ثقافة

أدب الجاسوسية بين “مرسي” و”فاروق”

مع رحيل الكاتب المصري الدكتور نبيل فاروق الذي وافته المنية يوم التاسع من شهر ديسمبر الجاري٫ فقد أدب الجاسوسية في عالمنا العربي واحدا من أبرز كتابه.

حيث يعاني هذا النوع من الأدب في العالم العربي من ندرة في عدد الكتاب الذين تصدوا لخوض تجربة كتابة قصص مستوحاة من عالم الاستخبارات٫ ولعل ذلك يرجع إلى مدى غموض هذا العالم وسريته وعدم توافر قصصه إلا قلة لقليلة من الكتاب الذي كانوا محظوظين بما يكفي للاطلاع على ملفاته التي تتسم بقدر عال من التكتم.

ولعل أحد أبرز هؤلاء المحظوظين -إذا صح التعبير- هو الكاتب المصري الراحل صالح مرسى الذي وصفه بعض النقاد بأنه رائد أدب الجاسوسية والبحر٫ وهما المجالان اللذان أبدع فيهما عبر مسيرة دامت نحو ثلاثين عاما.

أتاح تعاون مرسى مع جهاز المخابرات العامة المصرية له الاطلاع على عدد من أبرز وأهم العمليات التي نجح فيها هذا الجهاز الاستخباراتي لا سيما في إطار صراعه الطويل مع جهاز المخابرات الصهيوني “الموساد”.

ومن هذه الملفات التي فٌتحت أمام مرسى٫ اختار الكاتب الراحل عددا من القصص البارزة كان في مقدمتها “دموع في عيون وقحة” عن قصة البطل المصري٫ ابن مدينة السويس٫ أحمد الهوان الذي اسماه مرسى في روايته “جمعة الشوان” والذي عانى مرارة التهجير من مدينته السويس بعد عدوان عام ١٩٦٧ وسعى الموساد لاستغلال ظروفه الشاقة لتجنيده كعميل في مصر٫ إلا أن ضميره أبى وأبلغ السلطات المصرية والرئيس الراحل جمال عبد الناصر نفسه بالأمر٫ مما جعل المخابرات المصرية تستعين بالهوان لتسريب أخبار كاذبة للعدو وتضليله وعن طريق الهوان حصلت مصر على جهاز إرسال واستقبال متطور زوده به الموساد.

كما اقتبس مرسى قصة مشابهة اسماها “الصعود إلى الهاوية” عن صحفية مصرية يتمكن الموساد من تجنيدها وتجند هي بدورها خطيبها الضابط الشاب إلا أن المخابرات المصرية تتمكن من استدراجها وإعادتها إلى مصر لتلقى مصير خيانتها.

أما أبرز أعمال مرسى الجاسوسية فكانت ملحمة “رافت الهجان” المقتبسة عن قصة العميل المصري “رفعت الجمال” الذي زُرع من قبل جهاز المخابرات المصرية مطلع الخمسينيات في قلب الدولة الصهيونية وظل ينقل أسرار تلك الدولة إلى مصر حتى ما بعد نصر أكتوبر عام ١٩٧٣ وتوفي دون أن يكشف أمره.

وجدت أغلب أعمال مرسى طريقها إلى الشاشتين الفضية والصغيرة مثل “الصعود إلى الهاوية” الذي تحول إلى فيلم سينمائي عام ١٩٧٨ و”الدموع في عيون وقحة” و”رافت الهجان” التي حولهما المخرج الراحل يحيى العلمي إلى ملاحم تلفزيونية تحلق حولها الآلاف المشاهدين العرب.

أما نبيل فاروق٫ الطبيب الذي ولد في عام ١٩٥٦ ذلك العام الذي خاضت فيه مصر واحدة من أهم وأشرس معاركها في سبيل استقلالها الوطني٫ فدخل إلى عالم الجاسوسية من باب سلسلته الأدبية “رجل المستحيل” التي بدأ في كتابتها لصالح المؤسسة العربية الحديثة ضمن مشروع “روايات مصرية للجيب” والتي كانت تهدف إلى تشجيع الشباب على القراءة .

تميزت السلسلة عن تجربة الراحل صالح مرسى بأمر هام٫ وهي أن فاروق لم يقتبس قصصا حقيقية بقدر ما صاغ بطلا جديدا من نسج خياله اسماه “أدهم صبري” وهو رجل استخبارات مصري يتمتع بقدرات فائقة جعلته يستحق لقب “رجل المستحيل”.

وكان فاروق قد صرح في حوار تلفزيوني أنه شعر بحاجة لخلق بطل للقراء المصريين الشبان يتميز بأنه ينتمي إلى ثقافتهم٫ بمعنى أنه لا يقتل ولا يشرب الخمر ولا يقيم علاقات غير شرعية٫ فهو بطل مصري صميم لا مستورد.

ومن هنا ولد أدهم صبري بداية من منتصف الثمانينيات تقريبا وصار بطلا لسلسلة فاق عدد رواياتها ال١٦٠ عددا فضلا عن عدد كبير من الأعداد الخاصة.

في رواياته٫ يواجه صبري كافة الأعداء دفاعا عن وطنه ويحارب على أكثر من جبهة مستعينا بقدرته المدهشة على التنكر وإجادة عدة لغات فضلا عن براعته في القتال اليدوي واستخدام كافة أنواع الأسلحة.

وبالتالي فهو يواجه الموساد الصهيوني والمخابرات الأمريكية بل وحتى عصابات المافيا وينتصر في كافة هذه الجولات٫ وينتقل بين كافة أرجاء البسيطة من القاهرة إلى موناكو ومن المكسيك إلى تل أبيب ذاتها.

وإلى جانب “رجل المستحيل” قدم نبيل فاروق قصة “العميل ١٠٠١” التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني تناول بطولة مصرية مجهولة من حرب عام ١٩٧٣.

ويطرح رحيل الدكتور فاروق سوالا حول مصير أدب الجاسوسية العربي٫ فهل سيتأثر برحيل مبدع “رجل المستحيل” أم أن الجيل الذي ألهمه كل من فاروق ومرسى سيبدع أبطالا مماثلين لأدهم صبري؟

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock