مع كل موسم رمضاني٫ يتسابق صناع الدراما لتقديم أعمال تلفزيونية لملء خريطة القنوات العربية الباحثة عن مادة تكفي ساعات العرض الممتدة في هذا الشهر الكريم.
وعلى عكس السنوات الماضية٫ ووفقا لما تسرب من أخبار حتى الآن٫ فإن موسم رمضان لعام ٢٠٢١ سيشهد عودة للدراما التاريخية التي باتت مفتقده من خريطة المسلسلات منذ عام ٢٠١٢ حين قدم كل من المؤلف وليد سيف والمخرج حاتم علي مسلسل “عمر” الذي تناول سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وقام ببطولته نخبه من الممثلين العرب وآثار جدلاً واسعاً٫ إلا أن هذه النوعيه من الأعمال الدراميه توارت في السنوات التالية لأسباب عدة لعل في مقدمتها ضخامة الإنتاج المطلوب من أجل تقديمها خاصة تلك التي تحتوي على مشاهد معارك حربية.
إلا أن هذه المسلسلات فيما يبدو ستعود بقوة مع مسلسل “خالد بن الوليد” الذي يلعب بطولته الممثل المصري ياسر جلال والذي تقدمه شركة المنتج الإماراتي ياسر حارب محاولة الاستفادة من الزخم الذي أحدثه مسلسل “ممالك النار” التاريخي الذي أنتجته العام الماضي.
إلا أن اللافت في هذا المجال وفقا لعدد من المواقع الاخبارية والفنية هو استعداد شركات إنتاج مصرية لتقديم عمل درامي ربما لأول مرة عن مصر القديمة وتحديداً عن الاسره الثامنه عشر وأحد أبرز ملوكها: احمس الأول.
حيث أعلنت شركتي سينرجي وأروما عن تحويل رواية “كفاح طيبة” للأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ والتي تناولت هذه الفترة من تاريخ مصر القديمة إلى عمل درامي ورشحت لبطولة العمل وتجسيد دور أحمس الأول النجم الشاب عمرو يوسف.
أثار هذا الإعلان ردود فعل مختلفة ومتباينة٫ ففي حين لاقت فكرة تقديم عمل عن مصر القديمة في حد ذاتها ترحيباً واسعاً خاصة في ظل النقص المعيب في عدد الأعمال الفنية المصرية التي تتناول تلك الفترة التاريخية الحافلة بالأحداث٫ طرح البعض تساؤلات عن مدى قدرة صناع المسلسل على تقديم عمل دقيق من الناحية التاريخية.
بدا التشكك مع صدور الملصق الدعائي للعمل والذي يحمل اسم العمل مع صوره مقسومه إلى نصف متساويين: الأول لوجه بطل المسلسل عمرو يوسف والثاني لمن يفترض أنه الملك أحمس.
إلا أن الكاتب المتخصص في مجال المصريات بسام الشماع أشار إلى خطأ فادح وقع فيه صناع هذا الملصق حيث أن الوجه الذي يحتل نصف مساحة الملصق ليس لأحمس الأول على الاطلاق وإنما هو وجه الملك تحتمس الثالث الذي تولى بعد أحمس بسنوات طوال ويعده بعض المؤرخين مؤسس الإمبراطوريه المصريه٫ أول إمبراطورية مترامية الأطراف يعرفها التاريخ البشري.
كما تزايد قلق المتابعين بسبب خطأ تاريخي آخر وقع فيه أحد صناع العمل حين أدلى بتصريح قال فيه إن أحمس “أنهى احتلال الهكسوس لطيبه” وهو أمر غير صحيح من الناحية التاريخية حيث إن طيبة (الأقصر حالياً) لم تقع اطلاقاً في يد الهكسوس الذين اقتصر احتلالهم لمصر على شمالها أي منطقه الدلتا دون الصعيد الذي بقى مستقلاً وانطلقت منه ومن طيبه تحديداً أول حرب تحرير وطنية في التاريخ بقيادة الملك سقنن رع والد أحمس الذي كان أول من بدأ بمهاجمة الهكسوس بهدف طردهم من مصر والذي قدم حياته ضريبة لهذا الهدف حيث قتل في إحدى معاركه مع المحتلين الهكسوس ثم استكمل ولده كامس الحرب حتى طهر الصعيد من الغزاة ثم كان دور أحمس الذي طرد الهكسوس خارج البلاد برمتها.
كما أن اختيار الممثل عمرو يوسف لتجسيد دور الملك أحمس لم يمر دون جدل على مواقع التواصل الاجتماعي حيث راى بعض رواد هذه المواقع من المصريين أن ملامح يوسف شديدة البعد عن ملامح الملك المصري كما رأوا أن من السخرية أن يقوم يوسف ببطولة عمل عن تاريخ مصر القديمة بعد أن قدم مسلسل “طايع” الذي يتناول نهب آثارها منذ بضع سنوات.
وامتد الجدل أيضاً إلى اختيار الأخوة دياب: محمد وخالد وشيرين لمهمه كتابة السيناريو لهذا العمل التاريخي٫ إذ لم يسبق لأي من هؤلاء الأخوة تقديم عمل تاريخي٫ وأثار البعض تساؤلات حول ما إذا كان السيناريو سيلتزم باللغه العربيه الرفيعة وشديده الرقي التي كتب بها محفوظ روايته والتي اختارها مبدع مثل شادي عبد السلام كلغة حوار في كافة أعماله عن مصر القديمة أم سيلجأ السيناريو إلى العاميه المصريه؟
وعلى كل٫ فإن الحكم على مسلسل “الملك أحمس” يبقى موجلاً إلى حين عرضه في رمضان المقبل٫ والذي من الممكن أن يفتح نجاحه – إن تم – شهية صناع الدراما لتقديم أعمال مماثلة عن مصر القديمة٫ تلك الفترة التي ظُلمت أيما ظلم على يد من شوهوها ومن تجاهلوها على حد سواء.