من هذه الأحداث الجسام بدون التزام بالتسلسل الزمني:
هو أن الأمة لدرجة شجعت ترامب على فعل مالم يجرؤعليه كل الرؤساء الأمريكيين بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، صعود وسقوط داعش واستمرار فشل الحل العسكري في اليمن وتدميره وتدمير شعبه واستمرارالحرب في ليبيا وتزايد احتمالات تقسيمها ودخول تركيا طرفا إقليميا مباشرا فيها بما يهدد الأمن القومي المصري وانهيارمجلس التعاون الخليجي عمليا بعد المقاطعة السعودية الإماراتية البحرينية لقطر، ووقوف عمان والكويت على الحياد ونجاح الثورة السودانية في إسقاط نظام البشير بعد حكم فاشل زاد عن ٣٠ سنة؛ مع مؤشرات على سيطرة نخبة موالية للغرب ومتصلة بإسرائيل على مقاليد الأمور، وتطبيع العلاقات الإماراتية والبحرينية مع إسرائيل؛ في ما أصفه بالإعلان – الرسمي – الختامي لسقوط ما عرف بالنظام الإقليمي العربي نهائيا بما في ذلك اعتبار مراقبين غربيين أنها خطوة قد تعني اعتراف المنامة وأبو ظبي بإحلال إسرائيل كقائد للنظام الإقليمي محل مصر كقائد للنظام العربي الرئيسي ومحل السعودية كقائد للنظام العربي الفرعي في الخليج
في كل هذا الخطوب والشدائد شعر العالم العربي بحجم خسارة وفقدان هيكل، إذ تطلعوا لمرجعية عامة مثله (يثقون في قدرتها على تحليل الأمور ويثقون في قدرتها على فك مغاليق ما استعصي عليهم فيها، وفي قدرتها على ربط ما يجري بما جرى في السابق من صراع على المنطقة، وأخيرا وليس آخرًا في قدرتها على التنبؤ بمسارهذه الخطوب مستقبليا والتحضر لها ) فلم يجدوا!
أمن نقص في المحللين؟ أو من غياب في الفرص أمامهم؟ لا والف لا، فبعض هؤلاء أصبح يقدم برامج في التلفزيون والإذاعة ويكتب في الصحف في وقت واحد وتجده في وجهك كلما فتحت صنبور المياه، لكن كلهم فشلوا في أن يجعلوا جمهورا مشتركا عربيا من المحيط إلى الخليج ينصت إليهم فضلا عن أن يتمكنوا من إقناعه.
يحاول هذا المقال بشكل موضوعي، ـ رغم انحيازي الشخصي للأستاذ هيكل – أن يفسر لماذا أصبح هيكل تدريجيا منذ توليه رئاسة تحرير الاهرام ١٩٥٧ عموما ومنذ العام ١٩٨١ خصوصا مرجعية عامة للأمة العربية على اختلاف مشاربها وتياراتها وأجيالها بالاتفاق وحتي بالاختلاف وذلك في ظل توافر الشرط المبدئي (لابد أن يسمع ما يقوله ففيه معلومات غير متاحة، لابد أن يسمع ما يقوله ففيه تحليل يربط ظواهر وأحداثا وينسج خيوطا غير مرئية ثم اتفق واختلف كما تشاء).
عدة أسباب في رأيي تفسر كيف أصبح لهيكل هذه الوضعية أهمه السبب الذاتي المتمثل في صفاته الشخصية والمهنية والذي سأؤجله للنهاية بعد أن نستنفد الأسباب الموضوعية:
مرحلة مالرو وليبمان*
منذ العام ١٩٥٣ (في الثلاثين من عمره فقط) الذي صاغ فيه أفكار جمال عبد الناصر (٣٥ سنة) في فلسفة الثورة -أولى وثائق ثورة يوليو-،ارتقى هيكل تدريجيا ولكن بسرعة صاروخية ليكون الأقرب إلى عقل وقلب ناصر الذي أصبح بعد معركة تأميم القناة والعدوان الثلاثي والتصميم على بناء السد العالي أهم زعيم للعرب منذ صلاح الدين .
هذا القرب الذي وصل إلى درجة الشراكة في التفكير وفي طرح بدائل لصنع القرار أمام القائد السياسي (مع أشخاص ومؤسسات أخرى في الدولة) فحاز هيكل تلقائيا مع العلم العام بوثوق علاقته بالزعيم المحبوب على كل الشعبية والاهتمام التي كانت لهذه الزعامة الاستثنائية.
وقد قر في وعي الناس وهو صحيح أنه يبني مايكتبه وهو الأقرب نفسيا لجمال عبد الناصر على معلومات دقيقة وغير متاحة لغيره، فهو إذن نافذة توفر للرأي العام تدفقا للمعلومات غير مسبوق بمعيارعصره، ووقر في وعيهم أيضًا أنه يوفر اتصالا لهم بما يفكر فيه زعيمهم في اللحظة الجارية (ولم يكن هذا دقيقا تماما فقد حرص هيكل على البقاء صحفيا طول الوقت (ومحاورًا ومؤثرًا في عملية صنع القرار بعض الوقت) وكانت هذه رغبة عبد الناصر أيضا فكان كثير مما يكتبه هيكل تعبيرا عن وجهة نظره وبعضها وجد عبد الناصر نفسه مختلفا معه ولكن مصمما في نفس الوقت على أن ذلك من حق هيكل كصحفي وكاتب.
بين ١٩٥٣ و١٩٧٣ لمدة عشرين عاما (١٧ منها مع جمال عبدالناصر و٣ منها مع السادات) أصبح هيكل أهم صحفي وكاتب سياسي عربي، ورئيس تحرير لأكبر صحيفة عربية، ومقاله الأسبوعي الشهير بصراحة وكتبه وبعض لقاءاته التلفزيونية أضحى مرجعية سياسية موثوقا بها من الجماهير العريضة، والنخبة المؤيدة للمشروع القومي التحرري الذي جاء به عبد الناصر ولكن ليس من الجماهير المحدودة والنخب التي عادي المشروع مصالحها.
مرحلة تشومسكي وادوارد سعيد**
كان ما ينقص تحول هيكل إلى مرجعية سياسية مشتركة للأمة هو اختبار مصداقيته كمثقف عندما يخرج من السلطة والمشاركة في صنع القرار.
هل ستظل قيمته ككاتب كما هي؟ هل هو كاتب الرؤساء الذي يستمد اهميته من معلوماته ومن قربه من مصدر السلطة أن أنه قادرعلى أن يدافع عن أفكاره حتى لو اختلف مع السلطة؟ وهل هو قادر على الوصول إلى المعلومات وبناء تحليل فريد وهو بعيد عنها؟
الجواب قدمه هيكل في أهم منعطف مفصلي ووجودي في حياته ألا وهو خروجه من الأهرام بقرار غاشم من أنور السادات فبراير ١٩٧٤، فلم يتحول هيكل فقط من أقرب شخص للسلطة مع ناصر وبعده السادات إلى مجرد شخص مختلف مع السلطة؛ بل تحول إلى معارض شرس لسياسات الرئيس السادات، خاصة اندفاعه للتحالف مع أمريكا والصلح مع إسرائيل، والقضاءعلى القطاع العام
((قال لي الأستاذ مرة إن أكثر كتاب يفخر به وأهم معركة خاضها على إرث مشروع عبد الناصر هو كتابه “لمصر لا لعبد الناصر” قال كنت وحدي دون معين في هذه المعركة قالها بالانجليزية Single -handed وقبل أن يظهر جيلكم في الصورة)) كان الأستاذ يشير إلى جيل ناصري لعب دورا قياديا في الحركة الطلابية المصرية منذ ١٩٧٤، في مكافحة سياسات السادات وتعرض كثير من رموزه لاحقا للسجن المتكرر في عهده وعهد مبارك).
وقد توجت هذه المعارضة -وأقول توجت عامدًا متعمدًا- باعتقال هيكل مع مايزيد عن ألف وخمسمائة شخصية تمثل كل أطياف السياسة وتياراتها في مصر.
– وهنا تكشف لكل خصومه السابقين بما فيهم الوفديون والإسلاميون والماركسيون بدرجة اقل؛ أن قيمته الفكرية والسياسية مستقلة تماما عن السلطة، وبنيت في السجن وبعده علاقات تجاوزت الأيدلوجيا ولم تلغها وارتفعت فوق الخصومة السياسية والتاريخية بدون تنازلات من أصحابها ولا منه عن رؤاهم.
(لاحظ بعد خروج هؤلاء جميعا من السجن في بداية عهد مبارك كيف كانت وساطة فؤاد سراج الدين الشفاعة الوحيدة التي قبل بها هيكل للتنازل عن تنفيذ حكم نهائي لصالحه ضد أحمد أبو الفتح، أو كيف أصبح حسين عبد الرازق وصلاح عيسى خاصة الأخير من أهم محاوري هيكل الصحفيين في حوارات شجاعة نقلت توزيع صحيفة الأهالي وقتها إلى خانة مئات الألوف، وكيف بدأت بعض القيادات الإسلامية في اكتشاف طريق مكتبه وطلب رأيه ومشورته).
– تأكدت مرجعية هيكل ووصلت إلى ذرى جديدة في مرحلة مبارك بعد أن تبلورت فيها لدى الرأي العام العربي القناعة بل والفخر به كأشهر كاتب سياسي عربي في العالم؛ تتسابق أكبر دور النشر في العالم على كتبه ويتسابق على اللقاء معه أهم الزعماء الدوليين ولكن أيضا لسبب أهم هو محافظته على مسافة حاجزة بينه وبين مبارك ونظامه.
وعندما انتهت فترة السماح والهدنة الطويلة التي حظي بها مبارك من الشعب المصري وقواه السياسية بعد مرحلة السادات العاصفة؛ والتي أخفق مبارك برتابته السياسية في الاستجابة الصحيحة لها؛ عندما انتهت هذه الهدنة وبدا أن مصر انزلقت إلى جمود في الداخل وانهيار غير مسبوق في مكانتها في الخارج كان هيكل هو أكثر من أوجع نظام مبارك من النخبة المثقفة؛ ليس لمكانته وقيمة ما يقوله عند الناس فحسب ولكن لأنه توجه بكلامه إلى بيت القصيد مباشرة أي إلى مبارك رأس السلطة السياسية ولم يلتف أو يتوارى حول نقد الحكومة، كما أنه استهدف أعز ما لدى هذه السلطة ألا وهي عملية صنع القرار واختلاله (أجهز هذا السهم المسدد مباشرة منه في مقال له بأخبار اليوم على المحاولة اليتيمة لإعادة الأستاذ للكتابة في الصحف القومية وهي محاولة إبراهيم سعدة رئيس تحرير أخبار اليوم ١٩٨٥ لاستكتابه سلسلة مقالات تم إيقافها بقرار من مبارك شخصيا).
– أول لكمة موجعة لمبارك ونظامه من هيكل جاءت في رسالته لنقابة الصحفيين دعما لنضالها ضد القانون ٩٣ لعام ٩٥ واصفا سلطة مبارك الذي صدق على القانون المعادي لحرية الصحافة بأنها (سلطة شاخت في مواقعها) وهو التعبير الذي أصبح كما قال الأستاذ نفسه في فبراير ٢٠١٢ “التعبير الشائع على كل لسان في مصر.
– اللكمة الثانية والتي جعلت مبارك يترنح غضبا على الأقل هي محاضرته في الجامعة الأمريكية عام ٢٠٠٣ والتي انضم فيها علنا إلى فضح مخطط التوريث، معطيا بوزنه المرجعي مصداقية غير مسبوقة لإشارات غير منتظمة من صحف معارضة ومعلقين معارضين، ومحذرا بقسوة من عواقبه الوخيمة.
– أما الضربة القاضية فكانت مبادرته على صفحات (المصري اليوم ) بدعوة النظام إلى قبول أنه انتهي والدخول في مرحلة انتقالية -يتحول فيها النظام السياسي المصري إلى نظام حكم رشيد -يقوده مجلس اسماه مجلس أمناء الدولة والدستور .
وتكفل رفض مبارك (لم يكتف مبارك وقتها بالرفض بل وجه إعلامييه بشن أكبر حملة لاغتيال الشخصية علي هيكل بعدها) لهذه الدعوة وجميع الدعوات المماثلة من ناحية وانتخابات ٢٠١٠ المزورة من ناحية أخرى وفي ظل مناخ حراك سياسي لم تشهده مصر منذ عقود، ودعمه هيكل بوضوح (حركة كفاية /”قادها في أهم مراحلها واحد من أقرب أصدقائه وتلاميذه ومن أهم مثقفي مصر وهو الدكتورعبد الوهاب المسيري” النقابات المستقلة / حركة استقلال القضاء الخ) تكفلا مع عوامل أخرى بتحول الدعوة لمظاهرة عادية في ٢٥ يناير لإقالة وزير الداخلية آنذاك إلى ثورة كاملة من أهم ثورات الشعب المصري في العصر الحديث، على الأقل من جهة تمكنها من الإطاحة برأس النظام وإجباره على ترك السلطة.
في هذه المرحلة قابل كاتب المقال بحكم عمله شخصيتين بارزتين غيرعربيتين قدما ما يمكن اعتباره شهادتين موضوعيتيتن علي هذه الحالة المرجعية لهيكل في الإقليم كله وليس في العالم العربي فقط : أولهما كان وزيرخارجية إيران الاسبق د.منوشهر متقي (شغل منصبه من٢٤ أغسطس ٢٠٠٥ حتى ١٣ ديسمبر ٢٠١٠ ) والذي أبدى استغرابه الشديد من حملة كراهية كانت تشنها الصحف القومية المصرية وقتها ضد هيكل بتعليمات من مبارك، وقال:
إننا في إيران وأي شعب يود لو أن لدية مرجعية بهذا المستوى وهذه الحكمة. انتقدوه فهو إنسان ولكن لاتغتالوه معنويا ولا توجهوا إليه إساءات شخصية.
وثانيهما كان المفكر التركي د. اكمل الدين إحسان أوغلو امين عام منظمة التعاون الإسلامي (شغل منصبه من يناير ٢٠٠٥ حتى ديسمبر٢٠١٣ ) والذي حصل في آخر انتخابات رياسية على ما يقرب من ٤٠٪ من أصوات الأتراك ممثلا للمعارضة في مواجهة أردوغان الذي فاز ب ٥٢٪ (قال لي إنه مهما كان البلد الموجود فيه واختلاف فروق التوقيت فإنه يكون حريصا على مشاهدة حلقة الخميس الأسبوعية لهيكل على الجزيرة لأهميته المرجعية رغم أنه أقر بأنه يختلف في أحيان كثيرة مع بعض آراء هيكل).
مرحلة تراجع المرجعيات الأخرى وتوسط مرجعيته للجميع من ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى ٢٠١٤
مرحلة جني ثمار المرجعية العامة وحصاد العمر: في هذه المرحلة انتقلت مرجعية هيكل إلى مرحلة الرسوخ التام والعلم العام، فبعد قيام ثورة ٢٥ يناير التي أيدها هيكل ودعمها على الفور صار مقصد “الجميع” ثوار الميدان وشبابه، وأعضاء المجلس العسكري الذي حكم البلاد حتي مجئ الإخوان للحكم والإخوان المسلمين ورموز أخرى من التيار الإسلامي، د.محمد البرادعي وتياره وقتها، كل مرشحي الرئاسة الجادين في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة (عمر سليمان، عمرو موسي، أحمد شفيق، حمدين صباحي، عبد المنعم أبو الفتوح، محمد مرسي الخ).
وكان حديث له لإحدى القنوات يحدد في اليوم التالي جزءا مهما من أجندة السياسة والعمل العام في مصر في مرحلة فوران ثوري مقلقل.
ومع دفاع هيكل عن ثورة يناير باعتبار أنها يجب أن تكون أساس أي رؤية للمستقبل، وأساس أي نظام سياسي جديد ( اتذكر في هذا المقام تعبيرين أثيرين له عن يناير قالهما أكثر من مرة معي التعبير الأول: أن صورة الميدان في ال١٨ يوم معي باستمرار ولاتفارق خيالي أبدا.
والتعبير الأثير الثاني أن (ثورة يناير ثورة فريدة في التاريخ المصري الحديث إذ أن الشعب فيها هو الذي تحرك وهو الذي قاد وهو الذي استدعي قواته المسلحة لأداء دور يحدده هو وهو وضع تمني أن يحكم صياغة المستقبل).
ثم مع انحيازه للمعارضة الشعبية الواسعة لحكم الإخوان أي استمراره في موقع المثقف المعارض للحكم القائم .. صار هيكل بأكثر من أي وقت مضى -بما في ذلك فترة قربه من الرئيس عبد الناصر – في وسط ومقدم المسرح السياسي مطلوبا للحوار والتشاور من الجميع وطالبا للحوار والتشاور مع الجميع .
ساعد على ذلك التفرد مايمكن وصفه بتراجع وزن نفوذ رموز ومرجعيات أخرى كان قد تنامو وزنها في عقد التسعينات وما بعدها، وذلك بسبب لعبها أدوارا مصرية قوبلت بانتقادات عنيفة نالت من طبيعتها المرجعية (المستشار الجليل والفقيه القانوني طارق البشري رئيس لجنة التعديلات الدستورية بعد ثورة يناير، التي رفض الثوار وكل التيار المدني نتائجها واعتبروها ـ عن حق أو عن غير حق ـ بداية للمسار الخاطئ الذي سارت إليه الثورة).
أو رموز ومرجعيات أخرى أكبر لعبت أدوارا مصرية واقليمية رفضتها قطاعات واسعة من الجماهير المصرية والعربية مثل الشيخ يوسف القرضاوي ( فمصريا رفضت محاولته منذ ماسمي وقتها بجمعة النصر إخوانيا وجمعة سرقة الثورة من جانب التيار المدني والتي تمت في ١٨ فيراير ٢٠١١ وصعوده على منصة ميدان التحرير من محاولة نسب ثورة يناير إلى الإخوان والتيار الإسلامي فقط، وإعطاء الثورة طابعا (دينيا ) وهي التي لم تشهد مصر قبلها ولا بعدها أداءا ( مدنيا ) قائما على المواطنة وليس على الهوية الدينية سواء في جماهيرها أو شعاراتها أو سلوكياتها ) وعربيا قوبلت دعواته إلى القوى الغربية الأمريكيك والأطلسية للتدخل العسكري المباشر في كل من ليبيا وسوريا بسخط شديد خاصة وأنها كانت سابقة خالفت كل التراث الوطني والإسلامي للأمة.
أسباب ذاتية لهيكل ساعدت في إنضاج الظرف الموضوعي ليتحول لمرجعية
تتعلق هذه الأسباب بشخصية هيكل وقرارات اتخذها ومواقف سجلها وهي:
١- إثباته أنه قادر على تحمل كلفة مواقفه -تشويها وسجنا – وأنه ليس صنيعة السلطة والقرب منها وهو موقف أنهى أيضا عمليا على الفكرة التي روجها خصومه من أنه شخص براجماتي يستطيع العمل مع أي رئيس ولصالح أي نظام فقد شكل دفاعه عن مشروع عبد الناصر دليلا أنه كان قد كتب ماكتب مؤمنا بهذه المبادئ ولم يكن مجرد صائغ ماهر لأفكار صاحب المشروع.
٢ ـ رفض هيكل – لأسباب قام بشرحها كثيرا- أن يعترف بأن الناصرية ايدلوجية متكاملة وفضل عليه باستمرار تعبير أنها مشروع متجدد وقابل للتطوير والحذف، .كما رفض تبعا لذلك أن يصف نفسه علنا بأنه ناصري – رغم أنه مارس كل صفات الناصريين الذين جاءوا بعد عبد الناصر ماعدا الجزء الحركي والتنظيمي – ومكنه هذا من خلع الصفة الحزبية عن نفسة وجعل نفسه متاحا لكل القوى السياسية للحوار وأخذ المشورة السياسية ليس فقط في مصر بل في العالم العربي كله، كما مكنته هذه القماشة الواسعة التي صنعها لنفسه من أن يحاور الحكم والمعارضة والقادة وخصومهم في نفس الوقت وأيضا على امتداد العالم العربي.
٣- بنص حديثه نفسه للكاتب الكبير الأستاذ عبد الله السناوي في أهم كتاب صدر عنه بعد وفاته (أحاديث برقاش..هيكل بلا حواجز ) حدد الأستاذ هيكل موقفه الاجتماعي والطبقي بأنه (يسار الوسط) وهو ماينزع عنه الانتماء إلى معسكر اليمين ولكن أيضا لا يضعه في قلب معسكر اليسار الاشتراكي .. وهذه النظرة المؤمنة بالعدالة الاجتماعية ولكن لاتصل إلى المدى الذي كان يسعى عبد الناصر في الوصول إليه أو الذي يسعى إليه اليسار الماركسي جعلته كذلك متاحا للتواصل مع رجال الأعمال وأصحاب الثروات كما مع قيادات نقابية وعمالية وحتى على المستوى العربي والدولي كان يلتقي بزعماء وقادة دول ينتمون لليمين وزعماء وقادة ينتمون لليسار، حواراته اللبنانية تمثل نموذجا إذ كان يلتقي حسن نصر الله الذي ينتهج مقاومة الغرب، و يلتقي فؤاد السنيورة الداعي للتفاهم بل والاقتداء بالغرب، وحوارته الإقليمية مثال آخر (خاتمي) إذ كان الإيرانيون يسعون لسماعه وبنفس القدر كان خصومهم الإماراتيين (محمد بن راشد).
*تنويه أول:
– أندريه مالرو مفكر ووزير ثقافة ومحاور وصديق أهم زعيم فرنسي في القرن العشرين شارل ديجول
– والتر ليبمان كاتب وصحفي امريكي شهير محاور وصديق لاحد اهم روساء امريكا في القرن العشرين من و وودرو ويلسون الي جون كينيدي تم تشبيه علاقة هيكل بعبد الناصر بعلاقة كل منهما مع ديجول وويلسون.
**تنوية ثان:
– ناعوم تشومسكي من أهم المفكرين في الغرب إلى يومنا هذا، التقى هيكل في مكتبه بالقاهرة ويعتبر نموذجا للمثقف المعارض للسلطة
– إدوارد سعيد هو مفكر عربي أمريكي شهير اعتبر دائما أن دور المثقف هو نقد السلطة الحاكمة، ورفض فكرة أن يكون المثقف صديق القائد السياسي.