رؤى

كيف ربحت المقاومة حرب الصورة؟

في أعقاب الاندحار الصهيوني من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ بعد احتلال دام 22 عاماً٫ تداولت المواقع الإلكترونية ووكالات الأنباء صوراً لتدافع أهل الجنوب إلى الحدود مع فلسطين المحتلة وصولاً إلى بوابة باتت تُعرف باسم بوابة فاطمة.

كان المشهد لافتاً للغاية حينها٫ فالشباب اللبناني الأعزل المفعم بنشوة الانتصار والتحرير كان لا يبدي أي مظهر من مظاهر الخوف من جنود الجيش الصهيوني المنتشرين على الحدود و المدججين بالسلاح بل كانوا يسخرون منهم ويذهب بعضهم إلى حد رفع العلمين الفلسطيني واللبناني على الأسلاك الشائكة الفاصلة بين البلدين.

جنوب لبنان ٢٠٠٠
جنوب لبنان ٢٠٠٠

صورة جديدة

بدت الصورة جديدة بحق ومغايرة لما استقر في الوعي الجمعي العربي على مدار سنوات طوال٫ حيث نجحت الدعاية الصهيونية المكثفة في تكريس صورة “الجيش الذي لا يقهر” والذي يستطيع -وفقاً لقادته- أن يجتاح أي بلد عربي  في بضعة ايام لا اكثر.

بل ان لبنان ذاته كان محل استهانة بالغة من قادة جيش العدو عندما قرروا اجتياحه عام ١٩٨٢ حيث صرح بعضهم قائلاً إن الجيش الصهيوني لا يحتاج الى قوات لاحتلال لبنان بل يكفي ان يرسل القادة فرقة الجيش الموسيقية لتنفيذ هذه المهمة.

لم يستغرق الأمر سوى بضعة أشهر من صيف عام ١٩٨٢ ليدرك العدو الصهيوني أن لبنان يحتاج الى ما هو أكثر بكثير من فرقة موسيقى الجيش وان الانجاز الصهيوني المزعوم  المتمثل في طرد المقاومة الفلسطينية من بيروت لا يزيد عن استبدال مقاومة بأخرى حيث سرعان ما حلت المقاومة اللبنانية محل الفلسطينية واجبرت العدو على الانسحاب من بيروت اولاً ثم من المدن الكبرى مثل صيدا واخيراً من المنطقة التي اسماها العدو بالشريط الأمني في الجنوب عام ٢٠٠٠.

هنا حلت صورة الصهيوني المنسحب والمتراجع محل الصورة التي طالما أراد العدو نشرها.

مقاومه الاجتياح
مقاومه الاجتياح

مشهد الختام  .. والنصر الفلسطيني

وفي مواجهة غزة الأخيرة كان الصراع في قسم كبير منه صراعاً على الصورة ايضاً،وبدا هذه المرة على نحو أوضح وأهم ، ففي مقابل صورة الجيش الصهيوني الذي يتقدم بسهولة ويسر في الأرض العربية٫ شاهد الملايين من العرب عبر القنوات الاخباريه صوره لجيش مرابط عند حدود قطاع غزة ولا يجرؤ أن يتقدم برياً في أراضي القطاع٫ ذلك أن تجربة التقدم البري في تلك المنطقة عام ٢٠١٤ لاتزال ماثلة في أذهان الصهاينة ويذكرون أن ذلك “التقدم” كلفهم انذاك ١٤ قتيلاً صهيونياً وقعوا في كمين للمقاومة فضلاً عن سقوط جندي أسير في يد مقاومة غزة.

وعلى عكس جولات الصراع السابقة بين العرب والصهاينة التي كانت مشاهد الدمار والحطام  حكراً فيها على المدن العربية٫ كرست المقاومة من خلال صواريخها وقذائفها صورة مستعمرات صهيونية  تم تدميرها  إلى حد دعا صحيفة صهيونية إلى أن تضع عنوان “الدولة تحترق” على صفحتها الاولى.

الدولة تحترق
الدولة تحترق

بل ان لفظ “نازح” التي ظلت لسنوات طوال حكراً على الشعب الفلسطيني٫ انتقلت بفعل المقاومة إلى الجانب الصهيوني حيث نزح عدد غير قليل من المستعمرين الملاصقين لقطاع غزة الى الداخل المحتل عام ١٩٤٧ هرباً من الصواريخ المنطلقة من القطاع.

ولعل مشهد الختام في هذه المواجهة التي استمرت عشر أيام هو خير مثال على تبدل الصورة٫ حيث استمر تساقط الصواريخ على الداخل  المحتل حتى الموعد المحدد لوقف إطلاق النار دون انقطاع٫ والساسة الصهاينة الذين اعتادوا أن يفرضوا شروطهم عبر المفاوضات على نظرائهم من العرب لم يجدوا مخرجاً من أزمتهم الداخلية سوى أن يعلنوا من جانبهم وقفاً لإطلاق دون أن يربطوه باي شروط وبات عليهم الآن أن ينصتوا عبر الوسطاء المختلفين لشروط المقاومة التي فُرضت عليهم فرضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock