ثقافة

صلاح عيسى المؤرخ الذي أحبه التاريخ

من يعرف صلاح عيسي عن قرب يكتشف أن هذا الكاتب أبن مدلل للتاريخ لوجاز الوصف,وكما كان يقول لنا في الأهالي (بمشي أتكعبل في التاريخ ),عندما يتعرض ويؤرخ بنقدالكتّاب الكباربحجم علي مبارك وطه حسين والعقاد وخالد محمد خالدوهيكل والشيخ علي عبد الرازق ،هنا تري مقدرة الباحث الفذ الذي (يؤرخ التأريخ )ولاأعرف سبب عدم تناول الباحثين لكتاب عيسي مثقفون وعسكر,في ذلك الكتاب يثبت عيسي أن خالد محمد خالد تراجع عن أفكاره التي طرحها عام  (1950بكتاب من هنانبدأ)  فبعد ثلاثين عاما نقض كل ماكتب في كتابه (الدولة في الإسلام) هذا يعني أن خالد محمد خالد وقع في فخ عدم التأصيل لفكره وتراجع عنه,وعن هيكل يقول في كتاب تبارح جريح ص238المؤكد أن هيكل كاتب لاتستطيع أن تتجاهل (حرف واحد) مما يكتب فكتاب حرب السويس لهيكل كتاب يمثل نقطة مهمة وقلت له شخصياً أنت شاهد ومحامي حقبة عبد الناصر ولست مؤرخاً وكان قد طلب مني رأياً عن الكتاب الجديد وكان أقتراحي عن الشرق الأوسط

هيكل
هيكل

 المؤرخ الذي جعل القارئ مؤرخاً

عندما يشتبك عيسي مع هيكل شخصياً فيتعمق أكثرويصبح صاحب( حوليات) وهو المؤرخ المشارك في الحدث,والغريب فعلاً أن التاريخ لدي عيسي وجبة يومية فهو يحرص في إجتماعات قسم التحقيقات الصحفية علي طلب الزملاء توثيق كل عمل صحفي ونعتقد أنه مؤسس فن التحقيق التاريخي الإستقصائي دون جدال ,لم يدعي صلاح بطولة زائفة مثل بعض المؤرخين ويهاحم من رحل ,بل يشتبك مع الحاضر مستعين بسيف التاريخ ,يؤرخ تاريخ ؟آل عبد الرازق يعود لقصة حسن باشا عبد الرازق الموعود بكرسي حكم مصر عام 1914لكنه يرفض لكون العرض جاء من المحتل الذي ليس له شرعية في حكم مصر ولذلك خفظت أسرة محمد علي هذا التكرم والفضل لعائلة عبد الرازق وظل لهم النفوذ وهذا لاينفي عنهم صفات النبوغ سواء لمولانا الدكتور الفيلسوف مصطفي عبد الرازق شيخ الأزهر ,ومن هذة الزاوية يدخل صلاح عيسي لنقد كتب وأعمال علي عبد الرازق وقصة الخلافة كتاب أصول الحكم , يحرض صلاح عيسي دون أن يحرض يجعلك تري الصورة كاملة ويترك لك الحكم يجعل القارئ مشاركاً في التاريخ يقدم لك صورة واضحة للمفكر علي عبد الرازق يصفة بقولة لم يكن من أصحاب الجرايات فقراء الأزهر كطه حسين بل من أصحاب الأيدي لاتعينية قضية العدل الإجتماعي مثل أستاذنا الشيخ الإمام محمد عبده صاحب التحول المهم في حياة علي عبد الرازق في الوعي الفكري , وبلغة لاتخلو من مرح طبقي يصف عيسي مولانا الشيخ علي عبد الرازق بقولة  هل تساوي بين من يأكل في مطاعم أكسفورد خمس سنوات وبين طه حسين الذي كان يعيش علي العسل ولا شئ سواه ,فعندما يطرح علي عبد الرازق قضية الحكم فهو من العائلات التي كان من الممكن أن تحكم مصر فجوهر فكره صراع علي كرسي مصر.ثم يضع عبد الرازق في زاوية ضيقة بقولة كم عدد القضاة الذين تولوا القضاء وهم في الثلاثين من عمرهم وهي مرحلة الطيش السياسي ,هكذا يدمغ عيسي  منهج وفكر الشيخ عبد الرازق كما يفعل غيره.

مقالة بقلم صلاح عيسى
مقالة بقلم صلاح عيسى

 في تحفته الوثيقة المميزة مثقفون وعسكر :يصف صلاح عيسي تاريخ العرب بعبارة بليغة وجيزة فيقول(العرب كانوا و لا يزالون “فى الدم و القربى ذوى رحم.. و فى الطغيان و الاستبداد إخواناً)  عاشق التاريخ الذي  تربى على حكايات المظاليم والمُضطهدين الذين سُحقوا وظلموا وجارت عليهم السُلطة، ففى تلك القرية كانت نهاية محمد بن أبى بكر أحد الثوار على الخليفة عثمان بن عفان، والأمير المعين من قبل  بن علي أبى طالب على مصر بعد ذلك, لقد أبى الرجل أن يُسلم لجيوش الأمويين وقاتل حتى النهاية معاوية بن خديج قائد جيش معاوية بن أبى سفيان، ولما انهزم وأحيط به، قُتل ببشاعة ومُثل بجسده، ثُم وضع فى بطن حمار ميت.. هكذا يؤرخ عيسي قصة فتنة الخلافة في تلغراف سهل وبسيط .

ريا وسكينه رؤية مغايره

في كتاب حكايات من دفتر الوطن يطل صلاح عيسي من نافذة التاريخ المصري وهو يحمل (العبروجلد الذات المصريةبعض الوقت)   عندما درستُ قضية ريا وسكينة دراسة معمقة، لفت نظرى أن الشعب لم يحولهما إلى أبطال، بل بالعكس، نسبوا إليهما من الجرائم ما لم ترتكباه، لأن الحقيقة أنه لا ريا، ولا سكينه مدت يدها على أى ضحية، فمن كانوا يقتلون هم الفتوات، ويوم ما تم إعدامهما وقفت سيدات الحى الذى كانا يسكنان فيه وغنوا “خمارة يا أم بابين.. وديتى السكارى فين”,وهذا هذا يرجع لأسباب تعكس سلامة فطرة الشعب المصرى، أولا لأنهم كانوا يقتلون سيدات من طبقتهم ومن المظاليم، وكلهن فتيات ليل أجبرهن الفقر، والجهل، والمرض على أن يبعن أجسادهن، وثانيًا لأنهن كن يأكلن معهن “عيش وملح”، وهى العلاقة التى يحترمها جدًا الشعب المصرى، وبالمناسبة هى أيضًا موجودة فى موال “أدهم الشرقاوى”، والتى نهايته تشبه نهاية المسيح ويهوذا الإسخريوطى، فمن سلم أدهم هو صديقه محمد خليل، “شيخ غفر”، الذى كان يعلم تحركاته جيدًا.

صلاح عيسى

التاريخ يصاحب عسي في الزنزانة

قال لي ذات يوم  فين مجلة مصطفي مشرفة التي معك التي كتبت منها التحقيق وفي اليوم نفسه كان قد قرأ المجلة كلها وظل في مكتبه للثامنة مساءاً ومن الطريف أنه طلب أن أعطي المجلة لنقيب النقباء كامل زهيري كي يقرأها وفعلا ذهبت له في بيته وشكرني ثم قال أنتم جيل محظوظ في الأهالي بوجود صلاح عيسي وسوف يعديكم بقصة التاريخ كما حدث معي فلولا كتب عيسي لخسرنا نصف ملوك الحكايات التاريخية وأنا منهم ,وقال كامل زهيري لكاتب السطور تعرض صلاح عيسى لقهر السُلطة فتكرر اعتقاله ووجهت إليه اتهامات التخابر والتآمر على البلاد وفُصل من عمله، لكنه لم يهُن أو يرضخ فاستمر بحثه وتوالت إبداعاته ليقرأ الناس «مثقفون وعسكر » و« تباريح جريح »و «صك المؤامرة وعد بلفور»، « دستور فى صندوق القمامة »، «البرنسيسة والأفندى » و« شاعر تكدير الأمن العام »، « بيان مشترك ضد الزمن ».

وفى خريف 1981 وجد صلاح عيسى نفسه فى زنزانة واحدة مع فؤاد سراج الدين هذا السياسي الذي عاصرأهم حكايات مصر في مايقرب من القرن تقريباً، في الزنزانة جاء التاريخ يصاحب صلاح عيسي وحكى عن ذلك باستفاضة فى كتابه «شخصيات لها العجب» عندما ذكر أن الباشا كان مهذبا ولطيفا وحاضر الطرفة وأنه كان وهو الرجل المُسن الذى تجاوز السبعين يصر على غسل صحونه بنفسه ومشاركة زميليه فى الزنزانة واجبات النظافة والرعاية, وعندما أطلق الرئيس السادات على الباشا فى أحد خطاباته لويس الرابع عشر، كان نزلاء السجن ينادونه بذلك ويتقبل هو بروح عالية ولطف وكنت أقرب ,وأحب الشخصيات لقلب الباشا .

شخصيات لها العجب

رابطة صنّاع الطغاه

صلاح عيسى الكاتب والصحفى والمؤرخ الذي وجد مواجع الناس في يده لمدة خمس سنوات يرأس عددا من الوحدات الاجتماعية بالريف المصرى, بدأ حياته كاتباً للقصة القصيرة ثم اتجه عام 1962 للكتابة فى التاريخ والفكر السياسى والاجتماعى تفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 فى جريدة الجمهورية أسس وشارك فى تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات منها أهمهاالأهالى واليسار والصحفيون, في كتات تباريح جريح , وصف عيسي بصدق حال بعض المثقفين فقال  ما يزعجنى حقاً، هو رابطة صناع الطغاة، ممن يظن الناس أنهم أصحاب فكر و رأى، و هم لا يملكون إلا موهبة واحدة هى القدرة على تحويل الزعماء و القادة من بشر يمكن مناقشتهم إلى آلهة لا يحسُن التفكير فى نقدهم، فهم معصومون من الخطأ، و مُحصنون -أحياء و أمواتاً- ضد الحساب، و ما علينا نحن الذين ابتلانا الله بأحكامهم، إلا أن (نطبل) لهم و هم أحياء، و نحرق البخور لذكراهم بعد أن ينتقلوا إلى رحاب الله، و ننتقل للتطبيل لخلفائهم، ليتحولوا من بشر يحكمون، إلى آلهة معصومين .

إن عذاب مصر الحقيقي قد بدأ منذ حُصر العقل المصري في اطار المسلمات النهائية ، التي لا تقبل المناقشة ، وكان هدف الغزاة والطغاة باستمرارأن يفقدوا هذا العقل قدرته على التفكير والحركة،لذلك ركزوا كل جهدهم على تحطيم حيويته وتبديد قدرته الخارقة على الأبتكار والملاحة في البحار الصعبة, وكان أخطر مافعلوه أن حولوا هذا العقل إلى عقل يعرف جيداً علامات ” التنصيص ” ويجهل علامات ” الإستفهام ” و ” التعجب”،عقل يفتقد تدريجياً الى” الحاسة النقدية ” التي تمكنه من تحطيم المحرمات التي تحول بينه وبين الثورة على واقعه وانتزاع مقدراته من أيدي الطغاة, يقدم عيسي صورة قلمية في كتابة تبارح جريح , يصف سجن القلعة بكل تفاصيله، فهو “مُكوَّن من 30 زنزانة على ثلاثة أجنحة وعنبر كبير، ولكل زنزانة باب مُصفَّح من الحديد وآخر خشبي ضخم مُزوَّد بثقوب في أسفله لدخول الهواء ونظارة لكي يُراقب منها الحارس السجين داخل الزنزانة، ولا توجد غير نافذة واحدة أعلى الباب، قُطرها 30 سم في 40 سم”. إلى آخر التفاصيل الدقيقة.

كتب عيسى عن فترة اعتقاله في الزنزانة رقم 2 عنبر الاستقبال في سجن ليمان طرّة إنهم كانوا أربعة في زنزانة: الشاعر أحمد فؤاد نجم وكاتب القصّة إبراهيم منصور، والمخرج السينمائي كامل القليوبي والفنان التشكيلي عز الدين نجيب والناقِد عبد الرحمن أبو عوف ومُبدعين آخرين.

كتب صلاح عيسى على جدران الزنازين التي سكنها وهو يسمع صُراخ الذين كانوا يُعذَّبون:”في هذا المكان سُجِنتُ لأنني أحببت الوطن وناديت بالعدالة وأهنت إسرائيل. إمضاء: صلاح عيسى”.

صلاح عيسى

في نهايات عصر الرئيس أنور السادات صدرت صحيفة الأهالي برئاسة تحرير محمّد عودة، إلا أن أغلب أعدادها كانت تُصادَر بقرارات من محاكم الأمور المُستعجلة. وبعد اغتيال السادات، انتقلت السلطة إلى حسني مبارك الذي تعلَّم من حادث المنصّة ضرورة أن يوسِّع هامش الحريات. فبدأت صحيفة الأهالي إصدارها الثاني برئاسة تحرير حسين عبد الرزاق ومدير التحرير صلاح عيسى لمدة سبع سنوات، فكانت أكثر الصحف معارضة وتأثيراً، ووصل توزيعها إلى ما يتجاوز 150 ألف نسخة، إلى درجة أن أعداداً كبيرة من القرّاء كانوا ينتظرون مساء الثلاثاء أمام مطابع الأهرام ليأخذوا عدد صحيفة الأهالي قبل أن يوزَّع في اليوم التالي. نجح صلاح عيسى في أن يضع نفسه في عِداد مؤرّخي مصر من خلال البحث والتنقيب، وأضحت كتاباته التاريخية، التي يستند فيها إلى وثائق ومعلومات موثّقة، مرجعاً لدارسي التاريخ.

الثورة العرابية أحب كتب صلاح عيسي

في كتابه الثورة العُرابية  وهو الكتاب المُفضَّل عند صلاح عيسي  والذي يعتُبر من أهم الكتب التي أحاطت بموضوع عُرابي وما فعله الاحتلال الإنكليزي فدعّم كتابه هذا بكل ما توافر لديه من مخطوطات ووثائق، وهو الذي اشتُهِر عنه بأن إحدى هواياته وشغفه الأول النبش في الأرشيف والمكتبات القديمة، ما نتج منها بحثه المهم عن مصطفى كامل وكتابه “البرجوازية المصرية وأسلوب المفاوضة”. أشبّه برسام ممسكاً ريشته ليرسم صلاح عيسى حوادث متنوعة في تاريخ مصر، في كتابه «مثقفون وعسكر» حلل وضع المثقفين في عهد جمال عبدالناصر، فيما أشبه ببحث مكتمل مستنداً لوثائق ومعلومات بعيدة عن خيالات وأوهام المصريين، واستمر في توثيق كل ما يكتبه، فأخرج «شاعر تكدير الأمن العام: الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم»، ينتمي عيسى لجيل الستينات الذي عاصر الناصرية الحلم والهزيمة ومن هنا جاءت فكرة المراجعة وقراءة التاريخ لمعرفة سبب الانكسار وفشل الثورات ومن هنا جاء كتابه عن الثورة العرابية كواحد من أهم ما كتب عن هذه الثورة، ولم يتوقف عيسى حتى يومه الأخيرعن مراجعة أفكاره”فى كتابه هوامش المقريزي يظهر صلاح عيسى مؤرخا فنانا، صاحب موقف، فيقدم صورا مختارة من تاريخ بلادنا، يصفها فى المقدمة بأنها : صلاة صوفية فى معبد مصر، الأم الشجاعة التي تعلمنا على يديها الحب والصبر والكبرياء». يدرك صلاح أن للعودة للتاريخ وظيفة أساسية هي تجديد وتأكيد كل ما يلهم الناس مواصلة الحياة ومقاومة الصعاب والسخرية منها والتشبث بالأمل وخلال التحدي العظيم الذي قاده عرابي، وبعده ثورة 1919.. ومن هذا العنف ولدت مصر وتفجرت بالفن والفكر والابداع، عيسى أن الكفاح المصري من أجل الحرية كان الوسيلة الوحيدة لتطهيرنا.. ولتطهير المستعمر ذاته وإعادته إلى جوهره الانساني ويعرض لنا بروح الفنان وعقل المؤرخ منمنمات تاريخية تسعى لاجتذاب القاريء إلى تاريخ بلاده، صوراً مضحكة وأخرى تثير الاسى وثالثة تدعو للتأمل، وتلقى كلها الضوء ليس على ما كان فحسب بل وعلى ما قد يكون. يصف صلاح جانبا من صبر مصر على مآسيها المذهلة فى هامش باسم « العيال على العرش» فيقول:» إن الأطفال قد حكموا مصر ما يزيد عن نصف قرن! وعلى امتداد الحكم المملوكي تولى سبعة عشر طفلا حكم مصر.. منهم الملك المظفر أحمد الذي تولى الحكم وعمره عشرون شهراً! مع ذلك تمت مراسيم تنصيب السلطان الطفل وهو جالس على سرير، لكن السلطان الطفل بكى عندما بدأ الأمراء يقدمون له فروض الولاء لأن مرضعته لم تكن بجواره، فاستدعوها وحين وضعته على حجرها نام كالملائكة، وخلال ذلك كان الأمير «ططر» يحكم مصر من خلف الستار!»

الثورة العرابية صلاح عيسى

العجه والبصاره والحريات

فى هامش آخر بعنوان « العجة والبصارة» يحـــــــدثـنا صلاح بسخرية عن «البصارة» بصفتها وسيلة للتنديد بمصادرة الحريات, وذلك عندما منع الحكام الفاطميون خطباء المساجد من التعرض للحاضر بكلمة، فقام أحد الأئمة فى خطبة الجمعة يقول:»البصارة يا عباد الله من أفضل الأطعمة لتقوية المؤمن، وتصنع البصارة من فول مجروش وتنقع فى ماء ثم تدق فى ماجور» وقضى الخطيب الوقت كله فى وصف البصاره والفرق بين طريقة المصريين فى إعدادها وطريقة الشوام وأنواع التوابل التي تضاف إليها، بينما راح المصلون يتطلعون إليه بدهشة إلى أن أدركوا أنه بحديثه عن البصارة يبلغهم أنه ممنوع من الكلام فى أي موضوع ذي شأن,كانت البصارة إحدى طرق مواجهة القمع, فى هامش آخر يتحدث عن تأسيس ديوان رسمي للرشوة فى عهد اسماعيل بن الناصر قلاوون عرف بديوان البراطيل، وكلمة البرطيل فى المعاجم هي الرشوة، وتبرطل الرجل أي إرتشى. يقول صلاح إن مهمة ذلك الديوان كانت تحصيل الرشاوي ثمنا للوظائف أو قضاء حاجات الناس، حتى أن الأمير « بلباي الأيتالي» اشترى حكم ولاية صفد بعشرين الف دينار، ثم دفع برطيلا جديدا فأصبح ناظرا للوقف، ثم قائدا للجيش، ثم نائبا للسلطان! نقرأ فى هامش آخر حقيقة غريبة من عهد محمد علي، وكانت الصناعة والزراعة فى عهده قد شبت ونمت، فاستحدث محمد على مفهوما قانونيا جديدا لمبدأخيانة الأمانة يقضي بأن شراء مصنوعات غير وطنية من خارج إنتاج المصريين يعد  خيانة للأمانة، ثم حدد عقوبة تلك الخيانة بحيث تتدرج مع قيمة الأمانة التي خانها الشخص، فإذا بلغت قيمة ما اشتراه شخص من مصنوعات أجنبية خمسة آلاف قرش يسجن من عامين إلى خمسة فى اللومان، أما إذا ثبت أنه كان يجهل وجود صناعة وطنية من الصنف الذي اشتراه فإنه يعامل برفق ويربط بالقلعة سنتين|, حاول محمد على حماية الصناعة الوطنية بتلك العقوبات، وكان فى الوقت ذاته مازل ينظر إلى المصريين بصفتهم عبيدا, يقول عيسى إن المصريين كانوا يسمون عبيدا فى الوثائق الرسمية فى عهد محمد على وخلفائه الأوائل، وعندما أصدر محمد على قانون» السياسة نامه» عام 1837، وهو أول قانون نظامي فى مصر، خاطب المصريين بوصفهم « عبيدا»، ولما تشكل مجلس الشورى نص فى أمر تشكيله على أنه يتألف من: « الذين يصير انتخابهم من العبيد» أي من المصريين, هذه الصور وغيرها مما يحتويه كتاب» هوامش المقريزي,ويظل صلاح عيسي المؤرخ الذي ضحك علينا سنوات طويلة في عملة الصحفي ونجح وخدعنا وهو المؤرخ الذي أرتدي ثوب الصحفي سنوات طويلة ليجعل الصحافة ساحة للتأريخ والحكي الجميل.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker