رؤى

هل غير 11 سبتمبر الأمريكيين (2 – 2)

مجلة “فورين بوليسي” سألت سبعة من كُتابها عما تغير في الولايات المتحدة بعد 20 عاما من وقوع أحداث 11 سبتمبر..

عرض وترجمة: أحمد بركات

خسارة الحرب كأداة للتغيير

(أنشال فوهرا، كاتبة عمود في فورين بوليسي، متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ومراسلة مقر فورين بوليسي” في بيروت)

كسر التدخل المطول للغرب في أفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر الإرادة الجمعية للدولة الأميركية وللشعب الأميركي بحيث مالت كفتهم إلى عدم توريط أنفسهم في مزيد من الصراعات في الخارج. من السهل تفهم هذه العاطفة؛ فالولايات المتحدة فقدت آلاف الجنود وتريليونات الدولارات على مدى عقدين من الزمان، وفشلت محاولاتها في إعادة بناء الدول، ولم تجن من هذه المشاركة سوى سمعة عالمية سيئة كدولة معتدية وداعية للحرب.

وتخلى الرؤساء الأميركيون عن آمالهم التي ربما كانت ساذجة في إضفاء الأساليب الديمقراطية على أنظمة الحكم الاستبدادي والدول التي مزقتها الصراعات. وحاول جميع الرؤساء منذ الرئيس جورج دبليو بوش إنهاء هذه الحروب، والانسحاب من الشرق الأوسط، وتحويل الانتباه الأميركي صوب الصعود الصيني.

جورج بوش
جورج بوش

وكان الرئس بايدن أول من نجح في اتخاذ خطوة الانسحاب من أفغانستان، التي سرعان ما تكشفت عن أزمة إنسانية جعلت المحللين يتساءلون عما إذا كان استمرار الوجود الأميركي في نطاق محدود من شأنه أن يصب في مصلحة الشعب الأفغاني والمصالح الأميركية من عدمه.

وعادت طالبان إلى السلطة على خلفية الاتفاق الذي وقعته مع الولايات المتحدة في العاصمة القطرية، الدوحة، في العام الماضي، إلا أنها لا تزال تحتفظ بعلاقاتها مع تنظيم القاعدة. وعلاوة على ذلك، يبين الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان في مطار كابول ضد الجنود الأميركيين والأفغان المغادرين أن أفغانستان سوف تظل ملاذا للإرهابيين العازمين على الإضرار بالمصالح الأميركية. ومن غير الواضح ما إذا كان التطور الأخير في الأحداث في أفغانستان سيشجع الرئيس بايدن على اتخاذ المسار نفسه في العراق، حيث لا يزال هناك 2500 جندي اميركي، من عدمه.

ويمثل نفور الولايات المتحدة من الحرب معضلة ثانية، ففي حال رفض استخدام القوة العسكرية، واستمرار روسيا والصين في استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، ما يجعل الجهود الدبلوماسية تذهب سدى، فكيف سيتمكن المجتمع الدولي من منع الأنظمة الديكتاتورية من قتل واضطهاد شعوبها؟

على سبيل المثال، أطلق إحجام الرئيس الأسبق باراك أوباما عن الذهاب إلى الحرب في سوريا يد بشار الأسد وحلفائه الروس في قصف مناطق المعارضة وتحويل المدن إلى أنقاض. كما يزعم البعض أن الاسد استخدم أسلحة كيميائية ضد الشعب السوري، ونجا بفعلته، برغم تهديدات أوباما باستخدام القوة. وفي مجلس الأمن، استخدمت روسيا والصين حق الفيتو ضد أي تحقيق في جرائم الحرب التي يُزعم ارتكابها من قبل الرئيس السوري.

وفقدت الحرب كأداة للتغيير عندما تفشل جمع الأدوات الأخرى قدرا كبيرا من قبمتها في النظام العالمي ما بعد 11 سبتمبر. لكن العالم الحر يجب أن يعيد التفكير بشأن ما يمكن أن يحل محل القوة العسكرية لمنع الأنظمة الديكتاتورية من استخدام الأسلحة الكيميائية، أو لمنع الأنظمة الثيوقراطية من قطع رؤوس النساء، أو من أجل حماية الأقليات من التعرض للإبادة الجماعية. ويمكن أن تكون قمة بايدن الديمقراطية في وقت لاحق من هذا العام خطوة أولى للانطلالق في هذا المشروع.

أوباما
أوباما

11 سبتمبر أحدث تحولا في مجال العلوم السياسية

(سوميت جانجولي، كاتب عمود في مجلة “فورين بوليسي، وأستاذ العلوم السياسية، ورئيس كرسي رابندرانات طاغور في الثقافات والحضارات الهندية في جامعة إنديانا، بلومنجتون)

بينما كنت أسير إلى حجرة مكتبي في جامعة تكساس في 11 سبتمبر 2001، أوقفني طالب دراسات عليا، وأخبرني أن طائرتين ضربتا مركز التجارة العالمي. كان رد فعلي الفوري هو عدم التصديق، الذي أتبعه شعور آخر بالفزع الشديد. وكمتخصص في السياسات  المعاصرة لمنطقة جنوب آسيا، انتابني إحساس بأن حياتي الشخصية والمهنية تغيرت بلا رجعة.

وكأميركي من أصول هندية، لم اتعرض في حياتي لهذا القدر من التحيز والتنمر العلنيين مثلما تعرضت بعد هذه الهجمات. لسوء الحظ، تغيرت الحياة تماما بعد هذه الأحداث. وبينما كنت مستهدفا كتهديد محتمل، كنت في الوقت نفسه أمثل مطلبا ملحا كخبير في مجال بات يكتسب أهمية أكاديمية متزايدة على نطاق واسع وبوتيرة متسارعة، وهو مجال مكافحة الإرهاب.

فقد أدى 11 سبتمبر والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق إلى التأكيد المتجدد على دراسة وممارسة مكافحة التمرد، وضاعفت المؤسسات الخاصة والحكومة الأميركية تمويل دراسات مكافحة الإرهاب. ووجدتُ فجأة أن خبرتي، التي كانت كامنة، في مجال مكافحة التمرد، محل طلب ملح. في هذه الأثناء أيضا، زاد اهتمام طلابي بهذا المبحث، حيث أشرفتُ على أطروحتي دكتوراه، وشاركت في العديد من المؤتمرات، ووقمت بالتدريس في دورات عديدة جميعها في هذا المجال.

وبعد عقدين من الزمان، لا أتعرض اليوم لأي تدقيق غير مرغوب فيه في المطارات. رغم ذلك، بقيت الاهتمامات البحثية التي أثارتها استجابات السياسة الأميركية لأحداث 11 سبتمبر ركائز أساسية اليوم في مجال العلوم السياسية.

النصب التذكاري لأحداث 11 سبتمبر
النصب التذكاري لأحداث 11 سبتمبر

تضخم قوة الدولة، وليس فقط الجيش

(بيتر فيفر، استاذ العلوم السياسية والسياسة العامة في جامعة ديوك، ومدير برنامج “الاستراتيجية الأميركية الكبرى”)

لعل التغير الأبرز والأكثر ديمومة الذي تمخضت عنه هجمات 11 سبتمبر هو الطريقة التي ترجم بها صانعو السياسة الأميكيون القوة الأميركية المحتملة إلى قوة حركية تتجاوز الفضاء العسكري.

تقول الحكمة التقليدية إن الهجمات أدت إلى عسكرة السياسة الأميركية. هذه المقولة ليست خطأ بالكلية، فالرؤساء الذين تلاحقوا على عرش البيت الأبيض حولوا جزءا كبيرا من القوة العسكرية المحتملة إلى عمل عسكري. وانتهى المطاف بالمهام العسكرية التي يمكن أن تضطلع بها عناصر غير عسكرية بفاعلية تامة إلى قوائم المهام العسكرية. لكن هذه التوجهات سبقت استجابة بوش لهجمات 11 سبتمبر، بل وشكلت جزءا مهما من انتقاداته لإدارة كلينتون في الحملة الانتخابية ضد منافسه آل جور، نائب الرئيس المنهية ولايته.

في الواقع، تحجب هذه الحكمة التقليدية أكثر مما تظهر، حيث تُغيب كيف قام صانعو السياسات بتوسيع المكونات غير العسكرية لسلطة الدولة، وتسخيرها في خدمة السياسة الخارجية الأميركية. فقد تضاعفت ميزانية الدفاع في الفترة بين عامي 2001 و2008، وهذا معلوم لجميع الخبراء والمحللين. لكن ما لم تتم الإشارة إليه هو أن ميزانية المساعدات الخارجية زادت أيضا أكثر من الضعف في الفترة نفسها. وكان جزء من هذه الزيادة موجها بشكل مباشر صوب التدخل العسكري، لكن أكثرها كان موجها صوب أهداف أخرى تنموية، بما في ذلك الصحة العامة. وفي بعض الحالات، كانت المساعدات الخارجية هي البديل للتدخل العسكري المتزايد.

الجيش الأمريكي

وخلال الفترة نفسها، زادت ميزانية الاستخبارات بدرجة كبيرة، وشهدت تقنياتها تحولات كبرى، وذلك من خلال مزيد من استخدام المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر وتحسين التنيسق بين أجهزة الاستخبارات المحلية والخارجية من جانب ووكالات إنفاذ القانون من جانب آخر. وحملت الإدارات الأميركية المتعاقبة الأمن الداخلي على محمل الجد، بما في ذلك أمن الطيران، والأمن السيبراني، وحماية البنية التحتية الحيوية، ومواجهة التطرف العنيف، ومكافحة المتطرفين المحليين. وواصل الجيش الاضطلاع بدوره في كل من هذه الجهود، لكنه كان دورا داعما في جميع المجالات، عدا الأمن السيبراني.

وابتكر صانعو السياسات أيضا استراتيجيات للاستفادة من القوة الاقتصادية الأميركية لدعم مزيد من أهداف السياسة الخارجية. وبدلا من الحظر الاقتصادي واسع النطاق، تم تطوير رافعات مالية مستهدفة، والتي أصبحت الآن الأداة المفضلة لدى صانعي السياسات قبل اللجوء إلى القوة العسكرية عندما تتعرض المصالح الأميركية في الخارج لاي شكل من أشكال الخطر.

ما يعنيه ذلك هو أن أسلوب الحكم الأميركي ليس فرقة مؤلفة من أداة موسيقية واحدة تعتمد بالأساس على بوق القوة العسكرية. ويبقى الجيش مكونا حيويا من مكونات القوة الوطنية، لكنه عنصر مدعوم بعناصر أخرى يمكن أن تحل محله في بعض الأحيان.

(انتهى)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock