عرض وترجمة: أحمد بركات
لم يعد القادة العسكريون في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الحليفة ينكرون، أو حتى يستنكرون، أنهم الطرف الخاسر في الحرب التي دقوا طبولها ضد طالبان على مدى 20 عاما.
ولم يكن تأكيد الرئيس الأميركي، جو بايدن، على قرار سلفه، دونالد ترمب، بالانسحاب من أفغانستان سوى قبول ضمني لوضع قلما يصرح به الأميركيون. وبرغم أن الجنرال أوستن ميلر، القائد الأميركي في أفغانستان، اقترب كثيرا من هذا الاعتراف، في بداية هذا الشهر، عندما أقر بأنه يشعر بقلق بالغ نتيجة للتقدم “السريع والسهل” الذي تحققه قوات طالبان في جميع أنحاء أفغانستان في الوقت الذي لم تنه فيه القوات الأميركية انسحابها بعد.
وعلى إثر الولايات المتحدة، تغادر قوات دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” الأخرى أيضا البلاد بوتيرة متسارعة، إذ يُتوقع أن يغادر آخر 200 جندي بريطاني من القوة البريطانية التابعة للكتيبة الثالثة “الفوج الملكي الاسكتلندي” (بلاك ووتش) بعد الانتهاء من مراسم تنكيس العلم/ سينهي عملية انتشار للقوات البريطانية استمرت 20 عاما، وأسفرت عن مقتل 456 جنديا، وآلاف الجرحى الذين يعانون في الغالب حتى الآن من تداعيات نفسية وبدنية غيرت مجرى حياتهم.
في ذلك الوقت أيضا، غادرت معظم القوات الأجنبية الأخرى، بهدوء، ومن دون إقامة مراسم، حيث جاءت معظم هذه القوات إلى أفغانستان على شكل فصائل صغيرة تعمل في مهام محددة. كما غادرت المجموعات الأكبر من ألمانيا وإيطاليا وبولندا، وكذلك الأصغر من جورجيا ورومانيا والدنمارك وإستونيا وهولندا وأسبانيا والسويد وبلجيكا والبرتغال وجمهورية التشيك وسلوفينيا وفنلندا وألبانيا ومقدونيا الشمالية ولوكسمبورغ.
وتخطط تركيا وحدها للاحتفاظ بقوات في أفغانستان من أجل القيام بمهمة محددة تتمثل في حماية مطار حامد كرزاي الدولي في كابول. وقد تتحول هذه المهمة سريعا إلى مهمة رئيسية أكبر لمواجهة مزيد من الصراعات داخل أفغانستان. وبعيدا عن أفغانستان يخدم هذا البقاء مخطط تركيا لتمديد نفوذها داخل آسيا الوسطى.
طالبان تتحين الوقت
قام الأميركيون بتسليم قاعدة باغرام ـ وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية، وتقع على مسافة 50 كيلومترا شمال كابول، وكانت في الأصل إحدى بنايات الحقبة السوفيتية ـ إلى الأفغان في 1 يوليو، قبل ثلاثة أيام من الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال في الولايات المتحدة. ومع نهاية يوليو سيرحل جميع الجنود الأميركيين باستثناء عدد قليل سيتم الاحتفاظ به في أفغانستان لأغراض الحماية الدبلوماسية.
وفي إشارة إلى اهتمام البنتاغون بإتمام الانسحاب بأمان، تم إرسال مجموعة قتالية ثانية من حاملات الطائرات إلى المنطقة. وستنضم هذه المجموعة، بقيادة حاملة الطائرات “يو إس إس رونالد ريغان”، إلى مجموعة “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور”، بعد تمديد نشر مجموعة أيزنهاور مؤخرا لمدة ثلاثة أشهر.
ومن خلال نقل مجموعة حاملة طائرات ثانية داخل نطاق أفغانستان، يصير لدى الولايات المتحدة جميع القدرات القتالية الضرورية التي يمكن تصورها للحفاظ على أمن قواتها أثناء عملية الانسحاب.
رغم ذلك، قد يتبين عبثية كل هذه الاحتياطات، حيث أن طالبان لا تبدي كثير اهتمام بمقاتلة القوات الأميركية، وتركز، بدلا من ذلك، على القوات الحكومية الأفغانية.
كان هذا هو الوضع في الجزء الأفضل من هذا العام، حيث كانت استراتيجية طالبان تتجنب تنفيذ أي هجمات ضد القوات الأجنبية، وتتحين الوقت حتى يغادر الأميركيون وحلفاؤهم لتدين لهم البلاد.
وفاجأ الطالبانيون حتى أنفسهم بالسرعة التي استولوا بها على البلدات والضواحي في جميع أنحاء أفغانستان. وعندما أعلن الرئيس بايدن الانسحاب في 1 مايو، كانت الحركة قد سيطرت على 73% من إجمالي 407 ضاحية ومنطقة، ثم على 69 أخرى بعد ذلك.
وتمكنت الحركة أيضا من السيطرة على الأراضي في أجزاء أخرى من أفغانستان، بما في ذلك في المناطق الريفية القريبة من العاصمة كابول. وتقاتل حاليا من أجل معظم البلدات التي لم تقع بعد تحت سيطرتها. وبينما لا تزال الحكومة تسيطر على عواصم الولايات، إلا أن بعضها قد لا تصمد طويلا أمام الضغوط العسكرية الطالبانية.
وبرغم أن الفرضية العامة الرائجة الآن تتمثل في أن طالبان ستتمكن من السيطرة على البلاد بأكملها، وبسهولة قبل نهاية هذا العام، إلا أن هذا لا يزال محل شك لسببين، أولهما أنه بينما تتقدم قوات الحركة، تتكون المليشيات التي تصطف ضدها، سواء تحت سيطرة المصالح، أو لحماية الأقليات.
ويرتبط عدد كبير من مليشيات المصالح بأمراء الحرب الذين يعود تاريخهم إلى عقود من الزمان، ومن بينهم رجال أقوياء ينتمون إلى العديد من المناطق وعازمون على التشبث بقواعد قوتهم، خاصة في الشمال.
بعض هؤلاء كانوا، ولو بصورة جزئية، مشاركين في الحياة السياسية في كابول بعد أحداث 11 سبتمبر، لكن مع إمكانية اجتياح طالبان، يتطلع هؤلاء الآن إلى مصالحهم بعيدة المدى، ويتهيأون للقتال من أجلها حتى الرمق الأخير.
ومن بين الأقليات تبرز “الهزارة”، وهي مجموعة عرقية تتحدث الفارسية، وتعرضت للاضطهاد منذ فترة طويلة، وعانت مؤخرا من خسائر فادحة جراء هجمات نفذتها، وفقا لتقارير، عناصر مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وتشكل هذه المجموعة عُشر سكان أفغانستان، ويسكنون في الغالب في الضواحي الموجودة بالمناطق الجبلية الوسطى، وبعضهم يعيش في غرب كابول. وينتمي غالبية الهزارة إلى الشيعة المسلمين، ومن ثم فهم يخشون أن يؤول حكم البلاد إلى طالبان، ما دفعهم إلى تدريب مليشيات وتسليحها لمقاومة أعمال طالبان المستقبلية.
ترك المدنيون يعانون
السبب الثاني للتشكيك في طريق طالبان السهلة والمعبدة إلى السلطة هو تصميم الأميركيين على الوقوف في وجه أي محاولات لتشكيل حكومة طالبانية في المستقبل، تسمح بوجود مجموعات من تنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة في أفغانستان، خاصة أن بعض هذه المجموعات ينشط بالفعل في البلاد. وفي حال حدوث ذلك، فسيقوم البنتاغون، على الأرجح، بشن عمل عسكري من خلال القوات الخاصة ووكالة الاستخبارات المركزية، وليس عن طريق القوات البرية.
ونظرا لأن الحرب عن بعد أصبحت هي رد الفعل السائد على من يهددون المصالح الغربية فإن التكتيكات الأميركية القياسية تتضمن الآن طائرات وطائرات مسيرة تطلق صواريخ، ومتعاقدين أمنيين خاصين، ودعم المليشيات. ينطبق هذا أيضا على الدول الكبرى الأخرى في مواجهة أي تهديدات تلوح في الأفق، وهو ما ستكون عليه الأوضاع في أفغانستان.
ويمثل هذا نموذج هيمنة تتم ممارسته أيضا ضد الجماعات الجهادية في منطقة الساحل وشرق أفريقيا حيث تزداد هيمنة داعش والقاعدة.
ويُستبعد من هذه الاستراتيجية، بطبيعة الحال، ملايين الأفراد العاديين الذين لا يريدون سوى أن يعيشوا في سلام، سواء في أفغانستان، أو بوركينا فاسو، أو موزمبيق، أو عشرات الدول الأخرى.
ولا تثير هذه الحالة من انعدام الأمن العالمي كثيرا من الجدل ـ فضلا عن الاعتراف ـ في الولايات المتحدة، وينطبق هذا الأمر بدرجة أكبرعلى بريطانيا، كما لا تثير أيضا أي قلق يذكر برغم أن شعب أفغانستان وغيره من الشعوب يتكبدون ثمن الحرب الغربية الفاشلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مراجعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا