رؤى

أمازيغ ليبيا.. والخلافات حول إدارة “رأس جدير”

خوفًا من اندلاع مواجهات بين قوات وزارة الداخلية، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، وبين قوات عسكرية تابعة لمكون الأمازيغ، خصوصًا في مدينة زوارة، ذات الأغلبية الأمازيغية، يسود القلق والتوتر مناطق الغرب الليبي؛ بما يمكن أن يُشكل اختبارًا لعدد من التحالفات التي تشكلت في هذه المناطق، منذ عام 2011، والإطاحة بالعقيد معمر القذافي ونظام حكمه.

ورغم خفوت حدة المخاوف، بعد نجاح المجلس الرئاسي الليبي، الذي يقوده محمد المنفي، في الوساطة بين الدبيبة وبين المجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا؛ إلا أن غياب تسوية حقيقية للاختلاف المحتدم بين الطرفين، بشأن إدارة معبر رأس جدير الحدودي، يمكن أن يُعيد التوتر، بل “الحرب” بين الميليشيات العسكرية المنتشرة في مناطق غرب ليبيا، سواء كانت تنضوي تحت إمرة الدبيبة، أو تلك التي تنتمي إلى أمازيغ ليبيا، الذين ينتشرون في مدن غرب ليبيا، وخاصة في زوارة وغدامس.

ولعل هذا ما يُساهم في عديد من الاحتمالات المتوقعة، أو التي يمكن توقعها، بخصوص هذا المعبر الهام وكيفية إدارته.

وتتعدد الاحتمالات المستقبلية، حول الخلافات المتصاعدة في غرب ليبيا، بخصوص إدارة معبر رأس جدير الحدودي.. تلك التي يتمثل أهمها في ما يلي:

أولًا: استمرار الخلاف حول إدارة المعبر الحدودي؛ إذ بناءً على قرار الدبيبة، وعقب تكليف الحكومة “غرفة أمنية مشتركة”، دُفِعَ بالقوات الأمنية والعسكرية للسيطرة على المعبر وإدارته، واستعادته من قبضة مدينة زوارة؛ إلا أن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا أشار في بيان له، أن الدبيبة “يجمع الميليشيات المسلحة بهدف الهجوم على معبر رأس جدير، بحجج واهية وكيدية”؛ مُعتبرًا أن “ما يحدث ليس القصد منه بناء الدولة، بل هو استغلال للسلطات لممارسة العنصرية، وكسر التوازنات في منطقة الساحل”.

واللافت، أن إصرار مجلس الأمازيغ على الاستمرار في إدارة المعبر، والتهديد بـ”الحرب” في غرب ليبيا، سوف يدفع لمزيد من التوتر، في إطار توجه حكومة الدبيبة إلى محاولات إحكام السيطرة على مناطق غرب ليبيا، بما فيها مناطق الأمازيغ.

ثانيًا: استمرار التوتر بين المكون الأمازيغي والدبيبة؛ حيث تبدو محاولة الأخير في منع أمازيغ ليبيا من الانفراد بإدارة المعبر، هو ما أدى بهم إلى رد فعل حاد وغاضب، على استمرار محاولات تهميشهم، وإقصائهم؛ بل وتحذير الدبيبة من إمكانية اندلاع “حرب” في المنطقة الغربية.

واللافت، أن هناك أطرافًا داخل حكومة الوحدة الوطنية، في العاصمة طرابلس، تتبنى فكرة “حسم الموقف” مع الأمازيغ، كنوع من السيطرة الأمنية والعسكرية على غرب البلاد؛ حيث ترى أن هذا الحسم يأتي من خلال منع الأمازيغ من التفرد بالسيطرة الأمنية على معبر رأس جدير، وكذلك على معبر ذهيبة وازن، وهما المعبران الحدوديان بين ليبيا وتونس.

ورغم تراجع قوات غرفة العمليات المشتركة، التي شكلها الدبيبة “إلى مواقعها في مدينة زليطن، بناءً على أوامر المجلس الرئاسي الليبي”؛ وفق ما أعلنه المتحدث باسم الغرفة؛ فإن احتدام الخلاف حول تشكيل الغرفة الأمنية، والرد الغاضب من مجلس الأمازيغ، ورفض وجود أي قوة مسلحة من خارج مدينة زوارة، سوف يستمر استنادًا إلى إصرار كل من الأمازيغ وحكومة الوحدة على مواقفهما بخصوص إدارة المعبر.

ثالثًا: استنفار الميليشيات المسلحة التابعة للأمازيغ؛ فقد تمثل رد الفعل المُفاجئ، من جانب الأمازيغ، في اتفاق مكونات المدن الأمازيغية على إعلان حالة الطوارئ بين كافة التشكيلات العسكرية التابعة لها، وهو ما خلص إليه اجتماع عقدته هذه المكونات، في قصر الضيافة بمدينة زوارة. وبالفعل تمركزت قوات الأمازيغ على طول منطقة طوق مدينة زوارة، من مليته شرقًا إلى رأس جدير غربًا؛ وبحسب ما أعلنته “قناة الأمازيغ”، فإن كل من “قادة الكتائب والسرايا تؤيد الحرب”، وأن “قوات الغرفة العسكرية زوارة يسيطرون عسكريًا وبشكل تام على قرية رأس جدير”.

ومثل هذه التطورات، كان يمكن أن تؤدي إلى اشتعال “حرب” فعلًا في غرب ليبيا، لولا تدخل المجلس الرئاسي الليبي، وتراجع قوات غرفة العمليات التي شكلها الدبيبة إلى مواقعها في مدينة زليطن.

رابعًا: استمرار التحالفات الميدانية في مناطق الغرب؛ إذ، يبدو من الواضح أن محاولة السيطرة العسكرية، من جانب حكومة الدبيبة، على كامل منطقة غرب البلاد، ومن بينها مناطق تواجد الأمازيغ في زوارة وغدامس؛ لم تساهم فقط في استنفار المكونات العسكرية للأمازيغ، ولكن أيضًا في تهديد المجلس الأعلى للأمازيغ، في بيان نشرته بلدية زوارة “كل من يحاول الهجوم على زوارة أو المدن التابعة لها، بحرب شعواء لن تنتهي إلا بإنهاء وجود الأمازيغ”.

ويأتي هذا التهديد الصريح بـ”الحرب”، من جانب الأمازيغ، استمرارًا لرفض سياسة الإقصاء والمُطالبة بفرض هويتهم، وتثبيتها في الدستور الليبي؛ بعد انخراطهم، منذ 2011، في تحالف قادته مدينة صبراتة للإطاحة بالقذافي، الذي كان يُنكر وجود أعراق أخرى في ليبيا. ولذا، اختار الأمازيغ الرد على الدبيبة بتحذيرات صارمة، التفت حولها كل مكوناتهم في غرب البلاد.

خامسًا: تمديد تحالفات الجيش الليبي إلى الغرب؛ حيث يأتي التحالف بين قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، والقائد العسكري البارز في غرب ليبيا أسامة جويلي، ضمن المسكوت عنه في أسباب التوتر بين عبد الحميد الدبيبة والمكون الأمازيغي؛ فهذا التحالف يُثير مخاوف حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، بإمكانية فقدان السيطرة على بعض المواقع في غرب البلاد، بما في ذلك مناطق الأمازيغ.

واللافت، هو خشية الأمازيغ من استغلال الدبيبة إحكام السيطرة على المنطقة الغربية، بما فيها المناطق الخاصة بهم، لأجل تصفية حسابات قديمة، ومحاولة تهميشهم؛ خاصة أن تفردهم بإدارة معبر رأس جدير، قد أعطاهم مكانة متميزة في الغرب الليبي، لما لهذا المعبر من أهمية، وما يُمثله من بُعد استراتيجي، من خلال ما يُسهم به في تنشيط حركة العبور والتبادل التجاري بين ليبيا وتونس.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن أية محاولة من جانب حكومة الدبيبة، لإزاحة القوات الأمازيغية المسلحة من معبر رأس جدير، يُمكن أن تدفع إلى مواجهات عسكرية مفتوحة على كافة الاحتمالات؛ خاصة في ظل إصرار المكون الأمازيغي على إثبات الوجود، بعد تعرضه طويلًا للتهميش والإقصاء خلال فترة حكم القذافي التي امتدت أربعين سنة.

هذا، فضلًا عن التحالف الحديث الذي نشأ مؤخرًا بين المشير خليفة حفتر، وبين القائد العسكري البارز في غرب ليبيا أسامة الجويلي، وهو التحالف الذي يُثير قدرًا كبيرًا من مخاوف حكومة الدبيبة، من عدم إحكام السيطرة على غرب البلاد، بما في ذلك المناطق والمدن الأمازيغية؛ بما يفتح هو الآخر مستقبل مناطق الغرب الليبي على احتمالات متعددة، خلال المستقبل القريب.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock