في عام ١٩٨٥ قدم كل من الكاتب الراحل محمود أبو زيد ورفيق دربه المخرج علي عبد الخالق فيلماً بعنوان “الكيف”، لاقى نجاحا جماهيرياً واسعاً نظراً لتناوله الجديد وغير التقليدي لقضية المخدرات وتأثيرها على المجتمع المصري.
في عام ٢٠٠٨ وعلى بعد آلاف الأمتار عن أرض المحروسة قدم الكاتب الأمريكي فينس غاليغان مسلسلاً تلفزيونياً درامياً بعنوان “بريكنج باد” او “التحول الى الشر”.
حين بدأت بعض القنوات العربية في عرض المسلسل الأمريكي، لاحظ عدد غير قليل من المشاهدين تشابها مدهشاً أو قل توارداً للخواطر بين المسلسل وبين فيلم “الكيف”، خاصة من حيث الفكرة والشخصيات الرئيسية.
ففي كلا العملين نحن بصدد شخصية خيرة، الدكتور صلاح في الفيلم العربي والمعلم والتر وايت في المسلسل الأمريكي، يدخل بمحض الصدفة إلى عالم تصنيع وتجارة المخدرات، ليجد نفسه في صراع ضار لم يحسب له حساباً.
التشابه أيضا يمتد إلى دوافع كلا الشخصيتين، فنحن في كلا العملين بصدد رجلين مسالمين للغاية، يقدر كل منهما قيمة العلم الذي أنفق عمره في تحصيله، وهو يشتغل بهذا العلم -إن صح التعبير- سواء الدكتور صلاح من خلال عمله في مركز أبحاث ككيميائي أو السيد وايت الذي يعمل مدرساً في مدرسة ثانوية.
كما أن الرجلين يعيشان ولو ظاهرياً، حياة وادعة هادئة ومستقرة إلى حد كبير مع اسرتيهما الصغيرتين٫ وهي إن كانت في حاله صلاح مكونة من زوجة وابن صغير فهي في حالة وايت مكونة من زوجة وابن معاق وطفلة رضيعة.
كما تتفق دوافع الرجلين للدخول إلى عالم المخدرات وهي ببساطة إعالة اسرتيهما٫ خاصة في حالة وايت الذي يكتشف أنه مصاب بمرض خبيث مما يجعله يبحث عن سبل لضمان إعالة زوجته وأولاده بعد رحيله الذي بات شبه مؤكد.
لكن دوافع الدكتور صلاح تبدو أكثر نبلاً من نظيره الأمريكي، فهو لم يخطط للدخول إلى هذا العالم وإنما تم استدراجه إليه من خلال أخيه الذي يرى في خلطته الكيماوية التي صاغها بعناية مشروعاً مربحاً للغاية، متناسياً أن شقيقه أعد هذه الخلطة خصيصاً- ويا للسخرية- ليثبت أن “الكيف” الذي يتخذه أخوه وصحبه ذريعة لتناول المخدرات هو وهم لا أكثر.
ولكن إن كانت الخلطة في حالة الدكتور صلاح مخدرات وهمية صنعها من مكونات العطارة، فإن وايت لا يتردد في صناعة مخدر حقيقي وهو الميثامفيتامين وهو مخدر يسبب إدمانا خطيراً لدى من يتعاطاه.
وكما في حالة صلاح، يجد وايت نفسه وقد صار جزءا من عالم شديد الخطورة، عالم يعيش المرء فيه على حد السيف طوال الوقت، وعليه أن يخشى على حياته دائما، خاصة في ظل التنافس الشديد بين العصابات المختلفة والذي يصل إلى حد القتل الجماعي.
وعلى مدار خمس مواسم من المسلسل الأمريكي يتابع المشاهد وايت وهو يتحول تدريجياً إلى شخص يقتل بدم بارد مدفوعاً لا برغبة في حماية أسرته وذاته فقط وإنما بغرور شديد ورغبة في إثبات الذات.
إحدى أهم مشاهد والتر والت الذي يوضح فيه تحوله من شخص صالح إلى شخص لا يّخشى العواقب الأخلاقية
أما صلاح: فهو متردد منذ البداية لأسباب أخلاقية بحتة يرجعها الفيلم المصري إلى نشأته على يد رجل تربوي من رجال التعليم، ولذلك فإنه يسعى إلى التراجع خاصة حين يعلم أن خلطته التي كانت خلطة بريئة تم تعديلها- إن صح التعبير- على يد التجار الكبار وإضافة مواد مضرة إليها.
يحاول صلاح الهروب من صنيعته، وفيما يسعى صلاح للخروج فإن نسخته الأمريكية أي والتر وايت يزداد تورطاً كما يزداد ثراء حيث أن القتل بات ضريبة هذا الثراء، بل إن دائرة الدم تطال بعضًا من أقاربه وفي مقدمتهم نسيبه الذي يعمل كشرطي ويكاد ينهي مشروعه برمته.
وإن كان العائق الأساسي أمام رغبة صلاح في الخروج من هذا العالم الملوث هم التجار الكبار الذين يُكرهونه على الاستمرار في صناعة الخلطة، فإن العائق أمام والتر وايت هو عائق داخلي يتمثل في نرجسيته ورفضه أن يعود إلى ما كان عليه قبل بداية مشروعه: إلى الفقر المدقع وسخرية الجميع منه بسبب طبيعته المسالمة.
وفي كلا العملين تبدو العاقبة الأخلاقية واضحة، فصلاح بات عبداً مطيعاً للخلطة التي كان يصنعها ذات يوم وصار مدمناً عليها، أما وايت فيفقد ما هو أكثر بكثير، يفقد أسرته وحب زوجته وأولاده، ومع نهاية المسلسل ندرك أنه قد فقد أكثر بكثير مما ربح.
من مشاهد الختام التي يوضح فيها والتر وايت الدافع وراء أفعاله
ويمكن للمشاهد أن يلاحظ رسالة بين السطور وهي إدانة العملين للنظام الاقتصادي والاجتماعي الذي أنتج كلاً من صلاح ووايت رغم اختلاف بلديهما، ففي كلا الحالتين يجد شخصان ينتميان إلى الطبقة الوسطى المتعلمة نفسيهما أمام ظروف تسحق الطبقة التي ينتميان إليها، ولا يجدان سوى مجال الجريمة سبيلاً لتأمين المستقبل، ذلك المستقبل الذي بات بفضل هذه الظروف مجهولاً ومخيفاً لكليهما.