رؤى

“غريب تومي”.. أيقونة العمل الفدائي

“إني أطلب منك باسم الله والوطن أن تساعدنا في الحصول على الذخيرة الضرورية” لم يكن الشاب “غريب خضيري” الذي سيذكره التاريخ باسم “غريب تومي” بحاجة إلى أكثر من هذه الكلمات التي ألقاها على مسامعه ضابط المخابرات المصري “مجدي حسنين” عام ١٩٤٨، لكي يلبي نداء الوطن، ويتحول إلى أحد قادة العمل الفدائي في منطقة القناة.

كان “خضيري” آنذاك في السادسة عشرة من عمره، وكان الفتى الذي وُلد في أحد  بيوت حي المحطة الجديدة في الإسماعيلية لأب يعمل موظفاً في شركة قناة السويس – قد نال تعليمه في مدرسة فرنسية في المدينة، ما جعله يتقن كلتا اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهو ما أهله للعمل مع القوات الإنجليزية كأمين لمخازن الذخيرة في أحد معسكراتهم في منطقة بحيرة التمساح.

شهد “خضيري” تصاعد مشاعر الغضب لدى بني وطنه تجاه المحتلين؛ خاصَّة مع زرعهم للكيان الصهيوني على أرض فلسطين٫ لذلك لم يتردد في الاستجابة لطلب “مجدي حسنين” وبدأ بالفعل في الاستيلاء على الذخيرة بمعاونة عدد من الشباب الوطنيين وإيصالها إلى “حسنين”.

وينقل الوزير السابق “كمال الدين رفعت” في مذكراته عن “خضيري” قوله إنه تمكّن على مدار عشرة أيام من الاستيلاء على حمولة ثلاثين عربة نقل؛ موفرا بذلك للمقاتلين في فلسطين ما يحتاجونه من سلاح وذخيرة.

بدأ الإنجليز يشعرون بنقص في مخازنهم إلا أنهم لم يشكوا في أمين المخزن الصغير، خاصة أن “خضيري” كان قد بدأ بنقل الأسلحة والذخائر عن طريق القناة بدلا من البر.

إلا أن خيانة وقعت من أحد الجنود “الموريشان” المتعاملين مع “خضيري” دلّت الإنجليز عليه؛ فقاموا باعتقاله وتعذيبه بغرض انتزاع الاعترافات إلا أن الشاب المصري أبى أن يدلي بأي معلومة تقودهم إلى من سلَّم لهم الأسلحة.. وتحمل في سبيل ذلك صنوفا مختلفة من التعذيب على يد المحتلين.

ويشير “كمال الدين رفعت” إلى أن صمود “خضيري” هو الذي أكسبه لاحقاً لقب “غريب تومي” حيث كان الإنجليز يستخدمون مدفعهم الرشاش المعروف بـ”تومي جان” لإطلاق النار من حوله وتحت أقدامه، وهو مقيّد ومعلق بغرض ترهيبه إلا أن هذا الأسلوب لم يُجْدِ معه نفعا، وظلَّ على موقفه الرافض للتعاون معهم.

وعن طريق فدائي آخر هو “عواد حسن” الذي تظاهر بأنه أحد المتعاونين مع الاحتلال – استطاع غريب تومي أن يفلت من موت محقق على يد الإنجليز؛ حين تظاهر–وفقاً لنصيحة حسن– أنه على استعداد للاعتراف لكنه اشترط تسليمه لقوات الأمن المصرية، وما أن سُلِّمَ حتى نفى ما وجهه له الإنجليز من اتهامات، ولقي تعاطفا من رجال الأمن المصريين.

ومع انطلاق العمل الفدائي في منطقة القناة عقب إلغاء حكومة الوفد الأخيرة لمعاهدة عام ١٩٣٦، كان “غريب تومي” في مقدمة الفدائيين الذين نالوا قسطاً وافراً من التدريب على يد الضباط الأحرار.

ومن النواة الأولى التي أسسها “غريب تومي” في الإسماعيلية – انطلق الفدائيون لينفذوا عمليات غاية في الجرأة ضد قوات الاحتلال؛ مثل معركة التل الكبير في الثالث من نوفمبر عام ١٩٥١، ومعركة القصَّاصين في السابع من نفس الشهر، وغيرها من المعارك التي أوقعت بـالمحتلين خسائر موجعة.

ولم ينتهِ دور “تومي” الوطني مع جلاء قوات الاحتلال عن مصر في 18 يونيو عام 1956، بل استمر ضد قوى العدوان الثلاثي على مدينة بورسعيد في حرب عام 1956، ثم شارك في حرب الاستنزاف التي بدأت أحداثها عقب نكسة عام 1967، واستمرت حتى عام 1970، وعبر القناة وهو جندي في الجيش المصرى مع شقيقه “صلاح” الضابط في جيش مصر في حرب أكتوبر عام 1973، ليبقى حتى وافته المنية عام 2010، وكما أسماه أهل مدينته ذات يوم “شيخ الفدائيين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock