رؤى

“الكتب المؤسسة للعنف”(4): المودودي والمصطلحات الأربعة.. قراءة أخرى

جاءت كل التعقيبات على سلسلة الكتب المؤسسة للعنف للدكتور كمال حبيب تعليقاً على مجمل الحلقات؛ إلا هذا التعقيب للسيد سرحان عادل (الذي يُعرف نفسه بأنه كاتب وناشط سلفي).

وتحقيقا للفائدة وإثراء للحوار ننشر مقاله عن المودودي ومعه الرابط الخاص بالمقال الأصلي للدكتور كمال حبيب، وذلك حتى يفهم قارئنا العزيز طبيعة سياق تعليق السيد “سرحان” والفقرات التي عقب عليها في المقالة الأصلية.

لقراءة المقال الأصلي:

الكتب العشرة المؤسسة للعنف.. المصطلحات الأربعة في القرآن للمودودي 

[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]

في البداية أتشرف بأن الدكتور كمال حبيب من ضمن من تأثرت بهم خاص في مدرسة التحليل والتأريخ للحركة الإسلامية وذلك من خلال تتبعي لكتاباته في مجلة المنار الجديد

وتعلمت منه أن أي حدث أو ظاهرة لابد أن توضع فى سياقها التاريخي والاجتماعى والنفسي

فعلى مدار اثنتا عشرة حلقة  طرح  الدكتور كمال حبيب سلسلة مقالات بحثية

وتحليلية لعشرة كتب رأى أنها هي المؤسسة للعنف

ولو رجعنا لتلك الكتب لوجدنا أن مؤلفيها كتبوها  في سياق أزمات كما قال د/ حبيب، ككتاب الدفاع عن المسلمين أهم فروض الأعيان الذي كتب خلال احتلال أفغانستان  ثم كتاب إدارة التوحش الذي كتب خلال احتلال العراق

إدارة التوحش - محمد خليل الحكايمة
إدارة التوحش – أبو بكر ناجي

وهنا الملحوظة الأولى فهو يرى أن هذه الكتب ولدت في سياق أزمات ولا خلاف فى ذلك  فبعض ما كتب ابن تيمية كان في سياق الرد على شبه الفرق الكلامية في مسائل الإيمان والصفات ولم تطرح قبل ذلك لأن المشكلة لم تكن موجودة

وفى المقابل يرى الحل هو تفكيك تلك الكتب وعدم إعطاءها أكبر من حجمها و لم يطرح حلا لتلك الأزمات التى كانت سببا فى كتابة تلك الكتب فهو يركز على ردة الفعل لا على الفعل نفسه

فهو يبني نقده على أفكار تلك الكتب التى أدت للعنف و من يمارسون العنف ولم يذكر عنف الدولة والاستبداد الذي تمارسه الحكومات مثلا والبلطجة الدولية التى تمارسها الدول (كاحتلال العراق )  فعند تفكيك أي مشكلة وحلها لا بد من النظر إلى سبب المشكلة قبل النظر إلى نتيجة المشكلة

الاحتلال الأمريكي للعراق
الاحتلال الأمريكي للعراق

يقول د/ حبيب فى المودودي

أنه ( يدعو المسلمين لاتباعه من أجل إقامة ما اعتبره الجوهر الصحيح للدين، وهو إقامة الحكومة الإسلامية وتحقيق حاكمية الله في الأرض)

ويقول أيضا واصفا المودودي أنه:

(يشرح كلمة الدين بمعنى الحاكمية والسلطة العليا والطاعة والإذعان لتلك الحاكمية والسلطة) .

ومعنى الإخلاص لله ألا يسلم المرء لأحد من دون الله بالحاكمية والحكم والأمر، والمراد من الدين القانون والحدود والشرع والطريقة والنظام الفكري والعملي الذي يتقيد به الإنسان، فإن كانت السلطة في النظم والقوانين سلطة لله فهو في دين الله)؛

ولم يذكر د حبيب ما يراه خطأ فى تلك التعريفات

المودودي رحمه الله قام بعمل إعادة تدوير لفهم تلك المصطلحات الأربعة التي شابها شيء من الغبار نتيجة الجهل و قد أصل  المودودي لكل مصطلح من الناحية اللغوية من خلال المعاجم اللغوية  ومن الناحية الاصطلاحية الشرعية من خلال الآيات والأحاديث وأعتقد أن الرد عليه وتصحيح الخطأ يجب أن يكون من خلال هذين الأمرين الاصطلاح اللغوي والشرعي وإثبات ما ينافي كلام المودودي فالدكتور حبيب عرض مايراه مشكلة ولم يعرض الحل

وحقيقة الأمر أن الناس بالفعل نتيجة عوامل متعددة منها الغزو الفكري والاحتلال العسكري  حدث لديها عملية التباس فى بعض المعاني في القرآن بدليل ظهور التفاسير المختصرة والمبسطة هذه الأيام التى ظهرت حديثا والتى تميل إلى البساطة بعيدا عن الخلافات الفقهية واللغة التي أخذت حيزا من تفسيرلآخر فتفسير القرطبي مثلا قد لا يفهمه عامة من يعيشون هذا العصر لأنه كتب بأسلوب فقهي يخاطب فيه ثقافة وفهم المجتمع الذي كان يعيش فيه

فعلى سبيل المثال لو سألت أى عامي الآن ما هي العبادة سيقول لك مباشرة الصوم والصلاة … إلخ مع أن العبادة في مفهومها وجوهرها  أعلى وأسمى من تلك المظاهر المعلنة

فالمعاملات اليومية والاجتماعية على سبيل المثال عبادة والأخذ بأسباب التقدم التكنولوجي عبادة..والكثير من المعاملات اليومية تدخل فى العبادة بشرط استحضار النية

وما فعله المودودي فى طرحه لقضية المصطلحات الأربعة ليس بدعا من القول بل قد سبقه إليها الامام السيوطي فى كتابه (الإتقان فى علوم القرآن) حيث ذكر على سبيل المثال كلمة الهدى جاءت على سبعة عشر وجها وكلمة الصلاة  ليست قاصرة على الصلاة بصورتها التى نعهدها وكلمة الأمة وكلمة الدعاء جاءت على أكثر من وجه كذلك مفهموم الكلمة يفهم حسب السياق وهذا ما فصله المودودي من خلال المصطلحات الأربع فذكر أنها غير قاصرة على المعنى القريب الذي يفهمه الناس ولكن تحمل معاني أبعد من ذلك

الاتقان في علوم القران
الاتقان في علوم القران

يقول الدكتور حبيب فى المودودي  (ويقترح منهجًا انقلابيًا يدعو المسلمين من أجل إقامة ما اعتبره الجوهر الصحيح للدين، وهو إقامة الحكومة الإسلامية وتحقيق حاكمية الله في الأرض )

و يقول أيضا (يكتب المودودي رسالته في ظل الاحتلال البريطاني للهند وفي سياق أغلبية هندوسية هادرة تتسم علاقتها بالأقلية المسلمة بالتوتر والسعي للهيمنة، كما أن المسلمين في الهند من منظوره يتبنون الإسلام التقليدي المفعم بالروح الصوفية التي تبدو للمودودي عائقا أمام فهم صحيح للدين)

فهو اعتبر أن إقامة الحكومة الإسلامية في الهند مقابل الاحتلال الانجليزي وتحقيق حاكمية الله في الأرض  إشكالية ولم يضع الحل المقابل

فهل المطلوب منه عمل توافقات أو موائمات سياسية مع الإنجليز  كحال السلطة الوطنية الفلسطينية الآن مع إسرائيل

ثانيا أليس تحكيم شريعة الله بين الناس من أصول الإيمان ( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)

يقول دكتور/ حبيب

(ويقوم بناء المودودي الفكري كله على فرضية لا دليل عليها ألا وهي:  أن القرآن لما نزل في العرب كان كل امرئ منهم يعرف مامعني (الإله) و(الرب)

وبالتتبع والاستقراء للسيرة النبوية لهذه المعاني سنجد أن العرب يعرفون بحكم براعتهم اللغوية والتى تحداهم فيها القرآن يعرفون الفرق بين تلك المعاني بدليل

أنَّ أَبُا طَالِبٍ قال للرسول : يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ: يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عجاب

فكتاب المصطلحات الأربعة  لم يحمل أي بصمة من بصمات التكفير ولم يذكر أحكاما فقهية كالكفر والردة  فهو بمثابة من ألقى حجرا فى ماء راكد بالنسبة لتلك المفاهيم المذكورة وقام، لكن الإشكالية ترجع إلى الشباب الذين يقرأون الكتاب دون التسلح بأدوات العلم والمعرفة والوعي ويقرأونها داخل سياق فكري معين يراد من خلاله تحميل المودودي ما لايحتمل فقد أعدت قراءة الكتاب أكثر من مرة ولم أصل لتلك المعاني من كفر للمجتمع وما شابه

ومن خلال احتكاكي بأعضاء من تنظيم التوحيد والجهاد فى فترة الاعتقال أبان تفجيرات سيناء 2004 ومناقشتي لهم تبين لي أنه لم يقرأ أحد من هؤلاء  للمودودي مطلقا  فضلا عن سيد قطب بل كانت مرجعيتهم الأم كتاب الجامع في العلم الشريف والعمدة في إعداد العدة  لعبد القادر عبد العزيز فضلا عن كتابات أبو محمد المقدسي وأبو بصير الطرطوسي

تفجيرات طابا 2004
تفجيرات طابا 2004

فالمودودي لم يأت بشيء جديد  لكنه قام بعملية إعادة تدوير لفهم تلك المصطلحات  وقارن بينها وبين مفاهيم الناس الآن وكشف حقيقة هذه المصطلحات التي وصلت إلى حالة من  الالتباس والتشويه.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock