رؤى

الراحل نبيل فاروق في حوار لم يرى النور: أدب الجاسوسية تأخر كثيرًا بعد صالح مرسي

قصة اغتيال أسامة بن لادن ملفقة .. وهناك شواهد لهروب هتلر بعد هزيمة ألمانيا

برحيل نبيل فاروق، تنحل حلقة متينة من حلقات أدب الجاسوسية في مصر، فرغم بساطة ما كتبه، فإن الرجل مثّل مدخلا مهما للقراء الشباب للدخول إلى كتابات الجاسوسية، واستطاع على مدى ثلاثة أجيال من اختطاف عقول القراء بشخصية رجل المستحيل الخارقة، التي استمالتنا واختطفتنا ونحن أطفال ومراهقين، ثم اكتشفنا لا واقعيتها فيما بعد.

قبل عام ونصف بالتمام، ذهبت إليه في منزله بحي الرحاب من أجل حوار لم تسمح الظروف بنشره، في ظل مخاوف واعتبارات لإدارات تحرير الصحف من الوقوع في مخالفة سياق عام يخص قضية وطنية. وعلى هامش الحوار دارت بيننا محادثات وتصورات يستدعيها العقل تُدلل كيف كان نبيل فاروق نموذج لكاتب فارق في أدب الجاسوسية بمعارفه واطلاعه وتساؤلاته.

كان أبرز ما بدا اختلافا طرحي المتعجل بلا واقعية شخصية أدهم صبري الرجل الخارق الأذكى، الأمهر، الذي يُجيد عدة لغات، ويُتقن ألعاب القتال والرماية، ويبرع في قراءة الأشخاص، والتنكر. رجل لا يهاب الموت، بارد الأعصاب، صامد لا يتأثر بما حوله، لديه إرادة وقوة احتمال لا مثيل لها. هو رجل الاستثناءات كما يمكن أن يقال، وغير موجود سوى في أحلامنا وأمانينا. كان رأيه أنه يدرك ذلك لكن جذب الشباب اليافعين لقضايا الوطن والإيمان بحبه يتطلب شخصية لافتة غير اعتيادية، وهي مع ذلك يمكن أن تكون مزيج وخليط لشخصيات مخابراتية بالفعل التقى بمن هم يشبهونها بحكم كتاباته في الجاسوسية.

شخصية رجل المستحيل
شخصية رجل المستحيل

ولد نبيل فاروق في فبراير سنة 1956 في مدينة طنطا غرب القاهرة وتخرج من كلية الطب سنة 1980وشرع في كتابة روايات للشباب بنظام السلسة فقدم “رجل المستحيل” و” ملف المستقبل” لتحقق نجاحا باهرا دفعه إلى اعتزال الطب تماما سنة 1990 والتفرغ للكتابة فقط.

وابتكر “فاروق” شخصية رجل المخابرات الأسطوري أدهم صبري الذي استوحي سماته من ضابط مخابرات مصري التقى به، وتحول فيما بعد إلى قدوة لشباب الثمانينيات والتسعينيات.

ويرجع لـ”فاروق” الفضل في اكتشاف أديب الشباب المحبوب أحمد خالد توفيق عندما نظم مسابقة لأدب الخيال في التسعينيات من خلال المؤسسة العربية للنشرواختار إحدى قصص “توفيق” مقدما إياه لأول مرة إلى القراء.

أحمد خالد توفيق
أحمد خالد توفيق

لقد ولد أدب الجاسوسية في العالم قبل سبعة عقود على أيدى الكتاب البريطانيين أمثال سومرست موم (1874ـ1965)، إريك كيلفورد أمبلر(1909ــ1998)، إيان فيلمنج (1908ــ1964)، وغراهام غرين ( 1904ــ 1991)، وغيرهم، وانتقل إلى العالم  ليظهر بعض المبدعين الكبار مثل صالح مرسى.

ولكن لم يظهر بعده أديب بالحجم ذاته، وهو ما صارحت به نبيل فاروق مدركا أنه لن يغضب من عدم تشبيهه بصالح مرسي. وبالفعل بدا الرجل مستوعبا اختلاف اللون الكتابي وقال لي إننا بالفعل نعاني من تراجع أدب الجاسوسية في مصر، وهو ما شجع إسرائيل على ممارسة دورها المعتاد في تزييف الحقائق وفرض وجهة نظرها. وقال أيضا إننا هنا أشبه بمن يتحدث مع نفسه أو يلجأ إلى الشجب والاستنكار دون بذل أى محاولات للولوج إلى أدمغة المواطن الغربي، ذلك الذي يتأثر بالفيلم والأغنية أكثر من نشرة الأخبار ومقالات الصحف.

بداية الرحلة

سألته لماذا اختار الجاسوسية طريقا لممارسة الأدب، كيف بدأت القصة لديه؟  وكيف تطورت رؤيته وتصوراته؟ ثم كيف صنع شخصية رجل المستحيل؟

وحكى لي أنه بدأ الكتابة  قبل ثلاثين عاما في مجلة “الشباب” القاهرية الصادرة عن مؤسسة الأهرام وتطرق لعالم الجاسوسية في بعض مقالاته، وفوجئ بسكرتارية عبد الوهاب مطاوع رئيس التحرير وقتها تتصل به وتخبره أن جهة سيادية تطلب أن يتواصل معها، وأن أحد الأشخاص ترك تليفونه للتواصل معه. وبالفعل اتصل به والتقى بذلك الشخص الذي فاجأه هناك قانون صادر في مصر سنة 1979 يحظر نشر أى شئ عن الجهة السيادية دون الحصول على إذن منها، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت مجلة الشباب تعرض مقالاته على المسئولين، حتى وصل الأمر بعد ذلك إلى سماح الجهاز لنبيل فاروق بنشر كل ما يكتبه بعد أن تأكدت من حرصه وفهمه لمتطلبات الأمن القومي.

وقال لي أيضا إن عالم المخابرات يبدو سهلا للكاتب غير أنه شديد التعقيد من الداخل، فكل جهاز له نُظمه وقواعده وأساليبه في التعامل، ولابد للكاتب أن يكون ملما بعالم الجاسوسية والاستخبارت وتاريخ الأجهزة العالمية.

وفي رأيه فإن هناك فروق بين كاتب وآخر في التعامل مع ملفات المخابرات، فهناك كاتب مبدع لديه تصورات وأفكار وقادر على صياغة عوالم محيطة مثلما هو الحال مع صالح مرسي، وهناك آخرون يكتفون بالملفات الرسمية الجافة دون صياغة واقع حياتي محي مثلما فعل الكاتب عبد الفتاح الديب مع قصة” باروخ”.

عبد الفتاح الديب - باروخ في المصيدة
عبد الفتاح الديب – باروخ في المصيدة

ويرى نبيل فاروق أن الكاتب يجب أن يعيش فكرة الجاسوسية متوحدا مع الخطر والحذر، وملما بكافة جوانب رجال المخابرات الحقيقيين.

ويتابع “يبدو رجل المخابرات إنسانا طبيعا بالغ الأناقة والتهذيب، مثقفا ثقافة عالية، متقنا لكثير من اللغات ، وقادرا على ضبط مشاعره وإنفعالاته.”

فضلا عن ذلك، فلابد من إخلاصه واستعداده الدائم للتضحية بنفسه في سبيل وطنه في أى لحظة من اللحظات.

ومما قاله أيضا إن الأجهزة تحرص على تحذير عملائها من العلاقات النسائية لأن أشهر جاسوس في الحرب العالمية الثانية وهو ريخارد زورغه، و(الذي كان سببا في تحول كفة الحرب لصالح الحلفاء بسبب معلومة سربها حول عدم اعتزام اليابان مواجهة روسيا عسكريا، ما دفعها إلى حشد كافة جيوشها على الجبهة الألمانية ورجحت كفة الحلفاء) سقط بسبب علاقة نسائية، وأعدم في طوكيو سنة 1944.

صورة كاذبة

ويرفض “فاروق” تماما ما يسوقه البعض من كون رجال المخابرات رجال غلاظ أقرب للوحوش المفترسة. ويقول إن حكايات التعذيب والعنف في معظم الأجهزة حكايات خيالية، خاصة أن الأجهزة تتعامل مع المعلومات وتستهدفها لأنها تبني عليها كل تحركاتها، بدون حاجة لدفع أشخاص بعينهم للاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.

وحول التوافق بين شخصية أدهم صبري التي قدمها في سلسلة “رجل المستحيل” من خلال 160 رواية وشخصية رجل المخابرات الحقيقية ذكر نبيل فاروق ” إن هناك بالطبع فروق عديدة، لكنني حرصت على جمع صفات عظيمة استحسنتها في عدد من رجال المخابرات الذين تعاملت معهم، لذا فقد عاشت الشخصية مع القراء العرب ثلاثة عقود، وحاولت في الرواية إنهاء حياتها غير أنني لم أتمكن فتركت النهاية مفتوحة.”

ومما أكده أديب الجاسوسية أنه في الآونة الأخيرة تغيرت طبيعة الجاسوس تماما فلم تعد مهمته نقل معلومات أو صور أو أسرار وإنما تعد الأمر إلى الترويج لإشاعات أو بث روح الإحباط والانهزامية أو إثارة بعض الحنق الشعبي تجاه الأنظمة والسياسات، لذا فإن أنظمة المواجهة اختلفت تماما، مع ظهور مصطلح “حروب الجيل الرابع”.

وأوضح أن حروب الجيل الأول هي الحرب النظامية التي يواجه فيها جيشا جيشا آخر، ويطلق الجيل الثاني على حروب الجيوش والأجهزة ضد العصابات والميليشيات المنظمة ، بينما يطلق الجيل الثالث على الحروب الوقائية مثل قيام أميركا بضرب العراق تحسبا لوجود أسلحة دمار لديها . أما حروب الجيل الرابع فهي حروب بالوكالة يستخدم فيها عناصر داخلية لزعزعة الخصم داخليا وأول مَن تحدث عنها البرفيسور الإسرائيلي ماكس مايورينك في مركز البحث القومي الإستراتيجي بإسرائيل حين ذكر أن حروب الجيل الرابع تعتمد على الإرهاب وعلى وجود قواعد غير وطنية، متعددة الجنسيات، وفيها تستخدم كل وسائل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والعرقية ويتم العمل على هدم الرموز وإشاعة روح الانهزامية.

حروب الجيل الرابع
حروب الجيل الرابع

تغير إستراتيجيات الأمن

وحول تغير الأعداء وتبدل استراتيجيات الدول قال إنه ” لا يوجد عدو دائم، ولا صديق دائم، والعالم العربي وحده الذي يعيش في قوالب ذهنية ثابتة.”

ورأى أن مفهوم العدو قد يتغير لدى العالم العربي ليصبح تركيا أو إيران وفقا لمشروعاتها القومية، وما يحدث حولنا يدفعنا إلى التفكير بعمق أكبر في فكرة ثبات الأعداء والأصدقاء في الخطاب الفكري.

وضرب المثل “بفرنسا وألمانيا وصراعهما التاريخي على إقليم الألزاس واللورين، وحربهما الضروس ، ثُم التحالف والتعاون القائم حاليا.”

وأكد نبيل فاروق أن كثيرا من القصص والحكايات في عالم المخابرات يتم تلفيقها وتسويقها إعلاميا للتغطية على أمور أخرى ترى الأجهزة أنها لا يجب كشفها أبدا.

وعلى سبيل المثال يعتقد “فاروق ” أن رواية قتل أسامة بن لادن كما رددتها الجهات الرسمية الأمريكية ملفقة ، وأنه من المحتمل أن يكون “بن لادن” مسجون لديهم إلى الأبد للتعرف على كافة المعلومات الخاصة بالقاعدة حول العالم.

وقال ” إنه لا معنى لإلقاء جثة مطلوب لدى الشعب الأميركي في البحر بدلا من العودة بها للاحتفال بالنصر الذي تحقق.”

كما يتصور البعض أن هتلر لم يمت منتحرا كما رددت الآلة الإعلامية للحلفاء وأنه ربما هرب وعاش في أميركا اللاتينية هو وإيفا براون.

وأشار إلى أن أساليب الأجهزة في التعامل مع خصومها تختلف من جهاز لآخر، غير أن هناك أجهزة معروف عنها إضطلاعها في أعمال التصفية الجسدية للخصوم وعلى رأسها جهازي”الكي جيه بي”، والموساد.

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker