رؤى

خالد محي الدين.. يوليو بعيون أحد صُنَّاعها

يمثل “خالد محي الدين ” حالة شديدة الخصوصية بين من صنعوا الحدث الكبير فى 23 يوليو 1952، وتأتى تلك الخصوصية من الدور المهم الذى لعبه “محى الدين ” في تكوين أول خلية لحركة الضباط الأحرار وأيضا فهو بطل الخلاف الأشهر والأكثر جدلاً في  مسيرة ضباط يوليو وهو ما عرف بأزمة مارس 1954 والتى كانت الديمقراطية محورا لها  فيما كان الصراع بين رجال يوليو محورا آخر.

لذلك ولما تمتع به “محى الدين ” من مصداقية شديدة وإتساق وموضوعية لا يختلف حولها أحد فإن شهادته التى قدمها للوطن والتاريخ تحت عنوان “والآن أتكلم ” والتى صدرت فى طبعتها الأولى عام 1992 أى بعد أربع عقود من قيام ثورة يوليو تكتسب أهمية قصوى ونحن نحاول قراءة ما دار فى تلك الليلة التى غيرت تاريخ  مصر ومن هم أبطال ذلك الحدث من وجهة نظر أحد صناعه.

فكثيرون سجلوا شهاداتهم وكتبوا مذكراتهم من بينهم الرئيس الراحل أنور السادات  – في البحث عن الذات – لكن تبقى شهادة خالد محي الدين من أكثر ما كتب من مذكرات حول هذا الحدث من حيث الموضوعية والصدق والبعد عن المبالغة أو الرغبة فى تصفية الحسابات بالإضافة إلى احتوائها على قدر كبير من التفاصيل والمواقف التاريخية ولم يتوقف عند الرصد حيث شملت أيضا تحليلا عميقا وكاشفا لتلك المرحلة وهؤلاء الرجال .

والآن أتكلممواقف شائكة

يكشف “محى الدين ” النقاب عن بعض الوقائع التى أثارت جدلا كبيرا خلال العقود الماضية منذ ثورة يوليو ومن بين تلك الأمور ما أثير حول دور أنور السادات فى حركة الضباط الأحرار وما تردد حول قيامه بتحرير محضر بقسم الشرطة ليلة 23 يوليو ويقول “محى الدين ” : ” اقرر أن أنور السادات كان على علاقة بيوسف رشاد رجل الملك الخاص لكن أنور السادات لم يفش سرنا له . ولو فعل ذلك لكان مصيرنا جميعا هو الإعدام ولو أبلغ عنا لكان وجه مصر قد تغير تماما. لكنه لم يفعل “

ويضيف “خالد محى الدين ” أما أنه قد حرص على تسجيل واقعة مشاجرته فى محضر للبوليس فلعل هذا مرتبط بخبرة سابقة للسادات فقد حوكم أكثر من مرة وفصل من الجيش ولعله راى تحصين موقفه بعض الشيء إن فشلت الحركة. ولا بأس من ذلك “

هكذا تكلم محى الدين حول واقعة ذهاب أنور السادات لمشاهدة أحد الأفلام فى دار للسينما ليلة 23 يوليو .

وحول ما تردد عن ارتداء كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ملابس مدنية لحظة القبض عليهما بواسطة قوات “يوسف صديق ” وقد حاول البعض استنتاج أنهما كانا يريدان التخلص من المسؤولية فى حال فشل الحركة والقبض عليهما حول تلك الواقعة قال “محى الدين ” : بالنسبة لأى من أعضاء لجنة القيادة لم يكن هناك أى مجال للتنصل من المسؤولية فى حالة الفشل . وخاصة بالنسبة لشخص كجمال عبد الناصر الذى عُرف أمام أعداد كبيرة من الضباط بصفته المسؤول الأول عن الحركة ” ويضيف محى الدين : ” عبد الناصر وعامر لم يكن لديهما قوات ليتحركا بها ورغبة منهما فى التحرك بحرية ولضمان الاتصال بأى قوات وإبلاغها بضرورة مهاجمة مبنى قيادة الجيش فقد كان من الطبيعي أن يرتديا ملابس مدنية فالتحرك بملابس عسكرية كان مستحيلا فى ليلة كهذه “

وحول دور محمد نجيب فى ثورة يوليو يقول خالد محى الدين ” : ” لقد رغب محمد نجيب ان يشاركنا التحرك منذ اللحظة الأولى وعندما علم أننا وضعنا خطة التحرك طالب بالمشاركة فى تنفيذها لكننا كنا نريد أن نبعده عن أى مشاركة فعلية عن عمد لنضمن سلامته حتى يمكنه فى لحظة انتصارها أن يتولى القيادة “

خالد محي الدين والضباط الأحرار
خالد محي الدين والضباط الأحرار

ناصر.. الشخصية القيادية

وحول تقييمه لزملائه فى حركة الضباط الأحرار وثورة يوليو تكلم “خالد محى الدين ” فى مذكراته بقدر كبير من الموضوعية حول رفاق الحركة ونختار من بينهم أربع  شخصيات ضمن من تحدث عنهم “محى الدين “

 فعن جمال عبد الناصر قال : ” منذ اللحظة الأولى أحسست أنه شخصية قيادية حتى ونحن شبان صغار كان يفرض على الجميع وضعه القيادى وكان رجلا بعيد النظر لا يخطو خطوة إلا بعد حساب دقيق ليس فقد لتداعياتها وأنما أيضا لمستقبل هذه التداعيات “

ويواصل خالد قائلا :” فى البداية كان عبد الناصر يرفض فكرة الاشتراكية وفى جلسات نقاش طويلة كان يتمسك بفكرة تقول إن الصراع الطبقي هو مجرد قول يستهدف التغطية على صراع آخر حقيقي هو الصراع على  السلطة لكن معركة عبد الناصر ضد إصرارنا على الديمقراطية قادته باتجاه آخر نحو استرضاء العمال والفلاحين فمضى فى اتجاه الاشتراكية خطوة خطوة

وأضاف أن عبد الناصر : ” كان قارئا ممتازا سواء قبل الثورة أو بعدها وحتى بعد أن أصبح حاكما متعدد المسؤوليات.. وكان هناك جهاز خاص مهمته أن يلخص له الكتب المهمة وأن يترجم له العديد من الكتب والمجلات والصحف وكان عبد الناصر مستمعا جيدا وكانت علاقته بى حميمة دوما فأنا تعاملت معه منذ البداية بوضوح وصراحة وإخلاص وكان يقدر ذلك دوما وعندما بدأت خلافاتنا فى مجلس قيادة الثورة طلبت أكثر من مرة أن استقيل لكنه قاوم ذلك بشدة ودافع عنى أكثر من مرة وكان دائم الالحاح على أعضاء مجلس الثورة أن يفرقوا بين موقفي وموقف محمد نجيب ” وأضاف محى الدين قائلا عن عبد الناصر : ” وقد قاوم بشدة إخراج عبد المنعم أمين ويوسف صديق حرصا على مظهر الوحدة ” .

خالد محي الدين بين عبد الناصر والسادات
خالد محي الدين بين عبد الناصر والسادات

 العمدة الشهم .عبد الحكيم عامر

وعن عبد الحكيم عامر قال خالد محيي الدين فى شهادته: ” هو صديق قديم وعزيز أيضا ولعل الخطأ الأول فى حق عامر هو أنه عين قائدا للجيش لقد فعلها عبد الناصر لانهما كانا صديقين حميمين فأراد أن يضمن به ولاء القيادات، لكن عامر لم يكن رجلا من هذا النوع ..هو عمدة طيب القلب ويحب أن يقيم علاقات حسنة مع الناس وأن يتباسط معهم وهو لا يهتم كثيرا بالضبط والربط فحياته نفسها لم تكن منظمة فقد كان يسهر كثيرا ويصحو متأخرا. لقد ظلموه عندما عينوه قائدا للجيش فهو شخص جماهيري “

ويرى خالد أنه : ” لوأنه كان قد عين نائبا لرئيس الجمهورية وتفرغ مثلا لهيئة التحرير لكان قد حقق نجاحات مبهرة “

وقال محى الدين أيضا ” غلبت عليه روح الطيبة وشخصية العمدة فكان سخيا مع الضباط وكسب حبهم لدرجة كبيرة ولكن النتائج لم تكن مفيدة لأحد لا لمصر ولا للجيش ولا له هو شخصيا “

يوسف صديق … فارس من العصور الوسطي

وعن يوسف صديق يقول خالد محى الدين ” هو رجل شجاع اكتسب بشجاعته واستقامته احترام الجميع وهو صاحب الدور البارز ليلة الثورة ” مضيفا ان صديق كان “أديبا وخطيبا وشاعرا ويمتلك روح فارس من فرسان العصور الوسطي ولعل روح الفارس هذه هى التى دفعته للصدام المبكر مع مجلس قيادة الثورة فكان يطرح أفكارا حادة وحاسمة كحد السيف ولا يقبل أي مساومة حولها وكان ينزل إلى وحدات الجيش ليعقد اجتماعات يتحدث فيها وبذات الحدة والحسم معلنا خلافاته مع مجلس الثورة مما أثار أعضاء المجلس ضده “

السادات .. لا صدام

وفى شهادته عن “أنور السادات قال خالد محى الدين : ” كان  أكثرنا خبرة بالعمل السياسي وكان يملك خبرة سياسية واسعة  و يعرف كيف يكون له وضع خاص وعلاقات خاصة  فعندما أعد البيان الأول للثورة وفشل أحد الضباط فى تلاوته فى الإذاعة تقدم السادات فى اللحظة المناسبة ليقوم بتلاوته ليكتسب بذلك ميزة أنه هو الذى أعلن قيام الثورة “

ويضيف محى الدين: ” وبعد فترة وجيزة اكتشف السادات أن عبد الناصر هو مركز الثقل الحقيقي فى مجلس قيادة الثورة فألقى بكامل ثقله فى اتجاه عبد الناصر ووقف معه دائما ولم يختلف معه أبدا ولم يتصادم أبدا مع أى مركز للقوة فما  إن أحس ان عامر قد أصبح ذا نفوذ حتى هادنه هو الآخر “

ويضيف محى الدين عن  السادات:” ولهذا صمد طويلا مع عبد الناصر وبقي حتى صار خليفته رغم أنه لم يكن أبداً الأقرب أو الأهم “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock