رؤى

توابع زلزال الانتخابات تلاحق إخوان المغرب 

كعادتهم في إنكار أي هزيمة، والبحث عن «شماعة» يعلقون  عليها إخفاقاتهم، رفض سعد العثماني رئيس الحكومة المغربية المنتهي ولايته وأمين عام حزب العدالة والتنمية المستقيل، الإقرار بمسئوليته عن الخسارة المدوية التي مُني بها حزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما رفض الاعتراف بتراجع شعبية حزبه الذي قادة الائتلاف الحكومي في المغرب لنحو 10 سنوات. 

«العدالة والتنمية» وهو النسخة المغربية لجماعة الإخوان المسلمين، عقد السبت 18 سبتمبر اجتماعا للمجلس الوطني للحزب، الذي بدوره قرر الدعوة إلى مؤتمر استثنائي للحزب في نهاية أكتوبر المقبل، بهدف «دراسة وتقييم نتائج الاستحقاقات الأخيرة التي خاضها الحزب، وانتخاب هياكل قيادية جديدة».

أمين الحزب المستقيل بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات في 9 سبتمبر الجاري، وصف نتائج الاستحقاق الأخير بأنها «غير منطقية وغير مفهومة وغير معقولة، ولا تعكس الخريطة السياسية، كما لا تعكس موقع الحزب وحصيلته في تدبير الشأن المحلي والحكومي».

سعد الدين العثماني
سعد الدين العثماني

العثماني قال خلال حديثه عبر تقنية «فيديو كونفرانس» في اجتماعات المجلس الوطني للحزب أنهم أمام منعطف مهم، «قد نوجه في هذا المؤتمر تساؤلات إلى ذاتنا واختياراتنا وبرامجنا، ونُسائل سلوكياتنا وعلاقاتنا.. ومهما كان لا ينبغي أبدا أن تخفت لدينا جذوة الإصلاح أو أن تدخل إلينا نفسية الهزيمة»، نافيا أن تنطبق أطروحة التصويت العقابي على النتائج التي حصل عليها حزبه في هذه الاستحقاقات.

«العدالة والتنمية»، حصل في الانتخابات المغربية البرلمانية الأخيرة على 13 مقعدا من أصل 395 مقعدا ليحل في المركز الثامن، مقارنة بـ125 مقعدا حصل عليها في انتخابات عام 2016، مكنته حينها من تشكيل الحكومة للدورة الثانية على التوالي حيث تصدر انتخابات 2011 بـ107 مقعدا.

وتصدر تلك الانتخابات حزب التجمع الوطني للأحرار المركز الأول بحصوله على 102 مقعدا، يليه حزب الأصالة والمعاصرة برصيد 86 مقعدا وجاء في المركز الثالث حزب الاستقلال بحصوله على 81 مقعدا بينما حصل حزب الاتحاد الاشتراكي على 35 مقعدا، وحل في المرتبة الخامسة حزب الحركة الشعبية بـ 29 مقعدا، ثم التقدم والاشتراكية بـ 21 مقعدا، وفي المركز السابع جاء الاتحاد الدستوري بـ 18 مقعدا.

وعلى مستوى الانتخابات المحلية، الخاصة بمجالس الجماعات والمقاطعات، فقد تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار النتائج أيضاً، وذلك بعد حصده 9995 مقعداً، يليه الأصالة والمعاصرة بـ 6210 مقاعد. وجاء حزب الاستقلال ثالثا بـ5600 مقعد، مقابل 2415 للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و1626 مقعدا لحزب الاتحاد الدستوري. أما حزب التقدم والاشتراكية فحصد 1532 مقعدا، مقابل 777 فقط لحزب العدالة والتنمية. وتوزعت 1525 مقعداً على باقي الأحزاب الأخرى.

وفي انتخابات مجالس الجهات، فقد انتزع حزب التجمع الوطني للأحرار 196 مقعدا وحزب الاستقلال 144 مقعدا، وحزب الأصالة والمعاصرة 143 مقعدا، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 48 مقعدا، وحزب الحركة الشعبية 47 مقعدا، وحزب الاتحاد الدستوري 30 مقعدا، وحزب التقدم والاشتراكية 29 مقعدا، وحزب العدالة والتنمية 18 مقعدا؛ بينما حصلت الأحزاب السياسية الأخرى على 23 مقعدا.

مجموع نتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية والجهوية تشير إلى أن المغاربة قرروا إنهاء حقبة «العدالة والتنمية» لأسباب موضوعية تتعلق بأدائه كقائد للائتلاف الحكومية الذي حكم البلاد خلال العشرية الأخيرة.

أحدثت تلك الهزيمة صداها داخل صفوف الحزب كما خارجه، ووجه عدد كبير من قادة وكوادر «العدالة والتنمية» سهام النقد إلى الأمين العام رئيس الوزراء المنتهي ولايته سعد العثماني الذي أخفق في الاحتفاظ بمقعده في البرلمان في تلك الانتخابات، وطالبوه بالاستقالة فقدم استقالته هو وأعضاء الأمانة العامة بعد انتقادات حادة وجهها لهم  الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، مطالبا إياهم بتحمل مسئولية ما جرى.

تمكن «العدالة والتنمية» من تشكيل الحكومة ولأول مرة عقب تصدره نتائج انتخابات 2011، بعد الإصلاحات الدستورية التي أجراها العاهل المغربي محمد السادس في أعقاب الاحتاجات التي عمت الشارع المغربي للمطالبة بالإصلاح دستوري وسياسي.

ملك المغرب محمد السادس
ملك المغرب محمد السادس

وترأس أمين عام الحزب حينها عبد الإله بنكيران رئاسة الحكومة، ووعد المغاربة بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي طموح، لكن هذا البرنامج لم يراوح مكانه حتى 2016، ومع ذلك تمكن بنكيران من قيادة حزبه إلى رئاسة الحكومة مجددا واعتمد في ذلك على قدرته الخطابية وقدرات حزبه التنظيمية.

فشل بن كيران على مدار 5 شهور في تشكيل حكومة نتيجة خلافاته مع باقي الاحزاب، فعهد العاهل المغربي بالمهمة إلى سعد العثماني القيادي في الحزب، وتمكن الأخير بعد سلسلة من المؤامات من تشكيل ائتلاف حكومي استمر من 2016 حتى 2021.

في انتخابات 2011، رفع «العدالة والتنمية» شعار «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد»، ولاحق منافسيه باتهامات الفساد والتلاعب ومع ذلك فرضت عليه الموائمات الدخول في تحالفات مع بعض من طالتهم تلك التُهم بل وتم اختيار بعضهم لحقائب وزاريه هامة.

على مدار 10 سنوات قضاها «العدالة والتنمية» في الحكومة، أقدم الحزب على تبني عدد من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تتوافق مع سياسات وتوجهات الجهات الدولية المانحة،  أرهقت تلك الإجراءات كاهل المواطنين، ولم تراع الطبقة المتوسطة والفئات الأكثر عوزا وهم القواعد التي رفعت هذا الحزب إلى السلطة، وأصدرت الحكومة التي يقودها الحزب قرارت متعاقبة برفع الدعم عن المحروقات ورفع سن التقاعد والاعتماد على نظام التعاقد مع المعلمين بدلا من توظيفهم، وهو ما سبب حالة من السخط العام ضد الحزب الذي طالما رفع شعارات انحاز فيها للمواطن وحقوقه.

وخلال الشهور الأخيرة التي سبقت الاستحقاق الانتخابي الأخير عانى «العدالة والتنمية» من أزمات داخلية عميقة أثرت على موقفه في الانتخابات البرلمانية، وشكلت أزمة تقنين زراعة القنب الهندي «الحشيش» الذي صادقت عليه حكومة العثماني في مارس الماضي ضربة قاصمة للحزب «الإسلامي»، فبعد أن قدم رئيس الحكومة مشروع القانون إلى البرلمان، هاجم برلمانيو الحزب تلك الخطوة، وهو ما أثار عاصفة داخلية بلغت مداها بعد أن أقدم رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران الأمين العام السابق للحزب على توقيع مذكرة يعلن فيها مقاطعته للعثماني وعدد من وزراء حزبهم، وأعلن صارحة معارضته لقانون «تقنين الكيف» قبل أن يعود ليتراجع عن قرار المقاطعة ويبقى على رفضه لمشروع القانون.

عبد الاله بنكيران
عبد الاله بنكيران

وتوالت الأزمات الداخلية والانشقاقات بعدما أعلنت المغرب عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وبارك الحزب هذه الخطوة، وهو ما انعكس على صورته ليس لدى الشارع المغربي فقط بل لدى قواعده التنظيمية التي طالما رفعت شعار العداء لدولة الاحتلال.

هذا التناقض سواء في موقف الحزب من التطبيع أو في موقفه من تقنين زارعة القنب الهندي «الحشيش»، أفقد الحزب حماس كوادره التنظيمية كما خلخل الثقة فيه لدى جمهوره الذي اكتشف أن الشعارات والمواقف الراديكالية سقطت في اختبار السلطة، وأن «البراجماتية» هي التي تحرك توجهات وسياسات الحزب الإخواني.

خطايا الحزب التي يصر العثماني على عدم الاعتراف بها باحثا عن «شماعة» يعلق عليها فشله وإخفاقه في الانتخابات الأخيرة، دفعت العديد من كوادر «العدالة والتنمية» إلى التفكير في إعادة بنكيران إلى واجهة التنظيم ليصلح ما أفسده الأمين العام المستقيل، عسى أن يخرج الحزب من أزماته، فيما دعت عدد من القيادات الوسطى إلى التخلص من قادة الصف الأول للحزب على طريقة «أنسف حمامك القديم».

ووجه عبد العالي حامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني للحزب دعوة باستبعاد «جيل التأسيس بالكامل» من قيادة المرحلة المقبلة، وفك الارتباط مع الحركات الدعوية، تحديدا حركة التوحيد والإصلاح التي تعد  الخزان الانتخابي للحزب لإنقاذ الحزب بعد النتائج الكارثية التي حققها.

«العدالة والتنمية» يمر كغيره من أفرع الإخوان في المنطقة بمنعطف خطير لم تنته توابعه بعد، فهل يتجاوز إخوان المغرب تلك الأزمة.. وهل يتعملوا من دروس إخوانهم شيء؟.. هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker