فن

“10 سنوات يناير”.. سينما الثورة: هل تكفي النوايا الطيبة؟ 

عشر سنوات مرت على اندلاع ثورة 25 يناير وتبقى الأسئلة التى تحيط بها معلقة دونما إجابات شافية .. ماذا حدث ؟ ولماذا لقت الثورة هذا المصير الغامض ؟ وماذا حققت من أهدافها؟

أسئلة عديدة متشابكة وتفاصيل متداخلة تخبو من الذاكرة يوما بعد يوم سواء بسبب آلة الزمن التى تتسارع مع عشرات الأحداث أو بسبب رغبة محمومة لدى بعض الأطراف فى ذلك .

ويظل الفن بشكل عام والسينما بشكل خاص هى أحد وسائل التأريخ والرصد فى زمننا . فهل استطاعت الشاشة الكبيرة أن تعبر عن الحدث الأهم فى عمر هذا الجيل بكل تفاصيله وتناقضاته ؟ أم أن التعبير حتى الآن لم يكن على مستوى الحدث ؟

قد يرى البعض أن هناك أسباب جعلت من تعبير السينما عن الثورة أقل بكثير من أهميته وزخمه وتناقضاته أيضا من بين الأسباب تلك أن كثير من التفاصيل ينتابها غموض حتى الآن وأن الفترة ما تزال قريبة من الحدث مما يجعل الرؤية غير واضحة تماما

الثورة التى بدأت سلميه وكشفت خلال أيامها الأولى عن غضب عارم جرف الجميع فى طوفانه شابها و بعد أيام من اندلاعها حالة انفلات مقلق وبدى وجه آخر – ربما متعمد – تمثل فى الغياب الأمنى وحالة الفوضى التى حاولت اللجان الشعبية تعويض هذا الفراغ قدر الإمكان .

الثورة التى تمكنت من إجبار رأس النظام – مبارك – على التنحي بعد 18 يوم من الاعتصام رافعة شعار “الشعب يريد إسقاط النظام ” لم تسقط النظام بل سقط مبارك من سدة الحكم فقط .

الشعب يريد إسقاط النظام

السينما والثورة

الثورة التى اختلط فيها الحابل بالنابل …فما بين نبل الثوار وانتهازية المتربصين والباحثين عن الأرباح …تداخلت صرخات المطالبة العدل والحرية مع صيحات مطالب فئوية ومساعى لتحقيق مكاسب ذاتيه …  واختلطت أغنيات الثورة وبين سرعة انتشار وعشوائية موسيقى المهرجانات، فأين كانت السينما من كل هذا وكيف تفاعلت؟

قدمت السينما المصرية خلال السنوات العشر الماضية عدد من الأعمال اتسمت معظمها بالاستعجال وغاب النضج والرؤية الفنية وتراجع فى بعضها التكنيك المطلوب للتعاطى مع حدث بهذا الغنى والثراء الدرامي

فبعد أشهر قليلة من الثورة جاءت تجربة فيلم “18 يوم ” هذا العمل عبارة عن 10 أفلام قصيرة تحكى كل منها قصة من قصص الثورة وشارك فيه 10 مخرجين بينهم “يسرى نصر الله ” وهو صاحب الفكرة إضافة إلى شريف عرفة ومروان حامد وكاملة أبو زكرى وشريف البندراوي وخالد مرعى وآخرون كما ساهم فى كتابته 8 مؤلفين من بينهم تامر حبيب وبلال فضل وأحمد عبد الله وناصر عبد الرحمن

وعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان 2011، ولم يتم عرض الفيلم في دور العرض داخل مصر وسط أقاويل بأن الرقابة رفضت التصريح للفيلم، بينما رفض جهاز الرقابة على المصنفات الفنية هذه الاتهامات على لسان رئيس الرقابة، وقال أن الفيلم لم يعرض على الرقابة من الأساس .

وحتى الآن لم يعرض الفليم جماهيريا سواء بدور السينما أو عبر شاشات التلفزيون رغم تداوله على شبكة الإنترنت بشكل واسع ربما يعود ذلك إلى الجرأة التى شابت بعض حواراته وغرقت في واقعية شديدة فى استخدام بعض ألفاظ السب

فى نفس العام عرض فيلم “صرخة نملة ” للمخرج سامح عبد العزيز والذى كان قد بدأ العمل به قبل اندلاع الثورة وتوقف لأسباب إنتاجية وعقب الثورة تم استكماله وأضيفت مشاهد الثورة لنهاية الفليم لتعبر عن نجاح صرخات البسطاء  فى تحقيق التغيير .

وسيطرت على العمل أجواء كوميديا ساخرة وأحداث تكشف مدى معاناة الفقراء وقسوة صناع القرار وفسادهم حيث قدم النائب البرلماني فى صورة سلبية للغاية

وبنفس الطريقة جاء فيلم “الفاجومى ” للمخرج عصام الشماع ” الذي استلهم تجربة الشاعر “أحمد فؤاد نجم ” والشيخ إمام عيسى وتأتى نهاية الأحداث بإندلاع ثورة يناير … جاء الفليم ضعيفا مهلهلا دراميا يفتقر إلى القدر الكبير من الحرفية.

محاولات سريعة مرتبكة

مر عام تقريبا على الثورة وفى 2012 قدمت السينما فيلم “بعد الموقعة ” للمخرج “يسرى نصر الله ” واختار صناعه تناول أحداث الثورة على خلفية أحداث موقعة الجمل الشهيرة وحاول “نصر الله ” الاقتراب من حياة سكان منطقة “نزلة السمان ” الذى شاركوا فى الموقعة بخيولهم بعد أن أقنعهم البعض بأن الثوار – خونة –

وبعيدا عن الأداء المميز للفنانة “منة شلبى ” وإتقان “باسم سمره ” إلا أن الرؤية التى سعى إليها المخرج قد غابت فى ضباب التردد والتشتيت فلا محصلة تحيلك إلى الثورة ولا تماسك فى الطرح الفكري الذي غابت ملامحه

الثورة فى الفليم خلفية غير واضحة المعالم … وحتى القصص الإنسانية التى قدمها لم تخدم العمل  بشكل واضح … المؤكد أن “بعد الموقعة ” كانت نوايا صناعة طيبة … لكنها بكل أسف  لا تكفي وحدها

 فى نفس العام 2012 قدم المخرج “طارق عبد المعطي ” فيلم “حظ سعيد ” من بطولة “أحمد عيد ” وجاء العمل فى إطار كوميدي وتم تصوير بعض مشاهده فى الميدان لكنه يظل محاولة مخلصة لم تسفر عن عمل كبير ويليق بالحدث وكان واضح جدا أن صناع الفليم سيطر عليهم “الإستعجال ” أكثر من الجودة .

مزيد من النضج

شهد عام 2013 تقديم ثلاثة أعمال منها “الشتا اللي فات” للمخرج إبراهيم البطوط وتم عرض الفليم بمهرجان القاهرة السينمائى فى دورته ال35

وتناول الفليم السنوات التي سبقت اندلاع الثورة والأسباب التى أدت إليها حتى وصل إلى قيامها ورغم آداء أبطال العمل المميز خاصة “عمرو واكد ” و”فرح يوسف ” و”صلاح حنفى ” إلا أن سيناريو العمل سيطرت عليه الرتابة وزاد من ذلك استعانة المخرج المفرط  لأسلوب “الفلاش باك ” مما أثر بشكل سلبى على سير الأحداث وشتت المتلقى دون مبرر .

فى العام نفسه جاء فيلم “فرش وغطا ” للمخرج “أحمد عبد السيد ” وهو أحد الأسماء اللامعة فى عالم السينما المستقلة وسبق أن قدم أعمال منها “هليوبوليس ” و”ميكروفون “

فيلم “فرش وغطا ” بطولة أسر ياسين وعمرو واكد ويارا جبران ليتناول ما شهدته الأيام الأولى للثورة من فتح للسجون وخروج كل المسجونين إلى الشارع طلقاء .

جاء الفليم مختلفا سواء فى اختياره لتلك الزاوية المُظلمة من ثورة يناير أو فى معالجته الفنية لها ونجح المخرج فى الابتعاد عن ضجيج الميادين لينفذ بهدوء شديد إلى تفاصيل الشوارع المصرية البعيدة عن الميادين الملتهبة لنجد لجانا شعبية فرضت نفسها بدعوى الحماية والأمن وصارت تمارس امتهان الآخرين

الفليم يعتبر فنيا من أفضل ما قدم فيما يسمى “سينما ثورة يناير ” وكشف المخرج عن طاقات عظيمة وقدرة كبيرة على التعبير بالكاميرا كان بدأها مع أعماله الأولى التى أشرنا إليها .

فى نفس العام جاء الفليم الوثائقي الطويل ” الميدان ” للمخرجة “جيهان نديم ” وهو واحد من أهم الأعمال الفنية التى وثقت لتفاصيل الثورة و أبرز الأحداث التي شهدتها مصر بعد تنحى مبارك، وحتى عزل مرسي، وذلك من خلال معايشة الفيلم لتلك الأحداث عن طريق يوميات مجموعة من الشباب الذين ينتمون لتيارات فكرية مختلفة وحقق نجاحا كبيرا عند عرضه خارج مصر وتم ترشيحه لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقى عام 2014

نوارة الثورة والسينما

وفى عام 2015 قدمت المخرجة ” هالة خليل ” فيلم “نوارة ” ليكون هو الأكثر عمقا وأشد ثورية رغم أنه لم يستغرق فى تفاصيل حياة الثوار أو هتافات الميادين المعبأة بالغضب بقدر ما أثارنا بقوة عبر حياة بطلته “منه شلبى ” نوارة التى تعيش فى ظروف غير آدمية ولا تعرف عن الثورة سوى الهتاف من شباك الأتوبيس ” عيش حرية عدالة اجتماعية ” نوارة التى تعمل فى فيلا أحد كبار المسؤلين فى عهد مبارك الذى يقرر الهرب من شبح السجن بعد القبض على رموز الحكم تاركا هدية قيمتها 20 ألف جنيه ويوم تقضيه مع خطيبها بعد الزواج فى فيلا المسئول الكبير

تفاصيل مُفعمة بالحياة بكل ما فيها .. تفوقت “منه شلبى فاستحقت أن تحصد العديد من الجوائز عن دورها وكان للفيلم نصيب كبير من التكريم أيضا .

وفى عام 2018 جاء  فيلم ” عيار نارى ” للمخرج  “كريم الشناوى “والمؤلف هيثم دبور  وهو أحد الأعمال المختلفة و التى اشتبكت مع المنطقة المظلمة من الثورة وكل ثورة حيث تعرض الفليم لشهيد لم يقتل فى الثورة بل كان ضحية  حادث جنائى أثناء نزاع عائلى وسرعان ما يتحول أيقونة ورمز ثورى تتناول حياته وتضحياته – الوهمية – وسائل الإعلام والتى تشكك بدورها فى طبيب الطب الشرعى الشاب وتتهمه بمعاداة الثوار بسبب تقريره الفني الذى يشكك فى مقتل الشاب على يد قناصة وتتصاعد الأحداث حتى يتأكد الطبيب من صحة ظنه ودقة تقريره وبعد صراع تضطر أسرة القتيل الفقيرة أن تعترف للطبيب والصحفية بحقيقة ما حدث ليجدا أنفسهما” الطبيب والصحفية ” مضطرين للصمت وعدم كشف السر ليظل “القتيل ” فى نظر المجتمع واحد من شهداء الثورة .

هكذا اختار صناع “عيار نارى ” أن يقدموا عملهم وأن يلقوا الضوء عن زاوية أخرى مظلمة للثورة . شهد “عيار ناري ” مباراة رائعة فى الآداء بين “أحمد الفيشاوى ” ومحمد ممدوح ” وجاء آداء “روبى “شديد النضج والبساطة وتمكنت من الإمساك بتفاصيل الشخصية بشكل جيد جدا

نراهن على الزمن

يرى البعض أن الوقت سوف يساعد على مزيد من انضاج الرؤى واكتمال التفاصيل وإجابة عن الأسئلة المتشابكة حول الثورة وأحداثها ونتائجها

وكما خرج جيل “السبعينيات ” من الحركة الطلابية  مثل “عاطف الطيب ومحمد خان وغيرهم بعد عقود طويلة ليقدموا تجربتهم فى الغضب والتى تجلت فى انتفاضة الخبز 1977

سوف يخرج شباب شاركوا فى ثورة 25 يناير بعد سنوات ليقدموا رؤيتهم عنها من خلال السينما حينها قد تكون الصورة أشد وضوحا و أكثر ودقة .

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock