فن

صدفة البدايات في حياة نجوم الفن – (3 ) سيد درويش

في السابع عشر من مارس عام 1892  ولد سيد درويش البحر بمنطقة كوم الدكة بالاسكندرية لأسرة فقيرة كانت تحلم لمولودها الجديد أن يصبح شيخا أزهريا معمما..وكان هذا الحلم  وهو  أن يصبح هذا الطفل الصغير الذي بدا منذ طفولته ألمعيا في الكلام والحديث وحسن الصوت شيخا يقرا القرآن ويخطب الجمعة  هو هاجس هذه الاسرة الفقيرة الدائم .. كانت امه ربة بيت بسيطة اسمها ملوك وكان أبوه نجارا  ادخل ابنه  معهدا دينيا بالأسكندرية  تعلم فيه القراء والكتابة وحفظ القرآن .. وحين بلغ العاشرة من عمره انهى سيد دراسته الاولية بالمعهد واشترى له والده جبة زرقاء وقفطانا وعباية وحين لبسها  سيد أطلقت أمه زغرودة  ومنحه ابوه وامه وجيرانه لقب الشيخ سيد ليرتبط به طوال حياته

في تلك الفترة – وهوفي سن العاشرة- اعجب الشيخ سيد بمغن سكندري اسمه الشيخ حسن الازهري كان يحيي الموالد والافراح وكان يذهب خلفه في المناسبات العديدة التي كان يحييها واخذ يقلده في الغناء ما أثار غضب والده عليه وهو الذي كان يريد لابنه أن يصبح شيخا وقارئا للقرآن لا مغنيا

https://www.youtube.com/watch?v=eyb8ZEvlsxc

 و قبل ان يكمل الشيخ سيد عامه الحادي عشررحل أبوه وتركه يواجه صعوبات الحياة مسئولا عن امه   وشقيقاته الثلاث  فريدة وزينب وستوتة  وعمل الشيخ سيد في مهن عديدة كثيرة وهو لا يزال طفلاعمل بائعا للروبابيكيا ثم ثم عاملا في محل   لبيع الدقيق ثم عمل  في  ورشة لتبييض الطناجر والأواني  النحاسية والفضية وكانت مهنة ذائعة  آنذاك .. ولكن الشيخ سيد لم ينس أبدا  شغفه بالغناء فكان يغني  مواويل عبده الحامولي وصالح عبد الحي وسلامة حجازي   ثم انتقل سيد درويش لمهنة اخرى هي مهنة عامل بناء ذلك ان أجرها كان افضل قليلا من غيرها.. ومن خلال هذه  المهنة حدث ذلك التحول الخطير الذي قلب حياة سيد درويش وغير مسار الموسيقى المصرية والعربية تغييرا هائلا

صدفة المقهى ورحلة الشام

في عام 1908 تزوج الشيخ سيد وهو في عمر السادسة عشرة ووأنجب ابنه محمد البحر  والد الفنان ايمان البحر درويش  عام 1909  وكان أحيانا يؤدي بعض الاغاني في عدد من الصالات والمواخير  الغير معروفة وكان غالبا ما يتعرف فيها على بعض النساء اللائي الهمنه بعد ذلك كثيرا من أغانيه الخالدة.. لكن الشيخ سيد في تلك الفترة كان يغني غناء اليائس الذي يعرف انه لن يبارح تلك المنطقة المتواضعة أن يغني فقط من أجل قروش قليلة يستعين بها على ظروفه الصعبة كان يفعل ذلك وهو يعمل في مهنة عامل البناء

لحلاوة صوته وعذوبته وجماله  كان المقاولون الذين يعمل الشيخ سيد معهم كعامل بناء يتركونه يغني فيبعث جوا من السعادة  لباقي العمال فيقبلون على العمل بهمة وحماسة  فكأن وظيفته كانت هي الغناء لزملائه   لا أن يشاركهم أعباء  نقل مواد البناء ورفعها وما شابه من أعمال .. وفي بناء إحدى العمارات السكنية  التي كان يقع قريبا منها- وللصدفة الجميلة  في حياة الشيخ سيد وفي تاريخ الفن العربي – مقهى تصادف أن كان يجلس فيه أثناء غناء الشيخ سيد رجل سوري يدعى أمين عطا الله كان شقيقه سليم  صاحب فرقة مسرحية  .. سمع الشيخ سيد وانبهر بصوته الجميل وقام من المقهى وذهب إلى العمارة التي تجري بها أعمال البناء وقابل الشيخ سيد واتفقا على أن يأتي بشقيقه سليم ليسمعه في اليوم التالي

https://www.youtube.com/watch?v=Cr3jrmitqkE

 وفي الموعد المحدد جاء امين عطا الله بصحبة شقيقه سليم وسمعا سيد درويش ولم يكن اعجاب سليم بصوت الشيخ سيد أقل من إعجاب أخيه واتفق الشقيقان  مع الشيخ سيد على أن يصحبهما مع فرقة سليم عطا الله المسرحية إلى الشام..وهو ما حدث بالفعل

رافق سيد درويش  الاخوين عطا الله إلى الشام مغنيا لفرقتهما المسرحية واستمر هناك تسعة اشهر لم يحقق فيها ما كان يرجوه من نجاح ذلك ان جمهور الشام لم يكن يستوعب عبقرية غناء الشيخ سيد ربما لاختلاف اللهجة والتكوين

ولكن الرحلة  صنعت من الشيخ سيد شخصا آخر لديه طموح وحلم ومشروع غنائي وموسيقي كبير  أخلص له وتفرد فيه بموهبة طاغية  وحققه يعد ذلك رغم عمره القصير.

https://www.youtube.com/watch?v=aCapY_oRWJw

حققت رحلة الشام الاولى للشيخ سيد الكثير والكثير  ووسعت مدارك وآفاق  التطور الموسيقي لديه  فلما عاد الى الاسكندرية  اصبح يبحث ويفتش عن تطوير حقيقي في المقامات الموسيقية  وتواصل مع الشيخ سلامة حجازي الذي  سيدعوه  بعد ذلك للعمل في مسارح القاهرة ..ومرة ثانية يسافر الشيخ سيد إلى الشام   وهذه المرة امتدت الزيارة لعامين كاملين وكانت  رحلة عظيمة وناجحة بكل المقاييس تعلم فيها الشيخ سيد الكثير مما قدمه بعد ذلك للموسيقى والغناء اذ التقى  ذلك الموسيقي الرائد الشيخ عثمان الموصلي وتعلم على يديه  كثيرا من اسرار المقامات الموسيقية  ما  جعله يحدث نقلة حقيقية في الموسيقى العربية بعد ذلك

عاد الشيخ سيد الى مصر محملا بالمزيد من الابداع والاحلام ..ودعاه الشيخ سلامة حجازي للغناء و التلحين على مسارح عماد الدين وتعثر  قليلا في البداية وعاد الى الاسكندرية ليعود ومنذ عام 1917 ليتفرغ للعمل في الروايات المسرحية  فيعمل في أكثر من 30 رواية مسرحية  ويغني ويلحن أكثر من مئة طقطوقة  وأربعين موشحا  وليعمل في فرق الريحاني والكسار وجورج أبيض وغيرها ولتصبح  أغانيه من أيقونات ثورة 19 مثل قوم يا مصري وانا المصري   ويا بلح زغلول واحسن جيوش في الامم ولتخلد كل أغانيه في الذاكرة والوجدان الجمعي المصري والعربي  يعيد المطربون المصريون والعرب غناءها كما  ابدعته قريحته الموسيقية العظيمة .. لتظل كل الاجيال المتلاحقة تردد اغنياته انا هويت وآهو ده اللي صار وزوروني كل سنة مرة و التحفجية  والنشيد الخالد بلادي بلادي

https://www.youtube.com/watch?v=nYcr_KGjsHo

رحل سيد درويش في  العاشر من سبتمبر عام 1923  عن 31 عاما ونصف العام ، عمر قصير لكن عبقرية الشيخ سيد جعلته يكتسب لقب مجدد الموسيقى العربية وباعث نهضتها .. وهو يستحق ذلك بكل تأكيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock