رؤى

الحركة العمالية المصرية…دورٌ منسيّ

في السابع من ديسمبر من عام ٢٠٠٦ خرجت مئات من العاملات في شركة الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى المصرية وهن يهتفن بلهجتهن المحلية “الرجالة فين…الستات أهم”.

كانت هؤلاء العاملات تدركن تماماً أن إدارة الشركة قد سعت منذ الصباح الباكر في ذلك اليوم لإحباط الإضراب الذي سبقت الدعوة إليه من قِبَل العمال بسبب تردي أوضاعهم المعيشية وأن قوات الامن قد ألقت القبض بالفعل على عدد من القيادات العمالية في الشركة من الرجال٫ إلا أن السيدات أبين إلا أن يتم الاضراب فابتكرن هذا الهتاف الذي جذب رفاقهن من العمال الرجال وبدأالجميع اعتصاماً كان له أعمق الأثر فيما بعد.

كان إضراب عمال المحلة الذي استمر قرابة الأسبوعين وانتهى باستجابة السلطات المعنية لمطالبهم المشروعة فيما يتعلق بالأجور بمثابة الشرارة التي شكلت دفعة لقطاعات مختلفة من الحركة المصرية للحاق بركب التغيير.

 إذ انتقلت “عدوى” الاضراب – اذا صح التعبير- الى العديد من المواقع العمالية الأخرى حيث أضرب عمال آخرون في قطاع الغزل والنسيج وأضرب عمال النظافة في محافظة الجيزة.

بل انتقلت حمى الإضراب إلى قطاع جاء إضرابه مفاجئاً لكثيرين وهم موظفو الضرائب العقارية الذين أعلنوا اضراباً عاماً في ديسمبر عام ٢٠٠٧ مطالبين بحقوقهم الاقتصادية وامتاز اضرابهم بالتنظيم الشديد وبنقل موقع  الإضراب لأول مرة إلى قلب العاصمة “القاهرة ”  وتحديداً الى شارع حسين حجازي حيث مقر رئاسة الوزراء وهو الإضراب الذي تكلل بالنجاح ايضاً بعد نحو عشر أيام من التظاهر المستمر.

وإدراكاً من هؤلاء الموظفين لأهمية صون مكتسبات نضالهم عبر تنظيم نقابي٫ قاموا في يونيو من العام التالي بتأسيس نقابتهم المستقلة كاسرين بذلك احتكار اتحاد عمال مصر الرسمي لتمثيل العمال منذ تأسيسه أواخر خمسينات القرن العشرين.

أتت هذه الموجة من الحراك العمالي لتكون بمثابة الدفعة التي كانت حركة الاحتجاج الاجتماعي أحوج ما تكون إليها في تلك الفترة ، حيث ان حركة الاحتجاج ضد نظام مبارك والتي بدأت بتكوين مجموعة من المثقفين والكتاب المصريين من تيارات عدة لما عرف بحركة “كفاية” في ديسمبر  ٢٠٠٤ كانت  قد باتت شبه محاصرة من قبل نظام مبارك وجهازه الأمني في شوارع القاهرة التي أحكم قبضته عليها لمنع أي شكل من أشكال الاحتجاج السلمي٫ لذا منح الحراك العمالي هذه الحركة ظهيراً شعبياً منظماً.

لذا لم يكن من الغريب أن تلتقي الحركتان في أبريل من عام ٢٠٠٨ حين دعت لجنة إضراب عمال غزل المحلة إلى إضراب في 6 نيسان/أبريل 2008، للمطالبة بوضع حدّ أدنى وطني شهري للأجر الأساسي بواقع 1200 جنيه مصري، فقررت حركات الاحتجاج مثل حركة كفاية اعتبار هذا اليوم يوم إضراب عام على مستوى البلاد كلها٫ ورغم إحباط قوات الامن لهذا الاضراب في المحلة إلا أن الغضب الشعبي سرعان ما انتقل إلى خارج أسوار الشركة وعم مدينة المحلة وشهد المصريون لأول مرة مشهداً غير مسبوق وهو تحطيم صور مبارك في  كافة ميادين المدينة.

الطريق إلى يناير

كرست انتفاضة المحلة في أبريل لمرحلة جديدة في الاحتجاج الاجتماعي حيث لم يعد مقتصراً على شوارع العاصمة أو مصانع الأقاليم وإنما خرجت مدن بأكملها وعن بكره أبيها مطالبة بحقوقها الأساسية كما حدث في مدينة برج البرلس بمحافظة كفر الشيخ في يونيو من عام ٢٠٠٨.

وبحلول عام ٢٠١٠ كان عمال مصر الغاضبون قد اتخذوا من رصيف مقر البرلمان في العاصمة مقراً لاحتجاجاتهم واعتصاماتهم وبدا واضحاً أن “تابوهات” معينة كانت من قبل محظورة ومحرمة كنقد مبارك بشكل مباشر قد تم كسرها.

ورغم كون الاحتجاجات العمالية متفرقة ولا يجمعها تنظيم واحد إلا انها مهدت بشكل أو  بآخر الطريق لانتفاضة الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١.

فمع اندلاع الانتفاضة  ومع انسحاب قوات الأمن من الشوارع تحت ضغط التظاهرات الشعبية بداية من يوم ٢٨ يناير ٢٠١١ أدرك نظام مبارك خطورة انضمام العمال الى التظاهرات لذا بادر الى إغلاق جميع أماكن العمل في مطلع فبراير.

إلا أن الوضع قد تغير كلياً مع عودة العمال الى أماكن عملهم في السادس من فبراير٫ حيث دعا الاتحاد المصري للنقابات المستقلة – وهو أول تنظيم نقابي جماعي تدشنه  الانتفاضة الشعبية كتجمع لأكثر من نقابة مستقلة عن الاتحاد العمالي الرسمي مثل النقابة العامة المستقلة لعمال الضرائب العقارية والنقابات المستقلة لفنيي الرعاية الصحية والمعلمين وغيرها -إلى اضراب عام.

وبالرجوع الى أرشيف جريدة الشروق المصرية وتحديداً في التاسع من فبراير عام ٢٠١١ يمكن للباحث أن يلاحظ كيف أفردت تلك الجريدة اليومية صفحة كاملة لما أسمته “تسونامي” الغضب العمالي حيث رصدت الجريدة وصول الاحتجاجات الى كل من : عمال الشركة المصرية للاتصالات وعمال شركة أسمنت حلوان وعمال الغزل والنسيج في كفر الدوار وغيرها من القطاعات وسرعان ما امتدت الإضرابات لتشمل منطقة القناة، فأعلن عمال شركة القناة لأعمال الموانئ الاعتصام المفتوح، وكذلك عمال شركة القناة للإنشاءات البحرية، وعمال ورش الترسانة البحرية بهيئة قناة السويس. 

ووفقاً لمركز أولاد الأرض لحقوق الإنسان، كان الشلل الاقتصادي الناجم عن هذه الموجة من الإضرابات، “واحداً من أهم العوامل التي أدّت إلى تسريع قرار رحيل  مبارك  وهو ما تم بالفعل في مساء يوم ١١ فبراير ٢٠١١.

شهداء ومصابون

ويشير الكاتب الصحفي مصطفى بسيوني الى أن البيانات المتوفرة تشير إلى أن نسبة كبيرة من الشهداء كانوا من العمال،  وحسب بيانات «جمعية أبطال ومصابي الثورة» والتي ضمت 4500 مصابا في الثورة فإن 70% من المصابين كانوا عمالاً بدون مؤهلات، و12% كانوا عمالاً بمؤهلات متوسطة، أي أن 82% من المصابين من العمال أي بعبارة اخرى فان العمال لم يضحوا بلقمة العيش فقط في سبيل التغيير وإنما بأرواحهم ايضاً.

بل إن الشهيد الأول في الساعات الأولى لليوم الأول من انتفاضة 25 يناير، مصطفى رجب محمود، ابن مدينة السويس، كان عاملاً بشركة السويس للأسمنت، وعائل الأسرة الوحيد بعد وفاة والده.

تعمد كثيرون في اعقاب تنحي مبارك التعتيم على هذا الدور العمالي واعتبار قضايا العمال أمراً موجلاً على أجندة أعمال الانتفاضة ولم يجد بعض الساسة المحسوبين على معسكر الانتفاضة حرجاً في مطالبة العمال بوقف احتجاجاتهم المطالبة بتحسين اوضاعهم بل وذهب البعض الى وصف العمال ب”الفئوية” و”الأنانية” وعدم مراعاة ظروف الوطن بسبب استمرار احتجاجاتهم وضرورة إعادة “عجلة الإنتاج” الى الدوران على حد تعبيرهم.

والحقيقة أن الحركة العمالية المصرية قد نالها في أعقاب ٢٠١١ ما نال حركة الفلاحين في اعقاب ١٩١٩ من طمس دورها وانكار ه ومحاولة تهميش دورها  وتكريس   أوضاع متردية ومجحفة لها  بعد انتفاضة شعبية لعبت فيها دوراً محورياً.

المصادر:

https://carnegie-mec.org/2012/06/28/ar-pub-48864

https://www.ida2at.com/laborers-important-role-in-january-25-revolution/

file:///Users/amr/Downloads/1336241905ba49468428760caefd31101.pdf

https://kassioun.org/reports-and-opinions/item/845-2013-06-25-17-54-04

https://www.almasryalyoum.com/news/details/655003

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock