مختارات

وجهة نظر إسرائيلية في شجاعة المقاومة الفلسطينية ورد فعل المؤسسة الإسرائيلية

عوفر شيلح – باحث في معهد دراسات الأمن القومي

نقلًا عن  يديعوت أحرونوت

يمكن الافتراض أن الهجوم الخطِر الذي وقع أمس بالقرب من عيلي، سيقرّبنا من عملية واسعة للجيش الإسرائيلي في الضفة، وربما في شمالها. هذا على الرغم من أن هوية “المخربيْن” اللذين قُتلا والمكان الذي أتيا منه يطرحان شكوكاً في وجود علاقة تربط بينهما وبين معقل “الإرهابيين” في جنين. حتى قبل الهجوم، كان هناك ضغط للقيام بمثل هذه العملية، ونشكّ في أن حكومة “اليمين بالكامل” يمكنها أن تتصرف بصورة مختلفة في مواجهة تسلُّل الأحداث التي بلغت ذروتها بمقتل 4 إسرائيليين.

لم يأتِ الضغط من أجل القيام بعملية عسكرية واسعة من قيادة المستوطنين. فالشاباك المؤتمن على إحباط الهجمات، يرى كيف نشأت في شمال الضفة منطقة، الدخول إليها محرّم، وتتواجد فيها مجموعات مدعومة من “حماس”، ومن حزب الله، وبصورة غير مباشرة من إيران، تدير نوعاً من الحكم الذاتي. وهذا الأمر يجعل من الصعب استمرار السيطرة المطلوبة لمنع الهجمات مستقبلاً. في الواقع، هجوم الأمس يدل على أن المرض انتشر أبعد من جنين.
حتى الآن، ضبط الجيش نفسه بصورة كبيرة. ليس لأنه ينظر إلى الوقائع بصورة مختلفة، بل لأن قادته يتخبطون إزاء الحدث التالي. بعد الدخول بقوات كبيرة، والمخاطرة بسقوط خسائر والتسبب بوقوع عدد كبير من المصابين لدى الطرف الثاني- وفي ضوء المقاومة التي شكّل كمين الأول من أمس في جنين مقدمة لها – ما الذي سيحدث؟ هل نبقى في قلب مخيمات اللاجئين؟ هل نقوم بعمليات مشابهة في مدن فلسطينية أُخرى، تنشأ فيها مناطق مشابهة، الدخول إليها محرّم؟ وهل نخاطر باشتعال غزة أيضاً، وربما خارجها؟

هناك مسألة أُخرى تُقلق الجيش لا يتحدث عنها أحد: في الوضع السياسي الحالي لإسرائيل، حيث دوافع الحكومة الحالية ومن يترأسها مشكوك فيهما، في نظر جزء كبير من الجمهور، ولم يتردد المحتجون في طرح الرصيد القيم للخدمة العسكرية على الطاولة، كيف يمكن أن يؤثر مثل هذه العملية في النسيج الهش لجيش الشعب؟ هذا هو المكان المسموم الذي أوصلتنا إليه الحرب على الهوية الإسرائيلية والطابع المشوش للحكومة الحالية، حتى في نقاش مهني لمسائل أمنية.

إسرائيل في عيلي، وفي جنين، وفي الضفة كلها، وأيضاً في غزة، تأكل حصرم سياسات كل حكوماتها في العقد الأخير: إضعاف السلطة الفلسطينية؛ تمكين “حماس”، بصفتها الجهة الوحيدة الذي تأخذها إسرائيل على محمل الجد وتقوّيها؛ الاستبعاد المطلق لأي عملية سياسية، بحجة “عدم وجود شريك”، كأن المشكلة ليست مشكلتنا. وأيضاً ليس لإسرائيل أي هدف لاستخدام القوة سوى الحفاظ على الوضع وإعادة الهدوء بأي ثمن تقريباً – الأمر الذي يساعد الأعداء في كل الساحات على تطوير عقيدة الاستنزاف المتعدد الساحات ضد دولة يعتبرون أنها أصبحت ضعيفة وزائلة.

لا يوجد خلاف حقيقي بشأن هذه السياسة في الخريطة السياسية الإسرائيلية. الحكومة الحالية تضيف إلى هذا كله تطلُّعها المعلن إلى القضاء على حل الدولتين وقيام وضع لا عودة عنه في المناطق. الأطراف في داخل الحكومة وفي الأوساط المقربة منها، الذين يضغطون للقيام بعملية كبيرة، لا يفعلون ذلك على أمل “القضاء على الإرهاب”، بل من أجل تحقيق ما تعتبره القيادة الأمنية سيناريو رعب – الانهيار الكامل للسلطة الفلسطينية. وفي الواقع، حتى هذا الموقف، ليس هناك مَن يعارضه: مَن يتحدث عن “إدارة النزاع”، أو عن “تقليصه”، هو في الحقيقة يؤيد استمرار عدم وجود سياسة، وهو ما سيؤدي إلى النتيجة عينها.هكذا وصلنا إلى الوضع الحالي الذي يطرح معضلة حقيقية وصعبة: هل نستخدم القوة المفرطة في العمل ضد أوكار “الإرهاب” في المدن الفلسطينية، وعلى رأسها في أتونوميا “الإرهاب” في جنين، وتفكيكها ولو بثمن باهظ، مع المخاطرة بتمدُّد النيران إلى جبهات أُخرى، أو الاستمرار في العمل بصورة محدودة مع

استمرار الهجمات وازدياد خطر “لبننة” المناطق؟

كما في إسرائيل دائماً، يمكن الافتراض أن ما سيقرَّر في نهاية الأمر هو الأحداث، والهجوم “الإرهابي” الكبير الذي شهدناه في الأمس هو صيغة عن هذه الأحداث. إن المعضلة التي أوصلتنا إليها هذه السياسة القصيرة النظر، والشرخ الداخلي الذي تسببت به الحكومة الحالية، أمران صعبان للغاية: عملية القتل التي حدثت تفرض رداً حاداً، ومن الواضح أن مناطق الحكم الذاتي “للإرهاب” يمكن أن تزداد وتتطور. اللعبة الحقيقة تكمن في اتخاذ قرار مهما يكن، لأنه ما دامت هذه هي الطريق التي تسير فيها إسرائيل، فإن النهاية معروفة – المزيد من “الإرهاب” والانزلاق إلى دولة ثنائية القومية بكل تداعياتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock