رؤى

إسرائيل تخسر المعركة ضد كلمة ’الفصل العنصري‘ (2 – 2)

في "ويكيبيديا"..

عرض وترجمة: أحمد بركات
كان لحروب تحرير مقالات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تأثير جوهري على كيفية معالجة موسوعة “ويكيبيديا” للقضايا الشائكة، من شاكلة إغلاق المقالات عن التحرير العام وقصر المشاركة على المحررين الذين لديهم اسم مستخدم ومستوى معين من الخبرة في الكتابة والتحرير في موسوعة “ويكيبيديا”. وكانت النتيجة ظهور معسكرين أيديولوجيين، وهما ما يُعرف بالمحررين الموالين لإسرائيل والمحررين الموالين لفلسطين، اللذين تم محاصرتهما فيما يصفه البعض بـ “المأزق التحريري”.

في الواقع، حتى برغم أن مقال Israel and the Apartheid Analogy “مقارنة بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري”، الذي نشرته موسوعة “ويكيبيديا” منذ ما يقرب من 15 عاما، ظل مثيرا للجدل إلى درجة كبيرة على مدى أكثر من عقد من الزمان، إلا أن جميع محاولات تغييره بشكل جذري باءت بالفشل، بما في ذلك النقاش الذي أثير في عام 2017 بخصوص اقتراح إعادة تسمية صفحة “مقارنة بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري”، التي ادعى المحررون الموالون لإسرائيل أنها كانت محاولة للزج بالمقال إلى منطقة غير محايدة.

“أشك أنه كان ثم إجماع على وضع الفصل العنصري في إسرائيل”، كما يقول فيديريكو ليفا، أحد المحررين النشطين في هذا النقاش. ويضيف: “’إن ويكيبيديا‘ ومجتمعها لا يتخذون موقفا ما حيال أشياء من قبيل ’هل الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري اسمان لمسمى واحد؟‘. إننا فقط نصف ما تقوله المصادر، لذا فإن السؤال يبقى دائما حول ما إذا كان ثم إجماع على أن تقديم ملخص لهذه المصادر أمرا دقيقا / مناسبا”.

اسرائيل والفصل العنصري
اسرائيل والفصل العنصري

والآن يبدو أن هناك تحولا بشأن الإجماع المتعلق بالمصادر.

“تذكًر أن مقال [البانتوستانات] لا يتعلق بأي مقارنة أو تشبيه، وإنما فقط بوصف المناطق المقترحة لـ ’السيادة‘ الفلسطينية، وتطور ذلك بمرور الوقت”، كما يقول المحرر Oncewhile كاتب مقال West Bank Bantustans”بانتوستانات الضفة الغربية”. “قد يكون النقاش حول الاسم فنيا.. هل كلمة ’بانتوستان‘ ’اسم علم‘ يستخدم فقط للإشارة إلى جنوب أفريقيا، أم ’اسم عام‘ يشير إلى مسميات ذات مستوى تشابه معقول؟”.

في الماضي، كانت هذه الدعاوى تختص بمقالات أخرى، على سبيل المثال تلك المتعلقة بالمناطق A، أو B، أو C في الضفة الغربية، التي تم إنشاؤها بموجب اتفاقات أوسلو، ومنحت إسرائيل والسلطة الفلسطينية مستويات مختلفة من التحكم في أجزاء مختلفة من الضفة الغربية.

والآن، يزعم المقال الجديد أن “بانتوستانات الضفة الغربية، أو كانتونات الضفة الغربية، الموصوفة مجازا بأنها ’أرخبيل فلسطين‘، هي الجيوب المقترحة غير المتجاورة لفلسطيني الضفة الغربية بموجب مجموعة متنوعة من المقترحات التي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.

لا توجد حقيقة واحدة

يسلط المقال الضوء على كيف يقدم الوضع الدائم للمناطق التي كانت تعتبر خاضعة للسيطرة الإسرائيلية المؤقتة المبرر لكتابة ونشر مقال جديد. ويقدم مقال في قسم مخصص لخطة ترامب للسلام، والتي تدعو إلى تقسيم الدولة الفلسطينية إلى خمس مناطق مختلفة، مثالا صارخا على ذلك. وتبرز الافتتاحية دعوى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن هذه الخطة من شأنها أن تحول فلسطين إلى “جبنة سويسرية”.

بحسب ليفا “لا توجد حقيقة واحدة، أو إجماع تاريخي بشأن هذا الموضوع حتى الآن، وربما لن يكون لفترة طويلة من الزمن. وأي مناقشة لهذا الموضوع سوف تكون غير مرتبة بالضرورة. وتعكس ’الويكيبيديا الإنجليزية‘ فقط هذه الحقيقة الثقافية، لكنها غير قادرة على تغييرها”.

يعكس المقال، بهذا المعنى، تحولا أكبر في الإجماع على نوايا إسرائيل، حيث تحظى الآن الدعاوى العامة التي تنشرها وسائل الإعلام، حتى في مقالات الرأي في صحيفة “هآرتس”، بأهمية أكبر مما كانت عليه في الماضي. ويذكر المقال أنه “بحسب شيمي شاليف، الكاتب بصحيفة ’هآرتس‘، في خطاب بمناسبة الذكرى الخمسين لحرب الأيام الستة، فإن ’نتنياهو لا يتصور فقط أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيحتاجون إلى تصريح إسرائيلي للدخول إلى ’وطنهم‘ والخروج منه، وهو ما كانت عليه الأمور أيضا في البانتوستانات، وإنما أيضا سيتم السماح للجيش الإسرائيلي بمواصلة إقامة حواجز على الطرقات، والقبض على المشتبه بهم، واقتحام منازل الفلسطينيين تحت اسم ’الضرورات الأمنية‘”.

احتجاجات ضد الفصل العنصري الإسرائيلي
احتجاجات ضد الفصل العنصري الإسرائيلي

في الماضي، كانت هذه التحليلات تُقابل بالرفض من قبل المحررين الموالين لإسرائيل  بدعوى أن صحيفة “هآرتس”، الصحيفة الإسرائيلية الوحيدة الموثوقة، متحيزة وغير موضوعية. ولكن اليوم، تترك هذه النقاشات، المدعومة ببيانات إسرائيلية رسمية وبحوث أكاديمية، تأثيرا عميقا باعتبارها قراءة دقيقة للواقع السياسي. على سبيل المثال، مصادر أخرى في المقال هي – في واقع الأمر – بحوث أكاديمية، مثل البحث المنشور في عام 2020 بعنوان “واقع الدولة الواحدة” ويتناول سياسات إسرائيل وخطة السلام كما ارتآها ترامب ومستشاره جاريد كوشنر.

تسلط هذه المصادر جميعا الضوء على سياسة إسرائيل في السعي من أجل ضم الأراضي في الضفة الغربية.

وبحسب محررين مختلفين، يرجع فشل الحذف في تحقيق الإجماع المطلوب بالأساس إلى تركيز المحررين الموالين لإسرائيل فقط على عنوان المقال. وبعبارة أخرى، كما يقول ليفا، “من الممكن أن يعيد المستخدمين الذين أيدوا الحذف تجميع أنفسهم، والاتفاق على المادة التي يجب أن تحتوي على هذه المعلومات، والتوصل إلى إجماع بشأن دمج [باستونات الضفة الغربية] فيها. ربما لا يزال بالإمكان تغيير عنوان المقال. كما أنني على يقين من استمرار النقاش حول المصادر واللغة المراد استخدامهما في المقال”.

في الواقع، نظرا لعدم التوصل لإجماع بشأن وجود المقال في “ويكيبيديا”، فقد بدأت محاولة جديدة لإعادة تسميته.

لكن جاك سالتزبيرج، رئيس “مجموعة إسرائيل”، وهي مجموعة مناصرة لإسرائيل ومعنية أيضا بما تنشره الموسوعة الإلكترونية “ويكيبيديا”، غير متفائل، حيث يؤكد أن “الإجماع [في الويكيبيديا الإنجليزية] لا يزال على ما هو عليه، وهذا المقال يثبت معاداة إسرائيل”.

يشعر Oncewhile بالمهانة إزاء دعاوى تتهمه بأنه نوعا ما مناهض لإسرائيل، أو حتى بأن “ويكيبيديا” يجب أن تعكس الطبيعة الثنائية للنقاش المتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. “إن عملنا في ’ويكيبيديا‘ ليس، أو على الأقل لا يجب أن يكون، منافسة بين فصيلين متعارضين”، كما يقول.

محاولات الفلسطينيين لاختراق جدار الفصل العنصري
محاولات الفلسطينيين لاختراق جدار الفصل العنصري

“تبقى ’ويكيبيديا‘ المصدر الرئيسي المفتوح في العالم للنشر في قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبالعمل مع هؤلاء الذين نختلف معهم، فإننا نحاول أن نرسم صورة محايدة للموقف. ويسهم كل نقاش في إزالة بعض الحواجز التي تفصل بين المجتمعين. وفي حالة النقاش المتعلق بباستونات الضفة الغربية، فقد تعلم حتى أكثر المتحمسين لإسرائيل شيئا ما عن أوضاع الفلسطينيين وظروفهم المعيشية، كما تعلم أكثر المتحمسين لفلسطين أن أغلب التاريخ يحدث بطريق المصادفة وليس بالتخطيط المسبق”.

(انتهى)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker