رؤى

أحفاد الملك «شاكا» في القاهرة

مع اختيار النادي الاهلي المصرياختيار النادي الاهلي المصري لطاقم فني جديد من جنوب إفريقيا ينتمي الى شعب الزولو٫ ربما يكون من المفيد إلقاء نظرة، ولو خاطفة، على هذا الشعب الذي أثر أبلغ الأثر في تاريخ بلاده وتاريخ القارة الإفريقية بشكل عام.

يشير الزولو إلى أنفسهم باعتبارهم “أهل الجنة” الذين هبطوا إلى الأرض وهم يشكلون المجموعة العرقية الأكبر في جنوب أفريقيا٫ ذلك البلد المتعدد الأعراق واللغات.

وتعد “الايسي زولو” اللغة الرسمية لشعب الزولو وإحدى اللغات المعترف بها في دستور جنوب إفريقيا والتي يتحدثها نحو ١٢ مليوناً منهم.

ومن الطريف حقاً أن اسم زولو الذي ارتبط في الذاكرة الأوروبية، وخاصة الإنجليزية، بشعب مقاتل شرس يكفي ذكر اسمه لبث الرعب في القلوب٫ ظلوا حتى القرن التاسع عشر الميلادي قبائل متفرقة تتعيَّش بشكل أساسي من الرعي والزراعة.

إلا أن ملكاً من الزولو سيغير هذا الوضع الى الأبد٫ هو الملك شاكا الذي بات يشار إليه في كتب التاريخ باسم “شاكا زولو”٫ حيث تولى شاكا المولود عام ١٧٨٧ قياده الزولو خلفاً لأبيه الذي توفى عام ١٨١٦.

أدرك شاكا منذ البداية أنه يحكم تجمعاً قبلياً صغيراً لا يزيد عن ١٥٠٠ فرد٫ إلا أنه بفضل شخصيته وسياساته شديدة الحزم استطاع أن يحول هؤلاء الأفراد في خلال بضع أعوام لا أكثر إلى أمة مترامية الأطراف.

كان همُّ شاكا الأول هو تأسيس جيش يستعين به في التوسع٫ أعاد شاكا تشكيل جيشه في هيئة فرق وسلح أفراده برمح ذو حربه حادة للغاية طوره بنفسه والأهم أنه لقن افراد جيشه طرقاً جديدة في القتال مغايرة لما كان مالوفاً بين القبائل في ذلك الوقت.

كان أسلوب شاكا الجديد يقوم على تشكيل المقاتلين لما يعرف ب”القرون” لتطويق العدو ومن ثم الإجهاز عليه تماماً وهو الأسلوب الذي مكن الزولو من إحراز انتصارات متتالية بقيادة زولو.

كان شاكا يبيد جيش العدو تماما وإذا ما تبقى منه أحد فانه يلزمه بالانضمام إلى زولو وبهذا توسع الشعب القليل العدد حتى صار إمبراطورية.

ففي خلال الفترة ما بين ١٨١٦ و١٨٢٨ صار جيش الملك شاكا مكوناً من أكثر من ثمانين ألف مقاتل مدربين ومسلحين وقادرين على الفتك بأي عدو٫ وبات ملكه يشمل أغلب المناطق الواقعة شرقي جنوب إفريقيا٫ وباتت مملكته تماثل من حيث الامتداد الإمبراطورية الفرنسية في عهد نابليون والإمبراطورية المغولية في عهد جنكيز خان.

لم يقهر شاكا أحدٌ من خصومه٫ من قهره كانوا المقربين منه٫ حيث تآمر عليه نفر من آل بيته واغتالوه غيلة وغدراً عام ١٨٢٨ وهو لم يتجاوز بعد الحادية والأربعين من عمره.

إلا أن المملكة المقاتلة التي أسسها شاكا لم تنته بمقتله بل استمرت بعدها وأحرزت نصراً مؤزراً على الجيش الاستعماري البريطاني في معركة إيساندلوانا عام ١٨٧٩ حين هاجمت قوة من الزولو مكونة من 20 ألف مقاتل قوة مكونة من حوالي ١٨٠٠ جندي بريطاني تجاوزوا الحدود إلى داخل مملكة الزولو.

ورغم تفوق السلاح الناري البريطاني في مقابل سلاح الزولو التقليدي إلا أن أحفاد شاكا أنزلوا بالبريطانيين واحدة من أسوأ الهزائم في تاريخهم الاستعماري.

وفي العصر الحديث استمر احفاد شاكا في مقاومة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا منذ أن فرضه عليهم حكم الأقلية البيضاء.

التف الزولو حول قيادة حزب المؤتمر الإفريقي المطالب بالمساواة والذي رفع شعار “صوت واحد لمواطن واحد” وخاض كفاحاً طويلاً على مدار ما يقرب من نصف قرن حتى اضطر النظام العنصري في مطلع التسعينات إلى الرضوخ والقبول بانتخابات أسفرت عن وصول رئيس أسود هو نيلسون مانديلا الذي سجنه النظام العنصري لمدة ٢٧ عاماً إلى قمة السلطة في البلاد.

وإذ تستقبل مصر، وأحد أبرز أنديتها الرياضية، طاقم تدريب من الزولو٫ يسترجع الطرفان تاريخاً طويلاً من الدعم المصري للنضال الافريقي من أجل الحرية٫ حيث كانت أرض الكنانة الوجهه الأولى لمانديلا في عام ١٩٦١ في إطار سعيه لافتتاح مكتب تمثيل لحزبه في القاهرة.

وحين أُفرج عن مانديلا عام ١٩٩١ حرص الأخير على زيارة مصر ووقف أمام ضريح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يخاطبه بقوله : “كنت هناك فى طرف القارة أشب على أطراف أصابعي حتى ترانى، عفواً لقد تأخر موعدنا معكم 25 عاما”.

زيارة نيلسون مانديلا لمصر

وبنفس المنطق٫ يمكن القول أن استقبال قاهرة المعز لأحفاد الملك شاكا كمدربين لنادي القرن ليس سوى لقاء تأخر عن موعده بين أبناء قارة واحدة يجمعهم تاريخ طويل من النضال المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock