فن

شريف الدسوقي.. محنة كاشفة ودعم مُستحق

رحلة من المعاناة والوجع.. هكذا يمكن وصف مسيرة الفنان “شريف دسوقي ” الذى تعرض مؤخرا لأزمة صحية قاسية أدت إلى تدخل جراحي لبتر ساقه تلك المحنة التي يمر بها ” دسوقي ” كشفت حجم الدعم الرسمي والشعبي لفنان وهب كل حياته للفن ولم يحصد ما يليق بحجم موهبته بينما يحصد أنصاف الموهوبين أضعاف ما يستحقون من شهرة ومال لا لشيء سوى لأن معايير المهنة تعاني من خلل واضح

فى أحضان اسماعيل ياسين

ولد “شريف ” بالإسكندرية فى 26 أغسطس عام 1967 وهو واحد من دراويش الفن بامتياز. حيث كان والده يعمل مديرا بفرقة إسماعيل ياسين منذ عام 1952 واعتاد أن يصطحب الطفل “شريف ” إلى المسرح  الذى بهره عالمه  حتى أصبح جزءا من تكوينه و كانت الأسرة تعيش فى منزل بسيط أنشئ خصيصا لها خلف المسرح ورغم ذلك فقد رفض والده تماما أن يعمل طفله بالتمثيل خوفا على مستقبله الدراسي .

ظل الحلم يسيطر على عقل الفتى رغم اعتراض الأب الشديد والقاسي الذى بلغ إلى حد ضرب “شريف ” عندما شاهده يمثل على أحد مسارح الهواة

وعافر الفتى إلى أن التحق بالجامعة وشارك فى مسرحها وبعد أن تخرج منها انخرط فى مسارح قصور الثقافة وصار أحد أفضل من يقدمون فن “الحكي “على مسارح مصر.. هذا النوع من الفنون يحتاج إلى قدرات متميزة وملكات متعددة وحضور طاغ يمكنه من الحفاظ على انتباه المشاهد طوال مدة العرض وحصل “شريف ” على جائزة أفضل حكاء في المهرجان القومي عن عرض “قنصوه الغوري ” من اخراج أحمد مرسي عام 2016

مسيرة الاحتراف

كان عام 2003 هو بداية “شريف ” الفنية كمحترف وشارك في عدد من العروض المسرحية المستقلة ويعتبر أحد القلائل الذين عملوا بكل فروع العمل الفني فهو كاتب مسرحي قدم عددا من النصوص من بينها مسرحية “ليس إلا ” كما أنه عمل مهندسا للصوت ومديرا للمسرح ومخرج قدم عددا من العروض لنجد أنفسنا أمام كائن مسرحي تماما.. معجون بالمسرح  وبكل تفاصيله

كما  قرر “شريف ” الانتقال إلى القاهرة بحثا عن فرصة في زحام العاصمة وأقام لسنوات في غرف سكنية متواضعة بأحد الأحياء الشعبية وظل يتنقل  بين القاهرة والإسكندرية

 يحفر بأنامله في جدار التعتيم كي يصنع ثقبا لنور موهبته ويفتش فى زوايا عالم التمثيل حتى يكون على مستوى الفرصة إن أتيحت له يوما ما.

تعرف على المخرجة ” أسماء البكري ” وقدم معها فيلم ” العنف والسخرية ” عام 2003 والذى تناول حياة مجموعة من الشباب فى مدينة الإسكندرية يواجهون صلف محافظ الإقليم بالسخرية عبر الكاريكاتير

وفى عام 2010 قدم مع المخرج “إبراهيم البطوط “فيلم “حاوي ” وكانت بداياته مع السينما المستقلة والقصيرة شديدة التميز وكشفت عن ممثل يمتلك إمكانات كبيرة وآداء عفوي وتلقائي بقدر كبير من العمق حيث قدم “الطريق إلى إيطاليا “عام 2008 مع المخرج “أبو بكر شوقي ” وفيلم “اعمل كدة “مع مارك لطفى وفيلم “زكريا ” مع المخرج عماد ماهر ثم دوره المتميز فى فيلم “حار جاف صيفا ” للمخرج شريف البنداري وأخيرا فيلم “هذه ليلتي ” مع المخرج يوسف نعمان

وكان قد تعرف على المخرج المتميز “أحمد عبد الله “خلال تصوير فيلم “ميكروفون ” 2010 و”عبد الله ” واحد من صناع ما يعرف بالسينما المستقلة تلك التي تصنع لنفسها مسارا موازيا بعيدا عن سلطة الإنتاج الخاص والرسمي بهدف تقديم سينما طليعية ومختلفة .

شهرة متأخرة

 “شريف ” هو أحد الذين أدركتهم الشهرة وعرف الانتشار متأخرا وقد ظل خلال مسيرته يبحث عن التحقق وعن الفرصة ، فقد جاء من صفوف الهواة في مسارح الدولة وقاعات الحكي وكان قد سبقه فى ذات البدايات عدد كبير من النجوم مثل سيد رجب وبيومي فؤاد وغيرهم

هؤلاء الذين لم تمنحهم الحياة فرصا كبيرة ، وليس لديهم سوى الموهبة والعشق اللامحدود للفن لم يملكوا علاقات داخل الوسط الفني أو وسامة مفرطة أو أسرة فنيه عريقة تفتح لهم أبواب الانتشار بغض النظر عن القيمة الفنية أو الموهبة

قدم  المخرج “أحمد عبد الله ” شريف فى دور سائق التاكسي مصطفى فى فيلم “ليل خارجي ” عام 2018 ليعلن عن موهبة شديدة الثراء ويلفت له الأنظار بقوة ويحصد جائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي التاسع والثلاثين بنفس العام  ليتوقف النقاد والمهتمون طويلا أمام ممثل ذي مواصفات خاصة وسمات مختلفة في الأداء .

ليل خارجي .. نقطة التحول

كان “ليل خارجي ” هو نقطة التحول فى مسيرة شريف ، وكان تميزه في هذا العمل  هو ما دفع المخرجة المبدعة  “كاملة أبو ذكرى ” إلى تقديمه   فى مسلسل “ب100 وش ” الذى عرض فى رمضان قبل الماضي وحقق نجاحا مدويا وتحول كل من اشتركوا فيه إلى نجوم ومن بينهم شريف الذى أبدع بتلقائيته المبهرة فى تقديم شخصية “سبعاوي ” ليصبح بعد هذا العمل نجما وتتغير مسيرته الفنية وتكتسب بريقا من الشهرة والتحقق لم يكن يتخيله هو نفسه فى ظل حسابات السوق الفني والمعايير المختلة التي تتحكم فيه

ورغم مشاركته فى عدد من المسلسلات مثل “زي الورد ” و”لمس أكتاف ” و”مملكة إبليس ” إلا أن النجاح الكبير الذي حققه “100 وش ” هو المدخل الذى عبر منه شريف إلى قلوب ملايين المشاهدين ورشحه إلى عدد كبير من الأعمال من بينها بطولة مشتركه فى فيلم ” وقفة رجالة ” مع كل من ماجد الكدوانى وسيد رجب وبيومي فؤاد للمخرج “أحمد الجندي “

كما يشارك شريف في الفيلم الجديد للمخرج “مجدى أحمد على ” والذي يحمل اسم “2 شارع طلعت حرب “

بعيدا عن تفاصيل مرض الفنان المبدع “شريف دسوقى ” التى يتابعها الملايين فإن القدر قد منح شريف هدية عظيمة وهى أنه تعرض لتلك الأزمة بعد عرض مسلسل 100 وش وأظن أن الأمر ربما كان سيختلف كثيرا قبل المسلسل عن بعده رغم أن قيمة “شريف ” واحدة فى كلا الحالتين فهو الذى حصد عشرات الجوائز الفنية منها أعلى تقدير فى السينما المصرية فى أهم مهرجان سينمائي فى الشرق الأوسط وهى جائزة احسن ممثل كما حصل على جائزة جمعية أعمال ونقاد السينما المصرية عن نفس الفيلم

 وكان قد حصل فى عام 2007 على لقب (طائر المسرح) في النمسا وكان الشخصية السابعة المبدعة علي العالم في نفس العام إضافة إلى عشرات الجوائز كأفضل ممثل مسرحي فى سنوات عديدة

هذا هو شريف دسوقي .. فنان معجون بالمسرح ومفتون بالسينما هو باختصار كائن فنى متكامل  وهب نفسه وفنه  لإسعاد الناس .. يستحق كل الدعم بالقدر الذى قدم من عطاء دون مقابل يستحقه .. أملا فى أن تتغير موازين الواقع الفني بعد تلك الواقعة المؤلمة التى تعرض لها  وذلك الحب الجارف  الذي حظي به من عشاق الفن الحقيقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock