فن

الساحرة المستديرة تسكن شباك الفن السابع

تحظى كرة القدم بمتابعة كبيرة للغاية بين ملايين البشر وأصبحت اللعبة الشعبية الأولى مصدراً مهما للاستثمار بعد أن تحولت من مجرد رياضة إلى صناعة تُدر الثروات على من يمارسها ويديرها وكل أطراف المنظومة التى تشارك فيها.

 وسيطرت الساحرة المستديرة على مشاعر وعقول كل من يتابعها بل تطور الأمر لتصبح فى بعض الأحيان وسيلة لإلهاء الشعوب تستخدمها بعض الأنظمة السياسية أحيانا كوسيلة للتقرب من المواطنين العاشقين للعبة وأبطالها.

ومبكراً انتبه صناع السينما إلى مكانة لعبة كرة القدم لدى الجماهير وأدركوا ما يمتلكه لاعبو الكرة من شعبية جارفة يجب على صناع “الفن السابع ” استثمارها وهذا ما دفعهم لتقديم عدد من الأعمال التي تتناول تفاصيل كرة القدم وحياة نجومها و امتد الأمر إلى جذب السينما لعدد من نجوم الكرة ليعلبوا أدورا على الشاشة بدلا من المستطيل الأخضر .

وقد بلغ عدد الأعمال التي تناولت كرة القدم حوالي 48 فيلما سينمائيا قدمتها الشاشة الفضية خلال مسيرتها يأتي في مقدمتها من حيث الأهمية الفنية والنجاح الجماهيري أعمال مثل “غريب في بيتي ” و”الحريف ” و”الدرجة الثالثة ” و”424″ ومؤخرا قدمت فيلم “العالمي ” .

 لم تقف معالجة السينما لعالم كرة القدم عند حد تناول اللعبة وتفاصيلها بل امتد الأمر لأعمق من ذلك حيث استخدم عدد من المخرجين عالم كرة القدم كمدخل لطرح رؤاهم الاقتصادية والاجتماعية وتشريح الواقع بكل تناقضاته وتنوعاته وتأتى الأعمال التي ذكرناها داله على هذا التوجه الفني والفكري.

السينما والكرة

تلك العلاقة التي جمعت السينما بكرة القدم تناولها الكاتب “حاتم جمال ” في كتاب صدر عن سلسلة “كتاب الهلال ” عام 2018 يحمل عنوان «السينما والكرة. أسرار وحكايات».

رصد الكاتب 48 فيلما بداية من فيلم «الرياضي» 1937، حتى فيلم «دعدووش» 2017 كما تناول نجوم كرة القدم أمام كاميرات السينما، بداية من عزيز فهمي حتى أحمد صلاح حسني ويؤكد الكاتب «أن صناع الفن السابع هم من سعوا إلى نجوم الكرة لاستقطابهم واستغلال شهرتهم وجماهيريتهم، فقد تم إقناع 72 لاعباً رياضياً بدخول عالم السينما، وكان أول لاعب كرة قدم مصري يدخل إلى عالم السينما هو اللاعب عزيز فهمي في عام 1934 كأحد أبطال فيلم «الاتهام» أمام بهيجة حافظ وزكى رستم ومن إخراج ماريو فولبى. ثم يليه ” السيد حودة ” في فيلم «الرياضي» 1937 مع بهيجة المهدى وشالوم ومن إخراج توجو مزراحى.

ويضيف أيضا “أما أشهر اللاعبين فقد كان المايسترو صالح سليم حيث قُدّم كممثل في فيلمين («الباب المفتوح» – «الشموع السوداء») وعادل هيكل («إشاعة حب»- «مذكرات تلميذة») وعصام بهيج («حديث المدينة») وطاهر الشيخ («رحلة النسيان») وإكرامي («يارب ولد»- «رجل فقد عقله») وغيره

وتناول الكتاب تجربة 28 لاعب انتقلوا من الرياضة إلى السينما كما تَعرَض الكاتب لعدد من نجوم الفن الذين بدأوا في عالم كرة القدم منذ الصغر وتحولوا لنجوم على الشاشة .

https://www.youtube.com/watch?v=sx3oDnwgax4

الأهلى والزمالك

راعت السينما بالطبع تلك الشعبية الجارفة التي يتمتع بها كل من الأهلي والزمالك لذلك نجد غالبية الأعمال الفنية ترتدى لون كل منهما أو كليهما وتبدو المنافسة واضحة أيضا في مدرجات الجماهير العريضة الداعمة لناديها والتي تتغنى بنجومه وتسعى دائما للنَيل من معنويات الفريق المنافس وجماهيره بينما نجد قليل من الاعمال التي استعانت بلون فانلة المنتخب الوطني وبعضها الأخر استعان بألوان مجهولة لأندية وهمية هربا من التصنيف ولخلق مساحة أكبر للسخرية لا تثير غضب جماهير الأندية الكبرى.

“شحاته أبو كاف “

في عام 1982 كتب الراحل “وحيد حامد ” وأخرج “سمير سيف ” فيلم “غريب فى بيتي ” الذى أصبح أحد أشهر الأعمال التي تناولت عالم كرة القدم وخباياه وقد جسد “نور الشريف ” – الذى بدا حياته لاعبا لكرة القدم بنادي الزمالك – شخصية “شحاته أبو كاف ” لاعب الكرة الذى تحول إلى أيقونة سينمائية.

إنه الريفي البسيط لاعب الكرة الموهوب الذي جاء إلى القاهرة للعب ضمن صفوف نادى الزمالك. كشف صناع الفيلم عن اشكال الصراع والتآمر في الوسط الرياضي لمنع صعود “الريفي ” الذى استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا مما أثار غضب زملائه وغيرتهم وحاولوا تعطيل مسرته من خلال الدفع بفتاة جميلة فى طريقه وكانت “حنان ” التي لعبت دورها “هياتم ” قادرة على تحقيق هذا.

يتناول الفيلم أيضا ظاهرة السكن المفروش وما تشهده من أعمال نصب واحتيال وجاء أداء “سعاد حسنى ” مفعم بالتلقائية والنضج وكان حضورها طاغي كالعادة.

” فارس “حريف الكرة الشراب

فى عام 1983 كان الجدل محتدما حول من يقدم شخصية “فارس بكر “بطل قصة كتبها بشير الديك ويخرجها محمد خان وتم عرض العمل على عدد من النجوم فى ذلك الحين لكن “عادل إمام “وافق علي النص بعد تردد وتم عرض “الحريف ” ليعلن “الزعيم “ندمه على تقديمه عبر عدد من وسائل الإعلام.

كان عادل إمام فى ذلك الحين فى قمة نجاحه الجماهيري وكان مولعا بتقديم أدوار البطل الشعبي المغوار قبل ان يدخل مرحلة – وحيد حامد – وما شهده عقد التسعينيات من تطور واضح فى أعماله.

قدم “محمد خان ” شخصية “فارس ” لاعب الكرة الشراب فى الأحياء الشعبية ليكشف عن عالم جديد لم تعرفه السينما المصرية من قبل وأجاد “خان ” فى تصوير هذا العالم بحرفية عالية وكاميرا ساحرة تجيد التقاط التفاصيل الإنسانية.

يرصد الفيلم حياة فارس غير المستقرة سواء على مستوى الاسرة أو العمل وصعوده نجمه فى بورصة فرق كرة القدم – الشراب – ولعل المتابع يتذكر الدور الاستثنائي “رزق الإسكندراني “الذى قدمه الراحل “عبد الله فرغلي “

ومن أهم ملامح “الحريف ” التي لا تنسى نقف كثيرا أمام الموسيقى التصويرية الملهمة والمبهرة التى قدمها الموسيقار “هاني شنودة ” ولعل الإبداع الذى صنعه شنودة فى هذا الفيلم هو استخدامه لصوت َنفَس “عادل إمام ” وهو يجرى أثناء ممارسة كرة القدم ليمثل حالة متواصلة خلال العمل وهذا ما منح الموسيقى قدرا من الواقعية واضاف للعمل بعدا آخر أعمق من الصورة والحوار

“الدرجة الثالثة ”  … جمهور البسطاء

فى عام 1988 قدم المخرج ” شريف عرفة” عن قصه “ماهر عواد ” فيلم الدرجة الثالثة والذي يمزج ما بين السياسة والرياضة ويتخذ من البسطاء المطحونين عالما له ويغوص فى كواليس كره القدم وجماهيرها حيث هؤلاء المخلصين الذين يتحملون الصعاب فى البرد والحر من أجل دعم فريقهم الذين يحبونه ويخلصون له دون انتظار أى مقابل سوى ساعدتهم بالنصر بينما يحصد الآخرون من علية القوم الذين يجلسون فى المقصورة كل الامتيازات ويستفيدون من النصر والبطولات ولا يبالون بالهزائم والانكسارات

حاول “شريف عرفة ” أن ينفذ للمجتمع وحالة التناقض التى يعيشها من خلال جمهور كرة القدم بفوارقه الطبقية الصارخة.

وعند محاولة “جمهور الدرجة الثالثة ” الحصول على مكاسب هي الحد الأدنى لحقوقهم يواجهون بصلف وقسوة سادة القوم من وجهَاء النادي والمستفيدين من انتصاراته ويتصدون لهذا الطموح المتواضع من جانب المهمشين والمستضعفين – يكشف الفيلم قبح الواقع الذى نعيشه –  تبدو العلاقة بين الطرفين اشبه بعلاقة السادة والعبيد ويحاول السادة استغلال سذاجة “سرور ” الذى يجسده “احمد زكى ” فى إجهاض محاولات الحصول على مكاسب مستحقة فى البداية يضعف “سرور ” أمام إغراءات السادة إلى أن يكتشف بمساعدة زوجته “نعناعة ” (سعاد حسنى ) وعدد من أصدقائه يكتشف أنه وقع خديعة بغرض إضعاف موقف “جمهور الدرجة الثالثة ” هذا الجمهور الذي يمثل غالبية الشعب من ملايين البسطاء الذين يعطون دايما كل شئ ولا يحصدون سوى الفتات إن حصدوا .

وتعدد الأعمال الى تناولت كرة القدم على شاشة السينما وكانت الكوميديا حاضرة فى معظم الأعمال والتي من بينها “أونكل زيزو حبيبي ” للمخرج نيازي مصطفى ” عام 1977 وفيلم “رجل فقد عقله ” للمخرج محمد عبد العزيز عام1980

وفى عام 1981 قدم المخرج أحم فؤاد فيلم “424 ” وفى عام 2008 يقدم المخرج “أشرف فايق ” فيلم الزمهلاوية ” الذي يتناول حالة المنافسة بين كل من الزمالك والأهلي في إطار كوميدي. وجاء فيلم “كابتن مصر ” للمخرج معتز التونى من إنتاج عام 2015 وفى نفس العام تم عرض فيلم “عيال حريفة ” .

 وبعيدا عن الكوميديا كان أعمال مثل “العالمي ” للمخرج “أحمد مدحت “الذي عرض عام 2009

وكانت كرة القدم حاضرة بقوة كخلفية لعدد كبير من الأعمال من بينها فيلم “واحد صفر ” و”الإرهابى ” و”اللعب مع الكبار ” و”مرجان أحمد مرجان ” و”طيور الظلام ” طير أنت ” و” الحرب العالمية الثالثة ” وغيرها من الأعمال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock