رؤى

عملية “مورهاوس”.. يوم أذلت بورسعيد الغزاة

في شهر يوليو من عام ٢٠٠٦، وفي الذكرى الخمسين للعدوان الثلاثي على مصر (١٩٥٦) وتحت عنوان “الحماقة” أعاد مقال في صحيفة الغارديان البريطانية فتح ملف أحد أبرز العمليات الفدائية في تلك الفترة وهي عملية أسر الملازم البريطاني “أنطوني مورهاوس”.

كان العدوان الذي بدأ في أكتوبر من عام ١٩٥٦، مع اجتياح صهيوني لسيناء،  قد وصل إلى أوجه بإنزال بريطاني فرنسي مشترك في منطقة القناة، وكان قدر مدينة بورسعيد الباسلة أن تتحمل العبء الأكبر في مواجهة هذا العدوان.

نشطت خلايا المقاومة الشعبية في المدينة، وتصدت لجنود الجيش البريطاني في الشوارع والأزقة، وكان رد جنود العدوان على هذه المقاومة –كما يؤكد مقال صحيفة الغارديان– هو قصف الأحياء المدنية؛ ولم يتورع الجنود عن القيام بأعمال سلب ونهب؛ ناهيك عن القصف المتعمد لدور العبادة في استفزاز واضح لمشاعر المصريين.

كما ألقى المعتدون القبض على عدد كبير من أبناء المدينة. وهنا تفتق ذهن المقاومين عن ضرورة أسر ضابط بريطاني من أجل مبادلته بهؤلاء الأسرى.

تصدت لهذه المهمة خلية مقاومة بقيادة “محمد حمد الله” الشاب المصري الذي ضحى –كما يؤكد الكاتب عبد الله كوماندوز– في كتابه “شزام” بفرصة الالتحاق بالمدرسة البحرية، وعاد إلى بورسعيد بمجرد وقوع العدوان لكي يشارك في الدفاع عنها.

كانت المجموعة التي قادها “حمد الله” تضم إلى جانبه كل من “حسين عثمان” و”طاهر مسعد” و”أحمد هلال” و”أحمد سليمان” و”علي زنجير” وساق القدر لهذه المجموعة فرصه أسر ضابط إنجليزي في الحادي عشر من ديسمبر عام ١٩٥٦.

حيث لاحظ أعضاء المجموعة، خلال تجولهم بسيارتهم في شوارع المدينة، ضابطا إنجليزيا يطارد صبيا مصريا صغيرا، ولم يكن الضابط الإنجليزي مجهولاً بالنسبة لهم؛ بل كانوا يعرفون أنه الملازم “أنطوني مورهاوس” الذي قاد قبل هذا التاريخ بيوم واحد؛ حملة اعتقالاتٍ في عيادة طبيب أسنان في المدينة أسفرت عن اعتقال سبعة مقاومين.

استغل الفدائيون الذين كانوا قد تنكروا في زي رجال أمن الفرصة، وأوهموا “مورهاوس” أنهم سيتولون التحقيق مع الصبي، وهو ما صدّقه الإنجليزي؛ لكن الفدائيين العُزل سرعان ما استولوا على سلاح “مورهاوس” وأمروه بالدخول إلى حقيبة السيارة الخلفية، ولدى محاولته التملص أمسك بيد الفدائي “علي زنجير” إلا أن الأخير –وفقا لشهادته– عاجله بلكمة أفقدته الوعي.

قاد “زنجيز” السيارة وسط هتاف وتكبير المارة الذين أدهشهم المشهد، واختار المقاومون وضع أسيرهم في أحد البيوت في شارع أحمد عرابي –وللاسم هنا دلالته– ثم أخفوه في صندوق خشبي في الطابق الأرضي من البيت.

جن جنون القوات الإنجليزية، وأمر القائد الإنجليزي الجنرال “ستوكويل” بحملة تفتيش من دار لدار في بورسعيد، كما أمر بضبط والتحقيق مع أي شاب يتجاوز عمره الخامسة عشرة.

ومن اللافت أن بحث المعتدين المحموم عن “مورهاوس” هو الذي أدى إلى وفاة هذا الأخير حيث أدى حظر التجوال الذي فرضه المعتدون إلى تأخر الفدائيين في العودة إلى أسيرهم لأربعه أيام متتالية؛ ما أدى إلى موته اختناقا داخل صندوقه.

ظل مصير “مورهاوس” مجهولا لقوات العدوان حتى بعد انسحابها من بورسعيد في ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦، ولم يكشف النقاب عن مصير هذا الأسير سوى في يناير ١٩٥٧ حين تلقى “داغ همرشولد” السكرتير العام للأمم المتحدة آنذاك تقريرا من الجانب المصري يفيد بوفاة “مورهاوس”.

وفي الرابع من يناير تم تسليم جثة “مورهاوس” عبر الوسيط الأممي إلى الجانب الإنجليزي الذي أكد هويته في اليوم التالي.

أثارت العملية ضجة واسعة في بريطانيا، وتسببت في مزيد من الانتقادات والإحراج لحكومة رئيس الوزراء “أنطوني إيدن” الذي قاد العدوان على مصر مع كل من فرنسا والدويلة الصهيونية، والذي انتهت مغامرته في مصر باستقالته واعتزاله العمل السياسي.

أما في مصر فقد احتفى أهل بورسعيد بمنفذي العملية، وصاغ فنانو السمسمية أغنية تمجّد ما قاموا به كما لاقوا تكريما من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان حريصا على زيارة بورسعيد بشكل سنوي فيما عُرف بعيد النصر (٢٣ ديسمبر) والاجتماع مع أبطال المقاومة هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock