رؤى

ما يجب معرفته عن الصراع بين إثيوبيا وتيجراي

منذ أيام، تقاتل القوات الحكومية الإثيوبية ضد حكومة إقليمية قوية في شمال البلاد، وهي حكومة إقليم تيغراي (Tigray)، وتفيد التقارير بمقتل المئات.

وأمر رئيس الوزراء “أبي أحمد” الحائز على جائزة نوبل للسلام الحكومة بشن هجوم على هذا الإقليم، بعد اتهام “جبهة تحرير شعب تيغراي” (Tigray People’s Liberation Front) بشن هجوم على الجيش الإثيوبي الأسبوع الماضي. ويتصاعد الخطاب من كلا جانبي الصراع؛ مما يثير مخاوف من أن يتصاعد إلى حرب أهلية كاملة ويزعزع استقرار منطقة هشة بالفعل. ويمكن أن نحاول فهم ما يحدث من خلال النقاط التالية:

كيف بدأ هذا الصراع؟

هناك جذور عميقة لهذا الصراع، لكن في الأساس، يعود الصراع على السلطة إلى عام 2018م، عندما أتت انتفاضة شعبية “بأبي أحمد” إلى السلطة. الذي بشر بإصلاحات ديمقراطية، وتفاوض على إنهاء ما أصبح حربًا باردة مع إريتريا المجاورة. لكنه فكك أيضًا الحزب الحاكم في إثيوبيا، الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التي كانت تدير البلاد منذ ما يقرب من 30 عامًا.

كانت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، التي عينت “أبي أحمد”، عبارة عن ائتلاف من أحزاب سياسية عرقية. سيطرت عليه “جبهة تحرير تيغراي الشعبية” التي تحوز الكثير من القوة كأقلية عرقية. ويشكل سكان تيغراي حوالي 6٪ من سكان إثيوبيا.

وعندما قام “أبي أحمد” بتهميش قادة جبهة تحرير تيغراي، تراجع هؤلاء القادة إلى منطقتهم الأصلية في شمال إثيوبيا. منذ ذلك الحين، بدأ “أبي أحمد” بتوجيه الاتهامات لهم، أهم هذه الاتهامات هو محاولة زعزعة استقرار البلاد. وفي وثيقة موجزة أُرسلت إلى الصحفيين، وتم نشرها على نطاق واسع، اتهم “أبي أحمد” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مباشرة، بتدبير أعمال عنف عرقية في جميع أنحاء البلاد. وقد نصت الوثيقة على أن:

“الأيدي الخفية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كانت موجودة في عمليات قتل المدنيين في أجزاء مختلفة من البلاد”.

وأشارت الوثيقة إلى أن هذا الاتهام بناء على “معلومات استخبارية”، لكنها لم تقدم أدلة. وبطبيعة الحال، نفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هذه الاتهامات الحالية، كما نفت في الماضي اتهامات مماثلة، فلقد اعتاد “أبي أحمد” توجيه مثل هذه الاتهامات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وبغض النظر عن الاتهامات المتبادلة، أدى هذا النزاع والعنف المتبادل إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص خلال العامين الماضيين، وفقًا لمركز مراقبة النزوح الداخلي.

كما أن الأمور ساءت بشكل كبير بمجرد أن ضرب COVID-19 إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في القارة الإفريقية من حيث عدد السكان، فقد كان من المفترض أن يقود “أبي أحمد” البلاد خلال أول انتخابات ديمقراطية حقيقية هذا الصيف، لكن مستشهدًا بالوباء قام بتأجيل هذه الانتخابات.

اعتبرت “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” TPLF بأن ذلك القرار غير دستوري، وتحايل لتمديد ولاية الحكومة الفيدرالية، لذا فقد تحدوا أوامر “أبي أحمد” وأنشأوا لجنتهم الانتخابية الخاصة، وأجروا انتخابات إقليمية خاصة بهم، وأعلنت الحكومة الفيدرالية أن انتخابات تيغراي غير دستورية وبدأ الجانبان في تبادل الاتهامات بعدم الشرعية.

وقال “أبي أحمد” إن جبهة التحرير الشعبية لتيغراي تجاوزت خطًا أحمر الأسبوع الماضي، عندما زُعم أنها نظمت هجوما متعدد الجوانب على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي، وعلى حد تعبير “أبي أحمد” إن ذلك الفعل هو: “خيانة لن تُنسى أبدًا”.

ونفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عبر قناتها التليفزيونية هذا الاتهام، وأكدت أنها لم تقم بمثل هذا الفعل، بعد اندلاع القتال، دعا زعيم إقليم تيغراي “ديبريتسيون جبريمايكل” (Debretsion Gebremichael) إلى الحوار. وفي رسالة إلى الاتحاد الإفريقي، اتهم الحكومة الفيدرالية بالاستيلاء على السلطة، واتهم “أبي أحمد” بسجن خصومه ومحاولة تحويل الفيدرالية العرقية في إثيوبيا، إلى نظام يمتلك فيه رئيس الوزراء كل السلطة.

كتب زعيم إقليم تيغراي: “بدأ نظام الدكتاتور “أبي أحمد” القائم على سيطرة الرجل الواحد، في تفكيك مؤسسات الدولة المنشأة دستوريًا “. كما أنه يهدد وحدة هذا البلد وأسسه الراسخة “.

طبيعة القتال وخطورته

تم قطع الإنترنت وخطوط الهاتف في منطقة تيغراي، لذلك كان من الصعب الإبلاغ عن طبيعة القتال وعدد الضحايا. لكن الأمور تبدو صعبة وفي تدهور حاد، وقال الجيش الإثيوبي: إن قواته قتلت نحو 550 مقاتلًا. وقال رضوان حسين، المتحدث باسم قوة الطوارئ الإثيوبية، في مؤتمر صحفي إنه ليس لديه أرقام محددة للضحايا، لأن القوات ما زالت تتبادل إطلاق النار، ويقول: إن قطع الاتصالات، الذي ألقى باللوم فيه على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، أثر حتى على الحكومة. لذلك، كما يقول: عندما تسيطر الحكومة على الأرض، فإنهم سوف يقومون بإحصاء أعداد الضحايا.

وقالت منظمة العفو الدولية منذ أيام قليلة: إن العشرات – وربما المئات – من المدنيين على ما يبدو قتلوا في بلدة تقع على الطرف الغربي من الصراع. وقالت منظمة العفو: إنها لم تتمكن من تأكيد المسؤول عن عمليات القتل، لكن الشهود أخبروا بأن القوات التابعة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، هي التي هاجمت هذه البلدة بالمناجل والفؤوس والسكاكين.

كما تقصف الحكومة الفيدرالية أهدافًا في جميع أنحاء منطقة تيغراي، وتقول منظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن حوالي 7000 إثيوبي فروا من القتال وعبروا الحدود إلى السودان. وتقول الأمم المتحدة: إنه حتى قبل بدء هذا الصراع، كان هناك بالفعل حوالي 96000 لاجئ إريتري ومئة ألف شخص آخرين نزحوا داخليًا في هذا الجزء من إثيوبيا.

وتؤكد البيانات أن الطرق مغلقة، والكهرباء والهاتف والإنترنت معطلة، مما يجعل الاتصال شبه مستحيل. وهناك نقص في الوقود، والخدمات المصرفية توقفت. والحياة اليومية شبه معطلة تمامًا في مناطق الصراع.

مستقبل الصراع

يتضمن هذا الصراع كل الأسباب والدوافع ليكون مدمرًا، ولقد حذر بعض المراقبين من أن إثيوبيا يمكن أن تنقسم بالطريقة التي اتبعتها يوغوسلافيا في التسعينيات. ومن ناحية أخرى، قللت الحكومة الفيدرالية من أهمية القتال ووصفته بأنه “عملية لإنفاذ القانون”. وفي هذا السياق، يقول كيا تسيجاي، المحلل السياسي الإثيوبي، إن الحكومة أبعدت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن جيرانها، وأن “أبي أحمد” أبرم صفقات مع إريتريا والحكومة السودانية الجديدة، تاركًا لجبهة تحرير تيغراي طرقًا قليلة لاستلام الأسلحة التي تحتاج إليها لمواصلة القتال. إنه يحاصرها من كل الجهات، ولا يدخر جهدًا من أجل التضييق على الجبهة وقيادات إقليم تيغراي. ويضيف قائلًا: إن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ليست ميليشيا عادية، “لقد سيطروا على الأمن والجيش لما يقرب من ثلاثة عقود، ولديهم كل المعلومات وأهم أسرار هذا البلد”. وتزعم الحكومة الفيدرالية أنه عندما هاجم مقاتلو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قواتهم الأسبوع الماضي، قاموا أيضًا بسرقة صواريخ قد تتمكن من الوصول إلى العاصمة أديس أبابا.

حتى الآن ليس هناك أي احتمال لجلوس أطراف النزاع، وفي هذا السياق، دعا الاتحاد الإفريقي إلى وقف فوري لإطلاق النار، لكن “أبي أحمد” أوضح أنه لن يتفاوض حتى يتم احتجاز قادة جبهة تحرير تيغراي، ويتم تدمير مخبأ الأسلحة الذي بحوزة الحكومة الإقليمية.

“أبي أحمد” من رجل نوبل للسلام إلى قائد الحرب الأهلية

عندما وصل “أبي أحمد” إلى السلطة، قامت سيارات الأجرة والحافلات عبر إثيوبيا كلها بوضع صوره “أبي أحمد” بجانب صور المسيح، وقال الناس في الشوارع إنه أرسله الله.

حصل “أبي أحمد” على جائزة نوبل للسلام العام الماضي لإصلاحاته الديمقراطية ولإنهاء الحرب الإثيوبية رسميًا مع إريتريا. وفي خطاب جائزة نوبل، شجب الحرب. هو نفسه خاض القتال في الحرب بين إثيوبيا وإريتريا في أواخر التسعينيات، وهي حرب وصفها بأنها “مثال الجحيم”.

قال أيضا: “لقد رأيت إخوة يذبحون الإخوة في ساحة المعركة”. “لقد رأيت كبار السن من الرجال والنساء والأطفال يرتجفون من الرعب تحت وابل الرصاص المميت وقذائف المدفعية. الحرب تصنع رجالًا متوحشين بلا قلب”

الآن، بعد عام واحد فقط من خطابه المزعوم، تقوم طائراته بإلقاء القنابل على بعض الأماكن نفسها التي دارت فيها الحرب، ويقتل المئات من الأبرياء.

خالد كاظم أبو دوح

باحث في علم الاجتماع
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock