عرض وترجمة: أحمد بركات
تتأرجح نيجيريا منذ عقود على شفا جرف قد يهوي بها في مستنقعات الفشل. أما الآن، وفي ظل عدم قدرتها على توفير الأمن والاستقرار لمواطنيها، فقد باتت بالفعل دولة فاشلة تماما، وصارت تشكل همًا جيوسياسيا ليس فقط في محيطها الإقليمي، وإنما أيضا على المستوى العالمي ككل .
وتكمن خطورة فشل الدولة النيجيرية في ارتباطه الوثيق بعدم القدرة على تحقيق السلام والرفاهة في إفريقيا، وانتشار الفوضى والعنف في جميع أنحاء العالم.
على مدى عقود كانت نيجيريا تحتل دائما المرتبة الأولى، أو الثانية، على أقصى تقدير، كأكبر اقتصاد في القارة السمراء بعد دولة جنوب إفريقيا. وطالما لعبت دورا محوريا في تعزيز السلام والأمن الإفريقي. أما بعد أن تحولت إلى دولة فاشلة فلم يعد بمقدورها الاضطلاع بهذا الدور، ولا يوجد بديل لها يلوح في الأفق المنظور.
وتتسبب التحديات الأمنية الي تواجهها البلاد في زعزعة الاستقرار في منطقة غرب إفريقيا، وعدم القدرة على مواجهة الحركة الجهادية العائدة بقوة، أو حتى احتواء معارك منطقة الساحل الإفريقي. ويمتد تأثير تداعيات الفشل النيجيري إلى أمن كل من أوربا والولايات المتحدة.
وبحسب تقارير متابعة أسبوعية صادرة عن مؤسسات مثل “مجلس العلاقات الخارجية” تتمتع أجزاء قليلة من نيجيريا اليوم بالأمن، حيث فقد 1400 نيجيري حيواتهم على يد المتمردين الإسلاميين في ولاية بورنو والمناطق المجاورة في شمال شرق نيجيريا.
كما تمتد غارات جماعة “بوكو حرام” التي تضم حوالي 5000 مقاتل أيضا إلى تشاد وشمال الكاميرون، ويُعتقد أن هذه الجماعة تتخذ من غابة سامبيسا على طول حدود بورنو الجبلية مع الكاميرون ملاذا لها.
ولا تزال أسباب فشل القوات المسلحة النيجيرية، التي تتألف من 300 ألف جندي، وتبلغ ميزانيتها ملياري دولار، في استئصال شأفة بوكو حرام غير معروفة على وجه التحديد.
وتشير تحليلات إلى أن الفساد داخل القوات المسلحة، والقيادة غير المؤهلة، سواء من قبل الضباط أو السياسيين يمثلان، إلى جانب عوامل أخرى، أسبابا رئيسة في هذا الفشل، برغم أن جماعة بوكو حرام، وعلى غرار حركة طالبان في أفغانستان، لا تحظى بشعبية كبيرة بين السكان المحليين.
وبينما يكفي عجز الحكومة عن إحباط تمرد بوكو حرام لتشخيص حالة نيجيريا كدولة فاشلة، إلا أنه لا يزال هناك العديد من الأعراض الكثيرة الأخرى لهذا الفشل.
اتحاد الحركات الانفصالية في نيجيريا والكاميرون
في المناطق الغربية من الشمال المسلم، وبخاصة في ولايات كادونا وكاتسينا ويوبي الكبيرة والمكتظة بالسكان، هاجمت عصابات الخاطفين أطفال المدارس في مدارسهم الداخلية بهدف الحصول على الفدية. وبالفعل تم تسديد الفدية المطلوبة (وهو ما لا يتم الاعتراف به في الغالب) لإعادة حوالي 600 طفل إلى بيوتهم.
يبدو في الغالب أن قوات الأمن الفيدرالية والولائية كانت، ولا تزال، غير جادة، أو بتعبير أدق، شكلية، في محاولاتها لتأمين المدارس في الولايات الشمالية، وغير قادرة بشكل عام على حماية مواطنيها في أنحاء كثيرة من البلاد.
وفي الولايات الشمالية أيضا، وفي منطقة “الحزام الأوسط” في أقصى جنوب نيجيريا، يشتبك رعاة مجموعة “الفولاني” الإثنية المسلمون منذ عدة سنوات مع المزارعين المستقرين في صراع دائم من أجل السيطرة على الأرض والماء. وتتسم هذه الاشتباكات بالعنف، كما أنها تحدث بشكل متكرر. ولم تقم الألوية الأمنية الحكومية الفيدرالية، أو التابعة للولايات، بتأمين هذه المناطق.
وفي الجنوب، حيث تثير غارات مجموعة “الفولاني” الآن قلق المزارعين المستقرين، قام المتمردون الناطقون بالإيغبو مؤخرا بإحياء حركة “بيافرا” الانفصالية التي سعت إلى الانفصال بتلك المنطقة التي تقع في جنوب شرق نيجيريا عن البلاد في عامي 1969 ـ 1970. والآن تحظى حركة “شعب بيافرا الأصلي”، وهي حركة انفصالية تعكس وتشحذ حالة السخط الشعبي ضد الحكومة المركزية، بدعم الإيغبو، وهي ثالث أكبر مجموعة لغوية في نيجيريا.
وفي الجوار، لا يزال هناك استياء متفاقم ضد الحكومة المركزية من قبل شعوب “إيجاو” و”أوغوني” في دلتا النيجر، الذين يشعرون بالامتعاض لاغتصاب ما يعتقدونه “حقهم في الثروة النفطية التي تخرج من مياههم”، ولكن ينتهي بها المطاف دائما في أيدي النخب السياسية والاقتصادية المرتبطة بحكومة الرئيس محمد بخاري، ومن سبقوه في الحكم.
وفي عام 2006، بدأت “حركة تحرير دلتا النيجر” تأكيد حقوق ومطالب أتباعها، لكنها الآن أقل خطورة كقوة متمردة. ومع ذلك، تتواصل التفجيرات والاغتيالات وعمليات الخطف في منطقة الدلتا، بما في ذلك في ميدنة بورت هاركورت، ما يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وخارج الحدود النيجيرية، يمثل خليج غينيا الآن منطقة الشحن الأكثر خطورة في العالم، حيث ينشط فيه القراصنة كما لا ينشطون في غيره، ما أسفر عن احتجاز أكثر من 130 بحارا كرهائن في العام الماضي. وإزاء هذا الحادث، بدت البحرية النيجيرية عاجزة تماما عن تأمين مياهها.
واستمر الفساد، الذي كان دائما المشكلة الكبرى في نيجيريا، كوباء متوطن لا مفر منه. وبرغم أن إدارة بخاري كانت قد وصلت إلى السلطة في عام 2015، وأعيد انتخابها في عام 2019، بناء على وعود بمحاربة الفساد، إلا أن هذا الفساد أو الوباء ظل حاضرا وبقوة على جميع المستويات، مثلما كان من قبل، ما أعاق المحاولات المستمرة لكبح جماح انعدام الأمن.
ويصنف “مؤشر قياس الفساد” الذي صدر مؤخرا عن “منظمة الشفافية الدولية” نيجيريا في المرتبة 149 من إجمالي 180 دولة.
قد يدفع الاعتراف بهذا الوضع المزري بالحكومة النيجيرية إلى الانتباه إلى خطورة الأمر، وبذل المزيد من الجهود للمحافظة على سلامة شعبها وأمنه، والحد من الصراعات الأهلية العديدة التي تعيث قتلا وتشريدا في أجزاء كثيرة من البلاد، ومنع عمليات اختطاف أطفال المدارس، والقضاء على القرصنة في خليج غينيا، واحتواء الصراعات العنيفة بين الرعاة والمزارعين على الأرض والماء.
وفي العواصم الأجنبية، يجب أن يبعث الاعتراف بأن نيجيريا باتت دولة فاشلة، ومن ثم تمثل خطرا داهما – على المستويين الإقليمي والعالمي – على منح المزيد من المساعدات من قبل الاتحاد الإفريقي والمانحين الأجانب مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.
لكن يبقى ميلاد عزم جديد لدى الرئيس محمد بخاري والنخبة السياسية الحاكمة لاستعادة الأمن للمواطنين النيجيريين هو وحده القادر على تجنيب البلاد خطر الانزلاق إلى مزيد من مستنقعات الفشل واليأس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روبرت روتبيرغ: المدير المؤسس لـ “برنامج كلية هارفارد كينيدي حول الصراع داخل الدول”، والرئيس الفخري لـ “مؤسسة السام العالمي”.
جون كامبل: كبير زملاء رالف بانش لأبحاث السياسة الإفريقية في مجلس العاقات الخارجية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا