مختارات

23 ديسمبر من عيد النصر إلى العيد القومي لبورسعيد

نقلا عن صفحة الدكتور أحمد الصاوي على فيسبوك

من بين عدة أعياد وطنية تم انتقاء عيد النصر ليحذف من قائمة تلك الأعياد ويصبح مسماه إقليميا على الرغم من أن “المسوغ” الذي أعلن عنه لتبرير ذلك كان كثرة أيام العطلات في الأجندة الوطنية ولكن ذلك لم يكن أكثر من ذريعة لأنه في حقيقة الأمر لم تكتف الحكومة بعدم منح إجازة في يوم 23 ديسمبر بل وحولت المناسبة إلى مجرد العيد الوطني لمحافظة بورسعيد.

على هذا الدرب التعيس جرت محاولات سابقة ولا سيما من قبل بقايا النظام الملكي في بعض فترات مبكرة ومن قبل جماعة الإخوان المسلمين إلى يومنا هذا للتقليل من قيمة هزيمة العدوان الثلاثي بشكل عام وصمود بورسعيد البطولي بوجه خاص.

لطالما روج هؤلاء جميعا إلى أن مصر “هزمت” أمام العدوان الثلاثي وتم احتلال سيناء وبورسعيد ولولا الإنذارات الأمريكية والروسية لما انسحبت قوات العدوان

يتجاهل هؤلاء حقائق عدة منها أن الحروب لا تحسم فقط في ميادين القتال وأن الهزيمة أو النصر معيارها دوما هو الفشل أو النجاح في تحقيق الهدف أو الأهداف من العمليات الحربية.

يغفل هؤلاء أو بالأدق يتغافلون عن حقائق هامة لعل أهمها:

1- أن معركة بورسعيد كانت الساحة التي حررت فيها شهادة وفاة “الاستعمار الكولونيالي” القديم والتاريخ الذي تحولت فيه بريطانيا وفرنسا إلى مجرد قوى تدور في الفلك الأمريكي محتمية به من الاتحاد السوفيتي

2- أن المقاومة التي أبدتها مصر منعت قوات الاحتلال رغم تفوقها التسليحي ليس فقط من التقدم باتجاه الإسماعيلية بل ولا حتى من فرض سيطرتها على بورسعيد التي سجلت المقاومة الشعبية بها انتصارات ملفتة كشفت في مجملها عن أن مصر لن تعود إلى وضع المستمرة.

3- أن هذه المعركة كانت المناسبة الأهم التي كشفت عن تجذر المد القومي العربي ووجود وحدة عربية جماهيرية عبرت عنها قرارات الحكومات العربية الجمهورية والملكية على حد سواء في التضامن مع مصر ضد العدوان الثلاثي

4- أن هذه المعركة رسخت وبشكل نهائي زعامة جمال عبد الناصر على المستويات الوطنية والقومية والدولة.

ربما لتلك الأسباب السابقة تلاقت رغبات القوى الاستعمارية مع قوى عربية مناوئة للقومية العربية وكل منها لدواعي الخاصة في بذل الجهد لطمر مناسبة عيد النصر ومحوها من الذاكرة الوطنية والعربية.

ولايمكن إغفال حقيقة أن ما جرى من محاولات لإعادة نصب تمثال دلسبس بعد أن أزاحته المقاومة الشعبية عن قاعدته ليس سوى قمة جبل الجليد الذي تراكمت طبقاته عبر عدة عقود لطمر عيد النصر.

كانت عملية نسف التمثال بمثابة “رمز” لإزاحة الهيمنة البريطانية على مصر وتسلط شركة قناة السويس على الحكومات المصرية المتعاقبة.

ولذلك جاءت كل المحاولات ومعها الوعود المالية وتوظيف “العملاء” واستغلال “الجهلاء” ورشوة “الفاسدين” من أجل دق آخر مسمار في نعش عيد النصر تتويجا لما ظنه الاستعمار ومريدوه نجاحا لمسعاهم عبر نصف وقرن ونيف لإزاحة عيد النصر من الذاكرة الوطنية والعربية

23 ديسمبر ليس عيدا لمحافظة بورسعيد ولكنه رغما عن أنف المهزومين والمنبطحين “عيد النصر”

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock