عرض وترجمة: أحمد بركات
في 27 يوليو الماضي، عقد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مؤتمرا بالفيديو مع نظرائه في أفغانستان وباكستان ونيبال لاقتراح توسيع آفاق التعاون بين بلدانهم في مجال مكافحة وباء فيروس كورونا. وفي إطار تأكيده على الحاجة إلى إنشاء “ممر أخضر” لوجستي لتسريع إجراءات التخليص الجمركي بين بلادهم، اقترح الوزير أيضا تطوير ممر متعدد الطرق عبر جبال الهيمالايا عن طريق تمديد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان، كما انتهز الفرصة لدعوة نيبال وأفغانستان لاتباع نموذج التعاون الصيني الباكستاني.
لفت هذا الاجتماع أنظار صناع السياسات في واشنطن ونيو دلهي بقدر كبير، وجعلهم يسجلون باهتمام بالغ ملاحظاتهم حول عمليات إعادة المواءمة الإقليمية المحتملة. ورغم أن تفاصيل ما سيتطلبه هذا الإطار الرباعي وطريقة عمله لا تزال غير واضحة، إلا أن أي خطوة باتجاه مأسسته ستشكل تحديا خطيرا للولايات المتحدة، ففي حقبة ما بعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، ستؤدي أي محاولة صينية لدمج أفغانستان غير الساحلية في “مبادرة الحزام والطريق”– وهي برنامج الصين الدولي لتطوير البنية التحتية – إلى تقويض المصالح الجيوسياسية لكل من الولايات المتحدة والهند بشكل مباشر.
وفي إطار تحليل الخطابات الأخيرة من قبل المسئولين الأمريكيين رفيعي المستوى، أكد أنتوني كوردسمان، وهو أستاذ كرسي أرليه بورك في الشئون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن النهج الأمريكي تجاه الصين قد انتقل من الدمج بين المنافسة والتعاون إلى المواجهة المباشرة، وفيما يتعلق بالدعم الأمريكي للصين، كان الإجماع الحزبي الأمريكي من قبل الحزبين الكبيرين قد تحول في اتجاه عدم الثقة المفرطة في الدوافع الجيوإقتصادية والجيوسياسية لبكين، ومع اتخاذ العلاقة بين البلدين بعدا عدائيا متفاقما، فمن المرجح اتساع نطاق العواقب، بما في ذلك ما يتعلق بأفغانستان.
تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين
تلعب ديناميكيات التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين دورا حاسما اليوم في حسابات بكين السياسية والاقتصادية، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تعي تماما محاولات الصين لتحويل موازين القوى الإقليمية لصالحها، ففي نوفمبر 2019، وجهت أليس ويلز، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون جنوب ووسط آسيا، والتي تقاعدت مؤخرا، انتقادات حادة للدور الذي تلعبه الصين في أفغانستان، وفي كلمتها في “مركز ويلسون”، قالت ويلز: “لم تكن الصين لاعبا حقيقيا في تنمية أفغانستان … لم أر الصين يوما تتخذ الخطوات التي تجعلها مساهم حقيقي في استقرار البلد، ناهيك عن إعادة ربطها بوسط آسيا والمجتمع الدولي”.
كلمة أليس ويلز في مركز ويلسون
وفي نهاية يونيو وبداية يوليو الماضي، قام المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، يرافقه لأول مرة آدم بويهلر، المدير التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، بزيارة الدوحة وإسلام اباد وطشقند لعقد سلسلة من اللقاءات مع وزراء خارجية باكستان وأفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى الخمسة، كما التقيا أيضا بمفاوضي طالبان الأفغان الموجودين في قطر. كان الهدف الرئيسي من هذه الجولة هو نقل عزم الولايات المتحدة على الاستمرار في الاستثمار الجيوسياسي في أفغانستان، حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية، بما يتماشى مع اتفاق فبراير 2020 مع طالبان.
لقد هيمنت أفغانستان بقوة على النهج الأمريكي تجاه آسيا الوسطى منذ عام 2001، وفي فبراير 2020، كشفت إدارة ارئيس ترمب النقاب عن وثيقة سياسية جديدة بشأن “الاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى 2019 – 2025: تعزيز السيادة والرخاء الاقتصادي“. ترسم هذه الاستراتيجية روابط واضحة بين السياسة الأمريكية في آسيا الوسطى والموقف المتطور في أفغانستان. وينعكس هذا بجلاء في التأكيد على أن ” الولايات المتحدة تدرك أن استقرار وأمن أفغانستان يمثلان أولوية قصوى لحكومات آسيا الوسطى، والتي تلعب كل منها دورا مهما في دعم عملية السلام التي سوف تنهي الصراع في أفغانستان … ستعمل دول آسيا الوسطى على تطوير علاقات أوثق مع أفغانستان في مجالات الطاقة والاقتصاد والثقافة والتجارة والأمن، مما سوف يسهم بصورة مباشرة في استقرار المنطقة”.
ولأن واشنطن ترى آسيا الوسطى من منظور أفغانستان في المقام الأول، فمن المرجح أن تحذر الولايات المتحدة دول آسيا الوسطى بشأن علاقاتها مع الصين. وعلى النقيض من ذلك، تنظر الصين إلى آسيا الوسطى باعتبارها منطقة عازلة ضد النزعة القتالية لدى الأويغور في شينغيانغ، حيث أثارت سياسات بكين المتشددة ضد الأقليات المسلمة انتقادات عالمية واسعة النطاق. وبالنظر إلى هذه السياقات، لن يكون مستغربا أن تحاول الصين إعادة تفعيل “آلية التعاون والتنسيق الرباعي” التي تسعى من خلالها كل من الصين وأفغانستان وباكستان إلى التعاون مع طاجيكستان في مكافحة الإرهاب وتسلل المسلحين عبر الحدود. لكن يبقى أن روسيا ليست طرفا في هذه الآلية.
العلاقات مع طالبان
قطعت الصين شوطا طويلا في توطيد علاقاتها مع طالبان منذ أن اتصلت بكين بالجماعة المتمردة في تسعينيات القرن الماضي من أجل حماية مصالحها. في البداية، شعرت الصين بالقلق إزاء العلاقات الوثيقة التي تربط طالبان بأهم الجماعات الإسلامية المسلحة المناوئة للصين، وهي “حركة شرق تركستان الإسلامية” (وهي مجموعة انفصالية إسلامية صغيرة تنشط في شينغيانغ التي تقطنها أغلبية من مسلمي الأويغور، وقد وصفتها الخارجية الأمريكية في عام 2006 بأنها “الحركة الأكثر تسليحا بين مجموعات الأويغور العرقية الانفصالية”، وتمتلك هذه الحركة معسكرات مسلحة في أفغانستان). ومع ذلك، مهدت عوامل كثيرة الطريق أمام الصين لتحسين علاقاتها مع طالبان عندما تبوأت الحركة السلطة في أفغانستان. وبحسب سناتور باكستاني، فقد عقد السفير الصيني لدى باكستان، لو شولين، اجتماعا مع الملا عمر، زعيم حركة طالبان، في قندهار في ديسمبر 2000.
ومنذ عام 2001، التزمت الصين الحذر، وحرصت على إقامة علاقات رسمية مع نظام كابول وعلاقات غير رسمية مع حركة طالبان. وبالنظر إلى أن بكين لا تمثل طرفا أساسيا في الصراع الأفغاني، فقد اتسمت السياسات الصينية تجاه هذا الصراع في أفغانستان بالمرونة التامة، وشاركت بكين في العديد من المبادرات متعددة الأطراف للتوصل إلى تسوية سياسية بين نظام كابول وحركة طالبان، كما عُقدت أيضا العديد من المحادثات الثنائية، السرية في أغلب الأحوال، بين مسؤولين صينيين وقادة في حركة طالبان في السنوات الأخيرة، لكن في يونيو 2019، أعلنت الصين استضافتها وفدا طالبانيا بقيادة الملا عبد الغني بردار. وعندما ألغى الرئيس دونالد ترمب فجأة المحادثات مع طالبان في سبتمير 2019، حاولت الصين إقحام نفسها في الحدث عن طريق دعوة قادة الحركة إلى بكين لحضور مؤتمر بين الزعماء الأفغان لمدة يومين في أكتوبر من نفس العام ومع ذلك، كان لا بد من تأجيل هذه المحادثات.
إن أكثر ما تخشاه الصين هو استغلال حالة عدم الاستقرار في أفغانستان من قبل المسلحين الأويغور، والخطر الداهم الذي يمكن أن تواجهه مشروعات البنية التحتية الممولة صينيا في باكستان وآسيا الوسطى في حال انتشار الإرهاب من أفغانستان إلى محيطها، لكن ازدواجية المعايير والنفاق الذي تنطوي عليه سياسة “المسلم الصالح والمسلم السيء” الصينية لم تكن بحال موضع شك، حيث تقوم على اضطهاد جميع الجماعات العرقية المسلمة في الداخل باسم مكافحة الإرهاب في الوقت الذي تقيم فيه بكين علاقات مع طالبان في الخارج. في الواقع، يعكس انخراط بكين مع طالبان دوافع إسلام أباد التي تتمثل في التهدئة لمنع شن هجمات في الداخل، وتنصيب حكومة أفغانية غير صديقة للهند والولايات المتحدة، كما يمكن أيضا النظر إلى تحالف الصين مع باكستان لمواجهة المشكلة الأفغانية باعتباره ثقلا مضادا للتنسيق الهندو – أمريكي. علاوة على ذلك، فقد استخدمت حكومة أفغانستان بكين أيضا لإقناع المؤسسة الأمنية في باكستان باستضافة طالبان على مائدة المفاوضات والسعي إلى التعاون مع الصين في مجال التنمية الاقتصادية.
*فيناي كاورا – أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الأمنية في “جامعة ساردار باتيل” في راجاستان بالهند، وباحث غير مقيم في “برنامج أفغانستان وباكستان” التابع لـ “معهد الشرق الأوسط”
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا