عمران فيروز – صحفي مستقل، ومؤلف، ومؤسس مشروع «درون ميموريال»، وهو مشروع يهدف إلى إحياء ذكرى ضحايا غارات الطائرات بدون طيار.
عرض وترجمة: أحمد بركات
في اليوم الثاني من عيد الفطر الماضي، قام حمد الله محب، مستشار الأمن القومي في أفغانستان، والرئيس المحتمل، بزيارة مقبرة غير واضحة المعالم في ولاية باكيتا في جنوب شرق أفغانستان، لكن هذه الزيارة أثارت ضجة كبيرة.
حمد الله محب، مستشار الأمن القومي في أفغانستان
إذ كان هذا هو القبر المدفون فيه محمد نجيب الله، آخر الرؤساء الشيوعيين المدعومين سوفيتيا، والذي لقي حتفه بطريقة وحشية علي يد طالبان عندما اجتاحت كابول في عام 1996.
الرئيس الأفغاني الأسبق محمد نجيب الله
كان محب هو أول مسئول أفغاني في حقبة ما بعد طالبان يزور قبر نجيب الله ويبدي له فروض التقدير والإكبار. لا شك أن (محب) كان يرمي من وراء هذه الزيارة إلى تحقيق أهداف عديدة، مثل مغازلة الأفغانيين، وبخاصة القوميين البشتون الذين يمثل لهم نجيب الله رمزا وطنيا دشن عملية المصالحة الوطنية، وأيضا كتذكير بوحشية طالبان التي تتهيأ اليوم من جديد لتقاسم السلطة، أو بالأحرى لانتزاعها كاملة، حيث تتلمس كابول وواشنطن وطالبان جميعا طريقهم نحو إبرام اتفاق سلام قد يكون مؤلما.
يشغل نجيب الله – الذي يعد بلا شك أحد أكثر الرموز المثيرة للجدل في أفغانستان الحديثة – موضع القلب في معركة الذاكرة التاريخية الأفغانية. انضم الشاب نجيب الله، الذي كان يدرس الطب في كابول، إلى «حزب الشعب الديمقراطي» الشيوعي في أفغانستان، الذي نظمت إحدى فصائله انقلابا دمويا في أبريل 1978 ضد الرئيس محمد داود خان، أول رئيس لجمهورية أفغانستان الوليدة. كانت عملية قتل داود خان، إلى جانب أبنائه وأحفاده وزوجته، تتشابه إلى حد كبير في تفصيلاتها الدقيقة مع الطريقة التي تخلص بها الأجداد الأيديولوجيين للشيوعيين الأفغان، البلاشفة، من العائلة الملكية الروسية قبل ستة عقود.
الرئيس الأفغاني الأسبق محمد داود خان
دفع هذا الانقلاب بأفغانستان إلى دوامة الحرب والصراع التي لا تزال تعاني منها حتى يومنا هذا. ووفقا للعديد من معاصري نجيب الله، والمؤرخين، والمحللين، بمن فيهم فاسيلي ميتروخين، أمين الأرشيف السابق في الاتحاد السوفيتي، كان «الرفيق نجيب» رجلا فظا ومتوحشا عكف بكل طاقته على دعم الأهداف الأيديولوجية لحزبه. وتراوحت جهوده بين إسقاط لفظة «الله» من اسمه في دولة إسلامية شديدة المحافظة إلى الشعور بلذة ذاتية عميقة في تعذيب وقتل السجناء أثناء قيادته للشرطة السرية في ذروة الحرب السوفيتية الأفغانية.
حرب السوفيت والأفغان 1979
كان هذا هو الرجل الذي نصبه السوفيت في عام 1986 رئيسا لأفغانستان من أجل إعادة إحياء ما بدا مشروعا شيوعيا فاشلا في كابول. ولكن مع الانسحاب السوفيتي (المحتوم) الذي كان بالفعل يلوح في الأفق، تبدلت طريقة نجيب الله. فبعد أن كان قائدا حادا، وخطيبا مفوها بلغتي البشتو والداري، انسلخ نجيب الله من «جلده السوفيتي» وارتدى مسوح القومية، وتحدث عن الوحدة الوطنيج وأطلق برنامج المصالحة الوطنية مع المتمردين «المجاهدين» الذين قضى سنوات في حربهم وتعذيبهم.
في الوقت نفسه، واصل الجيش ومليشياته الجديدة مهاجمة القرى الأفغانية، مما أثار شكوكا عميقة لدى المجاهدين الذين كانوا لا يزالون يذكرون أقاربهم المختفين، والويلات التي تجرعوها في سجون نجيب الله.
لكن الإرث الوطني لنجيب الله بدأ في التشكل فعليا بعد أن نجح في فرض قدر من الاستقرار على بلد دمرته الحرب، وعاثت في أوصاله. وحتى يومنا هذا، ينظر كثيرون في حكومة أفغانستان الحالية إلى هذا الجزء من الماضي بشغف ويحاولون استلهام عناصر حكمه واحتذاء اثرها . وإذا كانت ستائر النسيان قد أسدلت – أو هكذا يُراد لها – على الفظائع الوحشية التي ارتكبها المجاهدون من أمراء الحرب في فترة الحرب الأهلية في أفغانستان بعد إسقاط حكم نجيب الله في عام 1992، فقد نجح مؤيدو النظم الشيوعية، أو الأجيال الأصغر، في تبييض صفحة الجرائم التي ارتكبتها هذه النظم، أو التهوين من شأنها على أقل تقدير، حتى أن ذاكرة هذه الأجيال لم تعد تتسع إلا لخطابات نجيب الله الحماسية التي لا تزال متاحة على موقع «يوتيوب».
«لقد نسي الأفغان، الذين يسترقون النظر إلى حكم نجيب الله ويعتبرونه عهد السلام، الآلاف الذين تجرعوا التعذيب والقتل على يد البوليس السري تحت قيادته. هل كان يرغب في النهاية في إرساء السلام؟ ربما»، كما صرحت باتريسيا جوسمان، المدير المساعد لقسم آسيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، لمجلة «فورين بوليسي». وأضافت: «لكن، حتي لو كان الأمر كذلك، فإننا لن نكسب شيئا بمحو حياة أولئك الذين عانوا بسبب دوره في الحرب».
باتريسيا جوسمان
يفسر هذا الإرث المعقد الذي خلفه نجيب الله حالة الجدل التي أثارتها زيارة محب لقبره، والتي فهمها كثير من المراقبين على أنها تحمل رسالة ساسية عميقة. فبعد ربع قرن من موته، لا يزال نجيب الله يحظى بقاعدة قوية في جنوب شرق البلاد، معقل البشتون. في أفغانستان، لايزال الموتى يلقون بظلالهم الكثيفة.
لكن محب – على ما يبدو – سعى إلى تغليف رهاناته بزيارة أخرى إلى المقابر في عيد الفطر الماضي، وتقديم فروض الاحترام أيضا لقبر أحمد شاه مسعود، القائد الأسطوري للمجاهدين، الذي كان يعرف بـ «أسد بنجشير»، والذي قاتل السوفيت، ومن ورائهم نجيب الله، ثم طالبان، قبل أن يقتل على يد عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة قبيل يومين فقط من أحداث 11 سبتمبر.
أحمد شاه مسعود
«لم يقدم محب على هذه الزيارات قبل أن يقوم بحسابات معقدة. إنه يعد نفسه لأن يكون الرئيس القادم، وقائد جيل جديد من الأفغان. ومن أجل تحقيق ذلك، قام بزيارة قبري كل من مسعود ونجيب الله على ما بينهما من تعارض»، كما قال سيد جلال شاجان، عالم أنثروبولوجيا وكاتب مقيم في كابول.
«سيد جلال شاجان» عالم أنثروبولوجي
يلوح مجددا في الأفق ماضي أفغانستان الدموي، وبخاصة الدور الذي لعبته طالبان بعد فترة من الحرب الأهلية، في الوقت الذي تتعاطى فيه البلاد مع حلول لإنهاء عقود من الصراع. فعندما تمكنت طالبان في السابق من دخول كابول في عام 1996 بعد سنوات من القتال، اقتحمت عناصرها المجمع الذي كان نجيب الله يختبئ فيه على مدى أربع سنوات، وقاموا بتعذيبه وقتله بوحشية، ثم علقوا جثته المشوهة على أعين الناس في عرض عام.
حركة طالبان تقتل نجيب الله وتعلق جثته على أحد الأعمدة
واليوم، مع احتمال عودة طالبان إلى كابول، ومشاركتها في الحكومة الجديدة، يجتر كثيرون الماضي، ويستعيدون الأحداث. فعلى غرار نجيب الله، ينحدر الرئيس الحالي أشرف غني من قبيلة البشتون أحمدزي، التي تتمركز في الجنوب الشرقي من البلاد. وعلى غرار نجيب الله أيضا، يأمل غني-الذي يجد نفسه الآن في جزيرة منعزلة بين واشنطن وطالبان- في تأجيج المشاعر القومية والوطنية بين مؤيديه البشتون لحماية نفسه من انتقام طالبان. وبرغم أنه يبدو مستبعدا تماما في هذه اللحظة، إلا أن بعض الأفغان يخشون من أن يلقى غني مصيرا مشابها لسلفه نجيب الله بعد انسحاب الأمريكيين واستعادة طالبان لكابول.
في مقابلة أجريت مؤخرا بشأن عملية السلام الأفغانية، ألمح غني إلى التفكك الذي أصاب الجمهورية والماضي الدموي الذي حاق بنجيب الله، ربما في إشارة تحذيرية إلى المستقبل الذي ينتظر أفغانستان.
الرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني
«لقد ارتكب نجيب الله خطأ فادحا كلفه حياته عندما أعلن عن نيته الاستقالة من منصبه». وأضاف: «من فضلكم، لا تطلبوا منا إعادة تشغيل فيلم نعرفه جيدا».
حركة طالبان تتهيأ للانقضاض على كابول مرة أخرى بعد اتفاق الدوحة
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا