مختارات

لماذا سنندم جميعا لترك إسرائيل تستفرد بالمقاومة في غزة؟

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عُمان

حسين عبد الغني

لماذا يتعين على العرب ألا يستمروا في خداع أنفسهم وشراء مقولات العلاقات العامة الأمريكية عن ضغوط جادة من واشنطن لوقف مستدام وقريب لإطلاق النار؟

أكتفي في الإجابة هنا بما ذكرته التقديرات الإسرائيلية التي تؤكد أن واشنطن ستستمر في منح جيش الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر في مواصلة حرب إبادة غزة وتتصدى إلى الضغوط الدولية والداخلية المتصاعدة لوقف المقتلة اليومية لآلاف المدنيين العزل لموعدين أو تاريخين مختلفين: الموعد الأول ينتهي في آخر شهر نوفمبر الحالي أي يمتد لنحو ٣ أسابيع من الآن. الموعد الثاني أن يستمر التفويض الأمريكي غير المشروط للجيش الإسرائيلي حتى حلول الكريسماس ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣ أي بعد أكثر من شهر ونصف.

بهذا المعنى فإنه حين تنتهي رخصة القتل الغربية الممنوحة لجيش الاحتلال وقياسا على عدد الشهداء والجرحى في غزة خلال الشهر المنصرم من العدوان البربري فإن نتائج كارثية قد تحدث لنا كعرب وعندما تحدث -لا قدر الله- فإن قدرة النظام العربي الرسمي على تحمل نتائجها ستكون قدرة محدودة ومشكوكا فيها بقسوة.

وبعبارة أوضح فإن التفويض الغربي سيؤدي لتبعات قد تهدد بقسوة الاستقرار السياسي للعالم العربي ووحداته ودوله الوطنية كما حدث بعد حرب ١٩٤٨ التي كانت سببا رئيسيا في تغيير جذري شمل عددا وازنا من الحكومات العربية.

هنا بعض النتائج الكارثية التي يمكن للتنبؤ السياسي أن يقدر حدوثها ويقدر تأثيراتها الخطيرة على الوضع العربي الراهن، ويدفع فيه العرب ثمن الانحياز المطلق الأمريكي والغربي لإسرائيل.

الكارثة الأولى إنسانية فلسطينية قد تعمق الفجوة القائمة بين معظم النظم العربية وشعوبها إلا فيما ندر حيث يتسق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي: عندما يتسبب شهر من العدوان بما يعادل قنبلتين ونصف نوويتين على جيب غزة صاحب الكثافة السكانية الأكبر في العالم في استشهاد وجرح وفقد ما يزيد على ٤٠ ألف شخص ٧٥٪ منهم من الأطفال والنساء والشيوخ وعندما تقول المنظمات الدولية أن غزة أصبحت أكبر مقبرة جماعية في التاريخ المعاصر فإن استمرار الرخصة الأمريكية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة أو ستة أسابيع أخرى بممارسة مجازره، وكذلك مع استهداف المستشفيات بالقصف وإخراجها من الخدمة ووصول نقص المياه والغذاء إلى مستوى المجاعة في غزة فإن ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والمفقودين لما يزيد عن خمسين أو ستين ألفا سيخرج غضبا شعبيا عربيا -منضبطا حتى الآن- من عقاله ويجر الحكومات العربية معه إلى وضع معقد يهدد بانفلات الشارع ومواجهات ويؤذن بنكبة ثانية تفعل في العالم العربي ما فعلته النكبة الأولى من تغييرات داخلية في نظم عربية.

كارثة تحطيم الحكومة في غزة ومخاطر إطلاق الإرهاب في العالم العربي: حماس ليست كتائب القسام فقط، حماس هي الحكومة التي تقود غزة منذ ٢٠٠٧ وتدير مرافقها التعليمية والصحية ومرافق المياه والكهرباء وهي التي تنسق مع الدول المجاورة وهي التي دخلت معارك مع مجموعات فلسطينية متشددة صغيرة في غزة حتى لا تتسرب للدول المجاورة. وحماس -بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها- تتمتع بحاضنة شعبية ما تشمل نشوء جيل جديد لا يعرف غيرها.

* وهي ككل حكومة -أيًا كان موقفنا منها- هي سلطة الضبط والربط التي تنفذ العقد الاجتماعي وتمنع تحول غزة إلى مخيم كبير منفلت مثل مخيم عين الحلوة في لبنان الذي تتقاتل فيه الفصائل والمجموعات السياسية والجنائية داخله بصورة مخيفة.

ويقدر خبراء غربيون متمرسون في شؤون الشرق الأوسط إن غزة -ستتحول- إذا سمح للعدوان لإسرائيل بالمضي قدما لعدة أسابيع قادمة بإقامة منطقة أمنية عازلة تفصل شمال غزة عن جنوبه وإنهاء حكم حماس للقطاع – سيتحول إلى هذا المصير أي مخيم فلسطيني كبير منفلت لا سيطرة لأحد على ما يخرج منه من تفاعلات تجاه الدول المجاورة أو تجاه المحيط الإقليمي عامة.

السؤال هنا ما الذي سيخرج من تفاعلات محتملة في ظل عدم وجود حكومة في غزة؟ خبرتنا العربية القريبة لا تكتفي فقط بأن تجيبنا وتدلنا بل يجب، أيضا، وبكل صراحة أن تخيفنا عواقبها، فجريمة أمريكا في حل الجيش العراقي بعد غزو ٢٠٠٣ نتج عنها انتقال عناصر مدربة من هذا الجيش ليحارب مع أي طرف يحارب الأمريكيين بما في ذلك الانضمام إلى منظمة داعش التي كانت قبل ذلك مجرد منظمة صغيرة أنشأها مصعب الزرقاوي فحولها لمنظمة دولية وإقليمية وصلت للشمال الإفريقي ووصلت للجزيرة العربية والساحل والصحراء والقرن الإفريقي الملاصق للبحر الأحمر، وحكمت لسنوات أجزاء كبيرة من سوريا والعراق وحارب الجيش المصري فرعها المعروف باسم جيش المقدس في سيناء المصرية في السنوات العشر الأخيرة. بغياب سلطة حماس وعدم جاهزية السلطة الفلسطينية لتولي حكم غزة بل وعدم قبولها أن تأتي على ظهور الدبابات الإسرائيلية، كما قال رئيس وزراء السلطة محمد أشتية ورفض الدول العربية التورط في تشكيل قوة أمنية تحمي أمن إسرائيل وتحول القتال إلى حرب بين الأشقاء العرب والمسلمين من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى. بعد إسقاط حكومة وجيش العراق تمددت داعش والجماعات الأخرى ومن شأن اجتماع اليأس وفقدان الأمل المتوقع من الفلسطينيين في غزة مع غياب الحكومة الحالية للقطاع نشوء منطقة رخوة ينتشر فيها التطرف، بعبارة أخرى سيؤدي اختفاء حكومة حماس وعدم وجود بديل مقنع لها والتخبط الأمريكي والإسرائيلي المتمثل في عدم وجود تصور محكم لما بعد القضاء المزعوم على حماس.. ستؤدي لموجة إرهاب في العالم العربي تبدد استقراره من جديد.

خطر التهجير القسري لسيناء والضفة الغربية لاحقا: الرفض المصري والأردني والعربي القاطع حتى الآن لمشروع التهجير القسري إلى سيناء والأردن أي ربما أوقف مؤقتا مخطط واشنطن تل أبيب لتهجير الفلسطينيين قسريا. ولكن ما لم تتخذ خطوات أكبر فإن الأخطار ستظل قائمة وسيظل استبعاد حدوثها أو تصديق تصريحات بلينكن المعسولة في هذا الصدد بمثابة جريمة أمن قومي كاملة الأبعاد. يشير محللون غربيون إلى عاملين خطيرين. العامل الأول جغرافي والثاني زمني. أما الجغرافي فهو يستند إلى أن حشر معظم سكان غزة في جنوب القطاع بعملية النزوح الإجباري بسبب القصف البربري لن يجعلها بمرور الوقت قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد خاصة مع النقص الفادح في الغذاء والمياه والدواء أما العامل الزمني فسيظهر أكثر مع دخول فصل الشتاء وربما سقوط الأمطار، وستتحول منطقة جنوب غزة عندها منطقة موحلة مرشحة لانتشار الأوبئة وانتقالها للدول المجاورة بسبب تواجد آلاف الجثث تحت الأنقاض والعجز عن استخراجها. هنا قد يبدو خروج أقسام هائلة من الفلسطينيين مضطرين إلى سيناء أو إلى بحر غزة وفي الغالب الاثنين معا احتمالا هائلا.

في نهاية هذا المقال أكتشف مثل القارئ تماما أنه يكاد يكمل مقالا آخر نشرته قبل ثلاثة أسابيع يؤكد أن الحفاظ على المقاومة هي مصلحة براجماتية محضة للحكومات العربية قبل أن يعتبر دفاعا عن فلسطين وأن المقاومة لو لم تكن موجودة لوجب علينا اختراعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock