات المتطرفة لن يتم إلا بحل المشكلات التي تخلق مثل هذه العقلية الراديكالية.

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock