رؤى

“10 سنوات على يناير”.. الهتافات: أوراد الثورة وأسفارها

يعتبر الهتاف بمعناه السياسى هو ذلك الشعار الذى يردده المحتجون للتعبير عن مطالبهم وتبرير احتجاجهم ويتكون من مجموعة من الكلمات المختصرة التى تُنطق بلحن مميز ومحدد لإمكانية تردديه وحفظه بسهولة وتساعد الهتافات على نقل روح الحماسة بين المتظاهرين وتعريف الجميع بالرسالة من وراء ذلك التظاهر كما أنها تمثل الوسيلة الإعلامية لحالة الغضب الشعبى وتعمل على حشد الآراء ومخطابة العقل الجمعي بما تحمله الثورة من مطالب .

وهي وسيلة شديدة الأهمية فى التأريخ للثورة ورصد تطورها وتحليل طبيعة المجتمع وهوية المشاركين فى الحدث الثورى الذى نتناوله ونسعى لمعرفة كل جوانبه والوقوف على ما تحقق من تلك المطالب

وقد عرفت مصر فى تاريخها الحديث ” الهاتفات ” كأحد أدوات التعبير عن الاحتجاج الاجتماعى والسياسى منذ ثورة 1919 حين خرج الآلاف يهتفون “سعد سعد يحيا سعد ” و”الاستقلال التام أو الموت الزؤام “

ودائما ما كانت الحناجر تنطلق للتعبير عن مطالب الجموع الثائرة والملايين الغاضبة … و تأتى الهتافات عفوية فى معظمها لتعبر عن مطالب بعينها وأهداف الغضب وما يسعى الثوار لتحقيقه .

بعد مرور 10 سنوات على ثورة 25 يناير والتى كانت تتويجا لحالة غضب شعبى ظل يتراكم خلال سنوات حكم مبارك وكانت المساحة المحدودة من حرية التعبير تسمح لبعض الصيحات الغاضبة أن تجد لها فضاء للتعبير خاصة بين المثقفين وداخل الحركات العمالية وساحات الحرم الجامعى .

والواضح أن الشعار الرئيس للثورة المصرية فى يناير 2011 كان جامعا لكل المشاركين فيها وهو “الشعب يريد إسقاط النظام ” ذلك الشعار الذى استلهمه المصريون من الثورة التونسية التى سبقت بأشهر قليلة لكن الشعار الأبرز والذى صاغ خلاله الثوار مطالبهم ورؤيتهم كان

“عيش ..حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة إنسانية ” ذلك الهتاف الذى اختزل بدقة وبلاغة مطالب الثوار وأحلام المصريين بعد ثلاث عقود من حكم مبارك

كانت الهتافات فى الاحتجات السياسية مرتبطة بشكل كبير باليسار المصري الذى أبدع فى اخيارها وتمكن من تضمين المطالب الشعبية خاصة الاجتماعية والاقتصادية منها فى صرخات تحمل قدرا من الإبداع فى الصياغة وتشبه كثيرا شعر العامية بل إنها فى بعض الأحيان استعانت بمقاطع من قصائد شهيرة لبعض الشعراء مثل ” فؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم وزين العابدين فؤاد ” ومن قبلهم بيرم التونسي وبديع خيرى ولعل التميز الشديد فى شعارات ثورة 25 يناير خاصة فى مرحلتها الاولى – 18 يوم الاعتصام – كانت تلك العمومية فى المطالب حائلا دون أى محاولة تيار سياسي أو فئة اجتماعية  أن تحتكرها أو توجهها نحو أهداف فصيل سياسي بعينه .

فعندما تباينت الشعارات والمطالب تبددت وحدة الصف وبدأ الصراع بمجرد أن رفعت شعارات أيدلوجية صارخة مثل “إسلامية .. إسلامية ”

بل كانت تعبيرا صادقا عن الجموع المشاركة رغم أنها تضمنت فى مقدمتها مطالب اجتماعية واقتصادية وانحياز نحو الحريات إلا أن هذا لا يعنى أنها تعرضت لهيمنة بعض القوى وربما كان ذلك لأن المطالب الاجتماعية والاقتصادية التى تجلت فى الشارع السياسى المصري مع انتفاضة الخبز يناير 1977 ظلت مختزلة فى الوعى العام إلى جاءت اللحظة للتعبير عنها مجددا والسعى لتحقيقها .

وقد اختلف الأمر كثيرا بعد تنحى الرئيس مبارك فى استجابة لضغوط الثوار وتباينت المواقف وسعى كل فصيل سياسى لفرض خطابه على ميادين الثورة مما خلق حالة الانقسام الحاد وما ترتب عليه من استقطاب شديد بين صفوف الشعب المصري ويعتبر الكثير من المراقبين أن هذا العرض أحد أهم عوامل عجز الثورة عن استكمال تحقيق أهدافها .

هتافات الثورة

ويرصد الدكتور” كمال مغيث ” فى فى كتابه البديع «هتافات الثورة المصرية ونصوصها الكاملة» الصادر فى عام 2014عن المجلس الأعلى للثقافة ويقع الكتاب فى 479 صفحة يتكون الكتاب من عشرة فصول ،

ويتناول الباحث الكبير فى كتابه أنواع الهتافات التي صنفها في أربعة عشر بدءا من هتافات الشوارع، مرورا بهتافات الباعة، وهتافات مشجعي الكرة، وانتهاءً بهتافات شهداء المسيحية وأخيرا هتافات الصامتين، وهو عنوان كتاب للراحل سيد عويس الذي قام بتحليل ظاهرة الكتابة على هياكل السيارات في المجتمع المصري المعاصر.

خصص المؤلف فصلا خاصا لنصوص هتافات وإبداعات ثورة يناير 2011 في الميدان. وآخر للهتافات في زمن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وآخر للهتافات في عهد محمد مرسي، وآخر لهتافات الإسلاميين، وأخيرا لهتافات الثورة المضادة وتعليقات الثوار.

ويؤكد المؤلف أن : “مما لا شك فيه أن مجتمع المظاهرات إن صح التعبير لم يحظ بأي قدر معقول من الدراسات في مجال العلوم السياسية، ولا في مجال علم الاجتماع، ولا حتى في مجال علم الاجتماع السياسي. ويبدو أن تلك العلوم تدرس المستقر والثابت من الظواهر والعلاقات، أما العارض من الأحداث فهي فقط تشير إليه باعتباره نتيجة أو سببا لعلاقات أكثر ثباتا واستقرارا”

ويرصد المؤلف بقدر كبير التحليل الهتافات التى شهدتها الثورات المتعاقبة فى العصر الحديث مع بداية ثورة 1919 التى تمثل المثال الحى المتجسد لوحدة المصريين فقد ظهر فيها ولأول مرة شعار «يحيا الهلال مع الصليب» والذى أعاد إليه المصريون الروح خلال أحداث ثورة 25 يناير وما بعدها، أيضا ظهر شعار الدين لله و الوطن للجميع ومن بين الهتافات التى رصدها “مغيث ” خلال ثورة 25 يناير كان :

“ارحل.. ارحل.. ارحل”؛ “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”؛

“عيش.. حرية.. كرامة إنسانية”؛ “الشعب يريد إسقاط النظام”؛ “الشعب يريد تغيير النظام”؛

“مش حنمشي.. هو يمشي.. مش حنمشي.. هو يمشي”؛ “هو مبارك عاوز إيه.. عاوز الشعب يبوس رجليه”؛ “لا يا مبارك مش حنبوس.. بكرة عليك بالجزمة ندوس “

الهتافات والموسيقى

وفى كتابها “الغناء والسايسة فى تاريخ مصر ” ترصد الدكتورة ياسمين فراج ” الصادر عن “دار نهضة مصر للطباعة والنشر عام 2013

ترصد فى كتابها الذى يقع فى 295 صفحة من القطع المتوسط تاريخ الأغنية السياسية فى مصر عبر ستة فصول تناولت مراحل تطورها وأهم محطاتها وفى الفصل الثالث من الكتاب خصصت الكاتبة الباب الثاني للتعريف بالتحليل على هتافات ثورة يناير2011

وأكدت “فراج ” أن : ” كثيرة هي الهتافات التى تعالت بها حناجر الملايين من المصريين في ميدان التحرير فقد توحدت الأصوات وتناغمت لنجد أنفسنا أمام حالة فنية تلقائية تفصح عن شعب ذي مزاج فنى بالفطرة ” هكذا كانت رؤية “فراج ” كمتخصصة فى الموسيقى  للهتافات التى شهدتها ميادين ثورة يناير وتشير أنه بالنظر إلى هتافات مثل ” الشعب يريد إسقاط النظام ” نجد أنه جاء على نغمتين هما بالتقريب (ري – صول ) وهذا ما أعطى الانطباع بالحماس

بينما اعتمدت هتافات أخرى على نغمتي “صول وفا ” منها على سبيل المثال “الحرية والرغيف .. مطلب كل مصري شريف ” و “ثورة ثورة يا كرام حتى يسقط النظام “

ويشير الكتاب إلى بعض الهتافات المُطولة التى يصل زمن ترديها إلى خمس عشرة دقيقة أو أكثر ومنها : ” هيلا هب هيلا … اصحوا ياللي تحت القبة … تحت القبة رجال أعمال … واحنا شباب فك الأعمال .. احنا شباب الإنترنت .. إلى آخره . ” وقد رددها الثوار فى نغمات جنس البياتى الذى تتسلل نغماته .

وتؤكد الناقدة الموسيقية وأستاذ النقد بأكاديمية الفنون أن المقامات والإيقاعات التى ظهرت فى الهتافات كانت مصرية الهوية باستثناء إيقاع الوحدة السائرة المتعارف عليه فى الموسيقي الغربية .

كما شددت على أن الهتافات التى رددها المصريون خلال ثورة يناير أظهرت أن الشعب “ولد فنانا ولديه القدرة على ارتجال الكلمة واللحن ” وكذلك الموروث الإقليمي من مختلف الدول العربية وأيضا التراث الثقافي والمحلى شديد الخصوصية .

الهتافات الساخرة

رغم دراما المشهد الثورى الذى شهدته مصر خلال 25 يناير ورغم ما حمله الملايين من أحلام فى ميادينها وإدراكهم حجم المخاطر التى تحيط بهم حال فشل الحراك ومدى التربص المحيط بهم إلا أن روح السخرية والفكاهة التى تتميز بها الشخصية المصرية والتى تظهر فى لحظات المحنة ويمتلك المصريون قدرة استثنائية على تحويل تلك اللحظات إلى مصدر للضحك والتنكيت تصل إلى السخرية من أنفسهم وقد شهدت الأيام الأولى للثورة عدد كبير من الهتافات والشعارات الساخرة من بينها

“إرحل يعني امشي يا اللي ما بتفهمشي”، ” مبارك، عفوًا لقد نفذ رصيدكم” ، “أنا كاتب لك ارحل بالصيني يمكن مش بتفهم عربي” و”

“لو ما استحمتش انهاردة في بيتنا هاستحمى يوم الجمعة في القصر الرئاسي”، ” أنا زهقت من الكنتاكي ارحمني وارحل” و “ده لو كان عفريت كان طلع”، “مبارك يتحدى الملل” و ” ارحل بقى ايدي وجعتني” ” ارحل الولية عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك” و ” لو كان هوا معاه دكتوراه في العند، إحنا معانا نوبل في الصبر”، ” اللهم ارفع عنا الغلاء، والبلاء والوباء وأبو علاء “”

وأيضا شعارات مثل “استقيل استقيل واحنا نحرس أرض النيل” و “ارجع ياريس كنا بنهزر معاك .. مع تحيات الكاميرا الخفية”

تلك الشعارات التى تعبرعن قدرة المصريون على النقد اللاذع للأوضاع السياسية . تلك الروح التى تميز بها عن سائر شعوب العالم ويُعد هذا الشكل فى التعبير أحد أهم ملامح الثورة المصرية ومصدر تميز بالمقارنة بكل ثورات العالم الحديث .

الهتافات والأغنية

وفى وهج الثورة ومع اشتعال الميادين بالهتفات الحماسية التقط بعض صناع الأغنية عدد من الشعارات وقاموا بتحويلها إلى أغنيات منحت الهتاف قدر من الحيوية والبقاء ومن بين تلك الأعمال كانت أغنية “ارفع راسك فوق ” من كلمات “أحمد شوقى محرم وغناء حماده هلال والتى استعانت بالشعار الشهير للثوار “ارفع راسك فوق أنت مصري ” كما قدم الفنان ” هانى شاكر ” من كلمات الشاعر ” ناصر الجبل ” أغنية “ايد واحدة ” كما قدم “رامي عصام ” عدد من الأغنيات التى استعانت بشعارات الثورة ولحن هتافات الثوار مثل “عيش حرية عدالة اجتماعية ” و”مش هنمشي … هو يمشي ” .


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock