تقديم
يقدم هذا المقال الهام وجهة نظر هندية صرفة. ربما لهذا لا يعطي كثير اهتمام إلى الأثر السلبي لسياسات وقوانين حكومة مودي رئيس الوزراء الهندي الحالي التي تشجع مزاعم المتطرفين من القاعدة وغيرهم وتخلق لهم للأسف حاضنة شعبية وسط المسلمين في الهند وكشمير (المتنازع عليها). فهذه السياسات والقوانين مثل قانون تعديل المواطنة الطائفي الذي يعرف بقانون «المناهضة للأمة الإسلامية» تري منظمات دولية حقوقية أنها سياسات تنتهك الدستور الهندي وتراث غاندي ونهرو وحزب الموتمر المؤسس للهند المستقلة الحديثة الذي يقوم علي المواطنة والعلمانية ويفرض بدلا منها دولة طائفية للأغلبية الهندوسية ويخلق مناخ كراهية وتوتر طائفي قد يعوق النمو والتقدم الاقتصادي الذي حققته الهند في العقدين ونصف الآخيرين.
ولكن – ورغم ذلك – يظل هذا المقال من أهم المداخل التي تفتح بابا لفهم تطورات منظمات التشدد العنيف في جنوب أشيل
أصوات أونلاين
أنيميش رول – باحث متخصص في مكافحة الإرهاب والمدير التنفيذي لمجموعة «جمعية دراسة السلام والصراع» (SSPC) البحثية في نيودلهي.
عرض وترجمة: أحمد بركات
بعد ما يقرب من ست سنوات من إنشاء «تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية»، باعتبارها الفرع الإقليمي للجماعة الجهادية العالمية، تفيد تقارير أن التنظيم يقوم حاليا بتحويل ’جهاده‘ إلى كشمير والهند. ففي 21 مارس الماضي ، أكد «تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية»، في واحدة من أكبر مجلاته باللغة الأردية، أن الجماعة ستغير اسم مطبوعتها من Nawa-i Afghan Jihad إلى Nawa-i Gazawatul Hind، بما يشير إلى التحول الجغرافي الذي يعبر في الغالب عن الأهداف المرحلية الجديدة.
كما خصصت المطبوعة أيضا فصلا كاملا عن الجهاد في كشمير، معلنة أن هذه المنطقة ستكون مركزا للنشاط الجهادي لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية. وبعد أن وضع سريعا جميع مواده الدعائية على ’بوابة ويب‘ باستخدام ’اسم النطاق‘ «Gazawatul Hind» (غزوات الهند)،
أماط «تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية» اللثام عن استراتيجيته المستقبلية المتمركزة حول الهند.
يشق فرع تنظيم القاعدة في جنوب آسيا طريقه صوب كشمير والهند وهو يضع هذا التحول نصب عينيه، وذلك من خلال إعادة تنشيط ما يعرف بـ «حملة غزوات الهند»، أو «المعركة النهائية ضد الهند»، في إِشارة إلى الأحداث التي ستؤدي إلى حرب آخر الزمان التي سيخوضوها المسلمون، ووردت الإشارة إليها في الأحاديث النبوية. ويتزامن هذا المخطط الواضح للتوجه نحو المسرح الكشميري وللتحول صوب حملة تتمركز بدرجة أكبر حول الهند مع اتفاق السلام الذي وقعته كل من الولايات المتحدة وطالبان لإنهاء أكثر من 18 عاما من الصراع في أفغانستان. ولكن، تبقى الروابط العملياتية بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان محل جدل. فعلى مدى العقدين السابقين، قام نظام طالبان، الذي كان يلقب رسميا بـ «إمارة أفغانستان الإسلامية»، بإيواء قيادات وعناصر تنظيم القاعدة. لكن طالبان وافقت بموجب اتفاق السلام، الذي تم توقيعه في العاصمة القطرية الدوحة، في 29 فبراير الماضي، على منع أي مجموعة أو فرد، بما في ذلك تنظيم القاعدة، من استخدام أرض أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.
https://youtu.be/QrzdubSagzM
مراسم التوقيع على اتفاق السلام في أفغانستان بين حركة طالبان والولايات المتحدة
أفغانستان: مقبرة «تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية»
وبنظرة سريعة إلى الهجوم العسكري الذي ألحق خسائر فادحة بتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية على مدى السنوات القليلة الماضية، يمكن أن نخلص إلى أن أفغانستان لم تعد الملاذ الأساس لتنظيم القاعدة، أو لفرعه في جنوب آسيا. وقد تكون النهاية المحتملة للحماية التي أسبغتها حركة طالبان على التنظيم (كنتيجة لاتفاقها مع الامريكيين برعاية الدوحة) هي سبب إقدام تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية على تحويل مركز عملياته. لقد عانى فرع القاعدة في جنوب آسيا بقوة في أفغانستان بسبب العمليات العسكرية المتواصلة التي استهدفته. وبرغم ما يسمى بـ «شبكة حماية طالبان»، فقد تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية العديد من كبار قادته في أفغانستان. فقد أسفرت العمليات العسكرية المتعددة التي استهدفت قادة تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في مدينة غزني في عام 2017 عن مقتل العديد من قادة التنظيم البارزين، مثل زعيم حركة الجهاد الإسلامي «قاري سيف الله أختر»، والقائد الثاني لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية «عمر خطاب». وفي مارس 2019، أسفر هجوم عسكري في بلدة جيرو في جنوب شرق غزني عن مقتل أكثر من 30 من مقاتلي تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، من بينهم العديد من المفجرين الانتحاريين. وكان القائد القاعدي المتطرف «قاري عارف» يدير مجمع المسلحين الذي دمرته الغارات الجوية. وبينما شهدت ولاية غزني بأفغانستان حوادث مهمة مرتبطة بتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في السنوات العديدة الماضية، فان غارة أمريكية أفغانية مشتركة، في 23 سبتمبر 2019، على مجمع لطالبان في بلدة (موسى قلعة) بولاية هلمند، اسفرت عن مقتل ستة من كبار القادة والنشطاء بالتنظيم، بمن فيهم أمير التنظيم «عاصم عمر» إضافة إلى أحد الرسل الموثوقين بين والي أيمن الظواهري. كما شهدت عملية (موسى قلعة) أيضا مقتل كبار القادة المسئولين عن ولاية هلمند.
السلطات الهندية تقتل زعيم جماعة تابعة لتنظيم القاعدة في كشمير
وفي ضوء قراءتها للتحولات المستقبلية في مسارات الأحداث في أفغانستان والأوضاع سريعة التغير على الأرض بالنسبة لطالبان في حقبة ما بعد اتفاق السلام، أصدرت القيادة المركزية لتنظيم القاعدة بيانا في 12 مارس من خلال «مؤسسة السحاب الإعلامية» التابعة لها ومنصات التواصل الاجتماعي (مثل Telegram وRocketChat)،
حثت فيه مقاتليها على ابداء التزام تام باتفاق السلام الأمريكي الطالباني. وقد أكد البيان على ’جانب‘ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بدلا من ’جانب‘ السلام في الاتفاق، وهو ما أطلق عليه «الهزيمة المذلة للولايات المتحدة وحلفائها». وعلى نهج التنظيم الأم، رحب تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية أيضا باتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، واعتبره نصرا مؤزرا للأخير. وحث التنظيم الشعب الأفغاني على دعم حركة طالبان في مساعيها لإقامة خلافة إسلامية تحت حكم الشريعة.
كشمير مجددا.. لحظة سبق توقعها
تستدعي الخطوة الأخيرة التي اتخذها تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بالتركيز على كشمير والهند إلى الذاكرة الوضع بعد انتهاء الحرب السوفيتية/ الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي، عندما عادت أعداد كبيرة مممن سموا بالمجاهدين الأجانب إلى بلدانهم، بما في ذلك باكستان. في ذاك الوقت تم نقل العديد من المقاتلين المحنكين، الذين اكتسبوا مهارات وخبرات واسعة من سني الحرب الأفغانية، إلى كشمير التي كانت تخضع آنذاك للإدارة الباكستانية، وإلى أماكن أخرى في شبه القارة للمشاركة في الجهاد ضد الهند.
وبرغم الضغط الذي يمارسه تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية من أجل احترام التزام طالبان بالاتفاق مع الولايات المتحدة، إلا أن التنظيم ربما يرى في ذلك فرصة لاستغلال تدهور الأوضاع في كشمير، والانقسام الطائفي الجديد في الهند بسبب سياسات الحكومة التي وصفت من محافل دولية عدة بانها عنصرية «المناهضة للأمة الإسلامية» (في إشارة إلى قانون تعديل المواطنة لعام 2019، وقانون إعادة تنظيم جامو وكشمير لعام 2019). وبرغم الحضور غير الفعال للتنظيم في المنطقة، إلا أنه يسعى إلى إيجاد ملاذ سواء في منطقة كشمير أو حولها، التي تخضع لسيطرة باكستانية غير محكمة، وعن طريق التعاون مع التشكيلات الجهادية المحلية والمتعاطفين مع الفكر الجهادي.
وقد كرس تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية عدد مارس 2020 من مجلته Nawa-i Afghan Jihad للإنجازات التي حققتها حركة طالبان مؤخرا، وتضمن العدد مقالا بعنوان “من قندهار (أفغانستان) إلى دودا (كشمير): موسم الآمال”. تطرق المقال إلى عزم تنظيم القاعدة ومساعيه الحثيثة لتثبيت جذوره في كشمير. وألمح الكاتب “محمد شاكر ترالي (فيما يبدو مواطن كشميري من منطقة ترال) إلى الأوضاع المتغيرة في المنطقة، ومخططات تنظيم القاعدة لمواصلة جهوده لنشر الإسلام والدعوة إلى الجهاد من أجل المسلمين الذين يعانون الاضطهاد والضيم في المنطقة. وأكد المقال التزام تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وولائه لزعيم طالبان “هيبة الله أخوندزادا” وللإمارة الإسلامية في أفغانستان لاستمرار نجاح الجهاد في جنوب آسيا.
وذكر الكاتب أيضا كيف نجح التنظيم في إعادة تجميع العديد من الفصائل المسلحة وتعبئتها تحت لوائه في كشمير. وأشار إلى العناصر المنتمية إلى الجماعات الإرهابية الباكستانية، مثل «عسكر طيبة» و«جيش محمد».
«عسكر طيبة».. «تنظيم متظرف» في شبه القارة الهندية
في الواقع يعاني فرع تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، «أنصار غزوات الهند»، الذي تأسس في منتصف عام 2017، من حالة من الفوضى جراء مقتل معظم قادته على يد قوات الأمن الهندية في عام 2019. وتشمل قائمة هؤلاء القادة «ذاكر موسى»، وخليفته «عبد الحميد للهاري»، والمتحدث باسم الجماعة «شبير أحمد مالك». كما قتلت قوات الأمن الهندية مؤخرا ثلاثة عناصر من مقاتلي «أنصار غزوات الهند» في 19 فبراير في ترال، واثنين آخرين في 9 مارس.
ذاكر موسى، زعيم جماعة أنصار غزوات الهند
وعلى غرار تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، أصدرت جماعة «أنصار غزوات الهند» بيانا، بالتزامن مع بيان تنظيم القاعدة الأم، في بداية مارس الماضي تمتدح فيه حركة طالبان التي فرضت الاتفاق على «الصليبيين» في أفغانستان (أو منطقة خراسان) الذين «وقعوا الوثيقة الأخيرة في هزيمتهم». وعلى سبيل التفاؤل، اغتنم البيان فرصة لحث المسلمين في الهند على «عدم التسامح مع المذابح التي ترتكبها الجماعات الهندوسية المشركة». وألمح التأبين الذي نشرته جماعة «أنصار غزوات الهند» لقادتها الذين لقوا حتفهم مؤخرا عبر مؤسسة «الحر» الإعلامية، وهي المؤسسة الإعلامية الرسمية التابعة للجماعة، إلى أن الوقت قد حان لـ «الأمل والثورة»، في إشارة إلى اتفاق السلام الذي تم توقيعه مؤخرا بين طالبان والولايات المتحدة والاضطرابات التي شهدتها الهند بين الهندوس والمسلمين.
إذا سارت جهود السلام والمصالحة في أفغانستان في وجهتها الصحيحة، فإن تنظيم القاعدة قد يناضل من أجل المحافظة على موطئ قدم في البلاد، مما سيدفع به إلى تقديم تنازلات تتعلق بقدراته العملياتية في المنطقة. ومع انحسار قاعدة الدعم في باكستان، يحاول تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية التأثير بوصفه «ممثل» الجهاد في جنوب آسيا. ويكمن الأمل الوحيد للتنظيم لمواصلة العمل والبقاء على قيد الحياة في إعادة إحياء العمليات في كشمير من أجل الاستمرار في الصورة في مشهد يضم جماعات جهادية متنافسة، مثل الفروع المحلية لتنظيم الدولة الإسلامية، وبخاصة فرعي الهند وباكستان. ومع ذلك، قد تثبت رغبة التنظيم في تحويل عملياته إلى كشمير والهند، في الوقت الذي يحتفظ فيه بموطئ قدم لا قيمة له في المنطقة، بأنها في واقع الأمر ’كعب أخيل‘ التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انهياره.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا