حسان حسان – مدير «برنامج القوى والجيوسياسات غير الحكومية الفاعلة» التابع لـ «مركز بحوث السياسة العالمية»، وأحد مؤلفي كتاب ISIS: Inside the Army of terror الأكثر مبيعا
عرض وترجمة: أحمد بركات
على مدى الشهرين الماضيين، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سلسلة من الهجمات واسعة النطاق ومحكمة التنسيق في أجزاء من سوريا والعراق. وقد جدد تصاعد وتيرة الهجمات المخاوف من عودة التنظيم بعد عام واحد من سقوط دولته التي كان قد أقامها فعليا في شرق سوريا، وبعد مضي ستة أشهر فقط على مقتل زعيمه السابق، أبو بكر البغدادي. ويثير النشاط المتصاعد في هذه الفترة تحديدا قدرا كبيرا من القلق بسبب الأوضاع التي يبدو أنها سوف تزداد سوءا في الأشهر القادمة.
لم يتوقف تنظيم الدولة مطلقا عن تنفيذ هجماته في كلتا الدولتين منذ خسارته لأراضيه، لكن العمليات الحالية على وجه التحديد تمثل بلا شك خبرا مفزعا. فإضافة إلى هذه الهجمات، تشير التقارير الواردة من كلتا الدولتين، إلى أن الجماعة باتت تتمتع بقدرة أكبر علي الاستطلاع وحرية الحركة في القرى والضواحي في جميع أنحاء العراق وسوريا.
كما تشير الطريقة التي يتم من خلالها تنفيذ بعض الهجمات أيضا إلى أن الجماعة بات لديها إمكانية الوصول إلى المعلومات حول الفرق العسكرية والأفراد التي تسعى إلى استهدافهم.
تمثل هذه الأمور في العادة علامات مبكرة على أن التنظيم قد عاد لترسيخ جذوره، وخلق لنفسه مساحة للحركة، ونجح في إعادة تأسيس البنية التحتية التي يحتاج إليها لتدشين عملياته.
يعتبر تعافي داعش حديثا، ويأتي بعد عام واحد على الأقل من الضعف والتراجع الحاد في قدرات التنظيم في كلتا الدولتين بسبب خسارته مراكزه في الموصل والرقة، إضافة إلى الحملات العسكرية المكثفة التي استهدفته. وقد بلغ هذا الضعف ذروته مع مقتل البغدادي في أكتوبر الماضي، حيث بدت الجماعة عاجزة عن تنفيذ هجمات انتقامية لمقتل الخليفة المعلَن ذاتيا، أو استغلال فرص سانحة مثل إعلان الولايات المتحدة أنها ستسحب قواتها من سوريا، وهو ما أعقبه غزوا تركيا لأجزاء من شمال البلاد.
أبو بكر البغدادي
كما أن التحذيرات التي ترددت بشأن ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الأحداث من فتح الباب أمام تنظيم الدولة لمعاودة الظهور لم تترجم لسياسات تمنع حدوثها على الأرض بأي شكل من الأشكال.
ربما لهذا لم تمر عدة أشهر حتى أعادت الجماعة بناء قدراتها واستأنفت نشاطاتها بدرجة لم تبلغها منذ سقوط دولتها. هذه الفجوة الزمنية بين تراجع الضغوط واستعادة القدرات مهمة للغاية لأنها تكشف بدقة كيف يمكن أن يعود تنظيم الدولة إلى ما كان عليه.
كان تنظيم الدولة الإسلامية بحاجة إلى بعض الوقت لإعادة إنتاج نفسه لأن الضغوط العسكرية المستمرة التي تعرض لها كانت قد منعته من سرعة استغلال فجوات واضحة مثل الفوضى التي أعقبت الانسحاب الأمريكي – وهو ما لم يتحقق لاحقا – والغزو التركي، حيث تعرض التنظيم إلى ضغوط كبيرة بصورة مطردة منذ استعادة الموصل في عام 2017 والرقة في عام 2018، كما ركزت القوات بقيادة الولايات المتحدة بدرجة كبيرة على عمليات التطهير في القرى النائية والجبال والصحاري لضمان إلحاق هزيمة أكثر بفرص استمرارية بالتنظيم. وكان احتواء التنظيم سيشكل صعوبة بالغة لو كان مستعدا للهجوم عندما لاحت هذه الفرص في أكتوبر الماضي.
لكن هذه الضغوط توقفت بسبب سلسلة من الأحداث التي شهدتها كلتا الدولتين، مما مهد الطريق لعودة تنظيم الدولة. فقد دفع الانسحاب الأمريكي الأولي من سوريا بحلفاء واشنطن على الأرض (القوات التي يسيطر عليها الأكراد) إلى طلب المساعدة من روسيا ونظام دمشق لمنع تركيا من التدخل العسكري. وحتى عندما تراجعت الولايات المتحدة عن قرار انسحابها، تم تقاسم جزء من ثلث سوريا، الذي كان يخضع في السابق لسيطرة التحالف الدولي، مع الروس. كان الضرر قد وقع بالفعل، حيث تقلص الانتداب الدولي ضد تنظيم الدولة في كل من الأرض والنفوذ.
وفي العراق أيضا، أثارت الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في أكتوبر الماضي من حدة الاحترار السياسي في البلاد. فقد أجبرت الاحتجاجات في وسط وجنوب العراق الحكومة على الاستقالة، وأدت إلى حالة من الركود السياسي الذي استمر حتى منتصف مايو الماضي، عندما اتفقت الأحزاب السياسية على رئيس الوزراء الجديد، مصطفى الكاظمي.
رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي
كما زادت الاحتجاجات – التي تضمنت في بعض الأحيان نبرة معادية لإيران – من حدة التوترات بين الولايات المتحدة والشيعة في العراق. وأدت الهجمات والهجمات المضادة من قبل وكلاء واشنطن وطهران إلى مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، والقائد المليشياوي الشيعي البارز أبو مهدي المهندس.
أبو مهدي المهندس، وقاسم سليماني
وبغض النظر عما بدا رياحا مواتية، لم يتمكن تنظيم الدولة من توسيع نفوذه إلا مؤخرا. وقع أهم وأول هجوم في 9 أبريل بين التنظيم وقوات النظام السوري بالقرب من تدمر في الصحراء السورية. بدا الهجوم معقدا، حيث نصب التنظيم كمينا لقوات النظام واشتبك معها لعدة ساعات. وفي نهاية الشهر، شن التنظيم العديد من الهجمات في كركوك وديالى وصلاح الدين. وتضمنت هذه الهجمات محاولة اقتحام مديرية مكافحة الإرهاب والاستخبارات في كركوك، وعددا من الهجمات المنسقة في صلاح الدين. وتعد هذه الهجمات من بين أكثر الهجمات تعقيدا منذ سنوات.
لقد استفاد تنظيم الدولة بوضوح من الفراغ الأمني وتراجع الضغوط في كلتا الدولتين. وفي الوقت الذي يرسخ فيه التنظيم أقدامه، بات من الصعوبة بمكان إضعافه بدون مشاركة دولية أكبر. وقد يساعد تجديد العمليات التكتيكية ضد داعش في إجبار التنظيم على التحول إلى العمل تحت الأرض، لكنها لن تنجح في تفكيك شبكاته، حيث يتطلب ذلك استراتيجية صبورة لمكافحة الإرهاب بدت موجودة قبل عام ولم تعد قائمة الان.
في الوقت نفسه، لا يزال تعافي تنظيم الدولة جديدا وهشا، ومن ثم يمكن القضاء عليه بسهولة في حال استعادة ممارسة الضغوط عليه. لكن تتمثل المشكلة في أن التطورات الحالية على الأرض تبدو أكثر ملاءمة للتنظيم منها للقوات المحلية. وتزيد التوترات بين القوات الأمريكية والعراقية من صعوبة العمل المنسق على الشريكين على نحو ما كان يحدث أثناء المعركة ضد التنظيم في أماكن مثل الموصل. لقد انسحبت القوات الأمريكية بالفعل من العديد من القواعد التكتيكية في غرب ووسط العراق، وهي المناطق التي نفذ فيها التنظيم هجماته مؤخرا.
بعبارة أخرى، يحظى تنظيم الدولة الإسلامية بمزيد من فرص التعافي في العراق وسوريا في الوقت الذي تتراجع فيه احتمالات حملة قوية ضده تقودها الولايات المتحدة. هذا الوضع هو ما يجعل المرحلة الراهنة خطيرة للغاية. وفي حال استمراره على مدى الأشهر القادمة، فإن تنظيم الدولة سيفرض على الأرجح تهديدا أشد خطورة، وستصبح عمليات احتوائه أصعب بكثير مما هي عليه الآن.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا