منوعات

قصة آية (7) محمد بن مسلمة قائد سرايا المهمات الخاصة

قبيل توقيع صلح الحديبية بين المسلمين ومشركي مكة في العام السادس للهجرة، وكانت قريش قد بدأت تفكر جدياً في الصلح، فأرادت مجموعة من شبابها أن يقطعوا كل طريق للصلح، وعملوا على فرض القتال على الفريقين، فتسلل حوالي خمسين منهم، إلى معسكر المسلمين ليلاً، وكان محمد بن مسلمة رضي الله عنه على رأس مجموعة من المجاهدين في انتظارهم، فاعتقلهم، وساق الصيد الثمين إلى رسول الله بعد أن أمكن الله منهم، فأمر النبي بإطلاقهم تأكيداً عل نيته في الصلح، ونزل في ذلك قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا).

محمد بن مسلمة بن سلمة هو رجل المهام الصعبة، وقائد سرايا العمليات الخاصة في عهد النبي، وهو المفتش العام في عهد الفاروق عمر بن الخطاب، وهو من اعتزل الفتنة الكبرى، وكسر سيفه على صخرة، وبقي في بيته حتى وافته منيته.

ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة، وكان ممن سمي في الجاهلية محمداً، أسلم بالمدينة على يد مصعب بن عمير، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد بدراً، وأحداً، وكان فيمن ثبت مع رسول الله حين ولي الناس، وشهد المشاهد كلها، عدا غزوة تبوك التي استخلفه فيها رسول الله على المدينة.

لن تفقده عند كل مهمة صعبة، دائما في مقدمة الصفوف المقاتلة في سبيل الله والدفاع عن المسلمين، فكان هو قائد حرس معسكر المسلمين على مقربة من مكة، ولما بيت يهود بني النضير قتل رسول الله، وهو بين يديهم، قالوا: فمن يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة، والرسول في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، فأتى الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام النبي راجعاً إلى المدينة، وبعث محمد بن مسلمة يأمر بني النضير بالخروج من جواره، ولا يساكنوه. وأجلَّهم رسول الله عشرة أيام فمن وجده بعد ذلك ضرب عنقه، ثم حاصرهم زمناً حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، وخرج اليهود من المدينة إلى خيبر، وعاد المسلمون من حصار بني النضير أكثر قوة، ومنعة.

بعد فشل الأحزاب، ورحيلهم عن حصار المدينة المنورة، رفع النبي شعار: (الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا)، فوجه السرايا الإسلامية لعقاب الذين شاركوا في حصار المسلمين، وكانت أول هذه الحملات هي سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى منطقة تعرف بالقرطاء على بُعد أكثر من ثلاثمائة كيلومتر من المدينة المنورة، وكانت هذه السرية موجهة إلى بطن بني بكر بن كلاب وكانت من قبائل نجد التي اشتركت في حصار المدينة في غزوة الأحزاب، وكانت السرية تضم ثلاثين فارساً، ألقى الله عز وجل بهم الرعب في قلوب بني بكر، ففروا وتفرقوا في الصحراء، وقتل منهم عشرة، وساق بن مسلمة وسريته عدداً كبيراً من الإبل والشاء بلغ مائة وخمسين من الإبل، وثلاثة آلاف من الشاء، وزادت هيبة المسلمين، وارتفعت معنوياتهم.

ولم تكن هذه السرية أول السرايا التي قادها محمد بن مسلمة، ولا كانت آخرها، فقد بعثه الرسول على رأس خمس عشرة سرية، وكان ابن مسلمة يفخر بذلك ويقول: يا بني سلوني عن مشاهد رسول الله فإني لم أتخلف عنه في غزوة قط، إلا واحدة في تبوك خلّفني على المدينة، وسلوني عن سراياه فإنه ليس منها سرية تخفى عليَّ، إما أن أكون فيها، أو أن أعلمها حين خرجت.

وفي خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعان بمحمد بن مسلمة في متابعة الولاة، ومحاسبتهم، والتأكد من الشكاوى التي تأتي ضدهم، فكان موقع محمد بن مسلمة كالمفتش العام في دولة الخلافة. ومن مهامه التي أرسله عمر إليها، محاسبة الولاة على ثرواتهم وأموالهم، ومن ذلك ما جرى مع عمرو بن العاص والي مصر، وكانت مهمة محمد بن مسلمة أن يقاسمه ماله.

أعطاه رسول الله سيفاً وأوصاه قائلاً: (قاتل به المشركين ما قاتلوا، فإذا رأيت المسلمين قد أقبل بعضهم على بعض، فائت أُحداً فاضربه به حتى تقطعه، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية)، وظل على وصية حبيبه فاعتزل الفتنة، وأقام بالربذة حتى اقتحم عليه المنزل شقي من أهل الأردن فقتله، سنة ثلاث وأربعين هجرية، ودفن إلى جانب الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري.

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock