في كل جيل تجود علينا السينما المصرية بعلامات مضيئة تؤكد معنى الريادة لأول بلد عربي وأفريقي عرف صناعة السينما.
وفى الجيل الحالي تواصل “منة شلبي” مسيرة حافلة وعظيمة لفنانات مثل “فاتن حمامه” و”سعاد حسنى” و”نادية لطفي” وصولا إلى “مديحة كامل” ثم “يسرا” و”ليلى علوي” وغيرهن العشرات ممن صنعن البهجة والقيمة من خلال أعمال عظيمة.
ومن بين نجمات الجيل الحالي تحتل “منة شلبي” مكانة خاصة جدا فهي الساحرة التي تبهرك بأداء شديد البساطة شديد العمق.
وهى المُحلّقة بموهبتها المدهشة في فضاءات لا حدود لها من الألق والشاعرية والقدرة على التأثير والنفاذ للوجدان دون ادعاء أو مبالغة أو تكلف.
لن تجدها يوما تفرط في الأداء أو تبخل به على شخصية تؤديها سواء بجهد فنى أو تتورط في تعايش مصطنع.
هي التي تذهب بعيدا عن التقاط التفاصيل الشكلية للشخصية لتغوص في أعماقها وتنتزع إعجاب المشاهد مهما كانت مساحة الدور الذى تلعبه لكنها تظل مؤثرة بقوة حتى بعد أن تنير القاعات السينما مع انتهاء العرض.
تصحبك دوما انفعالات “منة” وتأسرك عفويتها وتؤكد دوما أنها لا تعرف سوى الإتقان سبيلا للفن الحقيقي.. مؤخرا تم ترشيحها كأول ممثلة عربية للحصول على جائزة “إيمى” الأمريكية التي تُمنح للمسلسلات والبرامج التلفزيونية، عن عمل فني باللغة العربية، وجاء الترشيح عن دورها في مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” الذي عُرض على إحدى المنصات الرقمية من اخراج “محمد شاكر خضير” وتجسد “منة” شخصية فتاة تحولت إلى سفاحة، بعد أن تزوجت من رجل يعاني من اضطراب عقلي.
الساحر.. نقطة البداية
جاء ترشيح “منة شلبي” للجائزة المرموقة ليؤكد على أننا أمام موهبة أصبحت شديدة النضج والتوهج من خلال مسيرة بدأت مع المخرج الراحل “رضوان الكاشف” عندما آمن بموهبتها ومنحها فرصة القيام بدور البطولة أمام محمود عبد العزيز في فيلم الساحر عام 2001, لتبدأ “منة” رحلة مليئة بالسحر والألق.. رحلة لم تنشغل خلالها سوى بفنها فقط. فلم تحقق انتشارها ونجاحها وثقة الجميع بها سوى بالموهبة والموهبة فقط.
لم تتعلق يوما في حبال منتج كبير أو رجل أعمال ثرى أو تبحث عن فرصة في سراب الاستسهال والفن الرديء.
صنعت الصدفة أول ظهور لها على شاشة السينما حين رشحتها عمتها الإعلامية “بوسي شلبي” للمخرج رضوان الكاشف للقيام بدور “نور”. لكن “منة” الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا -حينذاك- استطاعت أن تخطف الكاميرا وتؤكد استحقاقها للفرصة الكبيرة التي مُنحَت لها
النشأة والبدايات
ولدت “منة محمد هشام شلبي” في 22 يوليو 1982، من والد من رجال الأعمال ووالدة تنتمي للأسرة الفنية هي الراقصة المعتزلة “زيزي مصطفى”.. بعد حصولها على الثانوية العامة التحقت “منة” بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
في عام 2000 قدمتها الفنانة “سميحة أيوب” في مسلسل “سالمة يا سلامة” كما ظهرت لمدة ثلاث ثوان في فيلم “العاصمة
في 2002 عرض لها مسلسل “أين قلبي” مع يسرا وعبلة كامل وحسن حسني وخيرية أحمد. كما شاركت في العام نفسه في مسلسل “لدواعي أمنية” مع كمال الشناوي وماجد المصري.
في العام 2003 ظهرت “منة” في عدة أعمال، فشاركت في الفيلم الكوميدي “كَلِّم ماما” مع عبلة كامل وحسن حسني.. وحقق الفيلم إيرادات عالية وصلت إلى سبعة ملايين جنيه مصري وكان حضورها جيدا، وعلى الرغم من ذلك فقد تعرض الفيلم لحملة انتقادات كبيرة. كما شاركت منة في العام نفسه في فيلم “فيلم هندي” وشاركت أيضا في فيلم “أوعى وشك”.
أحلى الأوقات و”باحب السيما”
كان عام 2004 بداية لمرحلة جديدة في مشوار “منة” حين قدمت مع المخرجة “هالة خليل” فيلم “أحلى الأوقات” لتعلن عن طاقة فنية كبيرة لم تكتشف بعد.. وفى نفس العام تم عرض أحد أهم اعمالها مع المخرج اسامة فوزى؛ ليضاف ضمن قائمة مشاركتها في أهم الأعمال في تاريخ السينما بجانب فيلم “الساحر”.
في العام 2005 شاركت “منة” في خمسة أفلام هي: الفيلم الدرامي الرومنسي “إنت عمري” والذي شارك في مهرجان القاهرة السينمائي الثامن والعشرين ومثّل مصر في المسابقة الرسمية؛ لكنه لقيَّ الكثير من الردود والانتقادات السلبية. وفي العام نفسه شاركت في فيلم “الحياة منتهى اللذة” مع الفنانة حنان ترك. وشاركت أيضا في فيلم “ويجا” مع هند صبري ومن إخراج خالد يوسف. واحتل الفيلم المركز الثالث من حيث الإيرادات والتي وصلت إلى ثلاثة ملايين من الجنيهات.. وكان من بين سبعة أفلام عُرضت في عيد الأضحى.. الفيلم الرابع كان “أحلام عمرنا” من إخراج عثمان أبو لبن.
بنات وسط البلد.. حصد الجوائز
في نفس العام كانت “منة” على موعد مع المخرج الكبير “محمد خان” حين قدمت أحد أهم أدوارها في فيلم “بنات وسط البلد” ونالت عنه عددا من الجوائز من بينها جائزة أحسن ممثلة من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية عام 2006، وجائزة أحسن ممثلة من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية عام 2007.
ثم عادت في عام 2006، للظهور على الشاشة الصغيرة من خلال مشاركتها في مسلسل “سكة الهلالي” أمام “يحيى الفخراني”.
في العام نفسه شاركت في عدد من الأعمال السينمائية المتميزة وهي: فيلم “عن العشق والهوى” وفيلم “واحد من الناس” وفيلم “في محطة مصر”.
في العام 2007، ظهرت “منة” في عدة أفلام هي: الفيلم الكوميدي “كده رضا” وفيلم “الأولة في الغرام” وكانت “منة ” على موعد مع سينما يوسف شاهين في آخر أعماله “هي فوضى”.
أما في العام 2008، فقد شاركت بدور البطولة في فيلم “آسف على الإزعاج” أمام “أحمد حلمي” وكان لها ظهور وحيد على شاشة التلفاز في المسلسل الكوميدي “تامر وشوقية ج3”.
في العام 2009، شاركت في فيلم “بدل فاقد” وفي مسلسل “حرب الجواسيس”. وفي العام 2010، شاركت في فيلم “نور عيني” وفي العام 2011، ظهرت في مجموعة أفلام هي “إذاعة حب” وفيلم “بيبو وبشير” وفيلم “ميكرفون” ضيفة شرف.
وفي العام 2012، ظهرت في فيلم “حلم عزيز” وقدمت مع المخرج “يسرى نصر الله ” فيلم “بعد الموقعة” وفي العام 2013، شاركت في فيلم واحد هو “سمير أبو النيل” ومسلسل “نيران صديقة “.
الوعي والنضج
ومع الوقت والتجربة تخطو “منة” خطوات كبيرة وواثقة نحو مزيد من النضج الفني والوعي في اختيار أدوارها وتصبح حريصة أكثر وأكثر على احترام المشاهد والإصرار على تقديم ما يليق بتجربتها وموهبتها المتدفقة.
ففي عام 2015، تعود للدراما التلفزيونية من خلال مسلسل “حارة اليهود” وفى نفس العام تقدم أحد أهم أدوارها في فيلم “نوارة” مع المخرجة المميزة “هالة خليل” وقد حصلت “منة” على جائزة أحسن ممثلة عن هذا الدور.
ومن منطلق حرصها على تقديم أعمال جيدة صارت “منة” مُقلّة بشكل واضح فيما تشارك فيه فقد شاركت المخرج “يسرى نصر الله” فيلمه “الماء والخضرة والوجه الحسن ” في عام 2016.
بينما عادت للدراما التلفزيونية عام 2017، في أحد أهم أعمالها التلفزيونية حتى الآن وهو مسلسل “واحة الغروب ” مع المخرجة “كاملة أبو ذكرى” هذا العمل الذي كشف عن قدرات فنية تجاوزت بها جيلها وانطلقت نحو عالم من الدهشة خاصة وأن العمل بأكمله كان قادرا على تعزيز تلك الانطلاقة.
وفى العام نفسه قدمت “منة” أول أعمالها مع المخرج “مروان حامد” وهو فيلم “الأصليين” الذي تلاه فيلم “تراب الماس” عام 2018.
وفى الدراما التلفزيونية شاركت “منة” في مسلسل “ليه لا” كما عُرض لها مؤخرا فيلم “الإنس والنمس”.
وقد حصلت عام 2019 على جائزة فاتن حمامة للتميز عن مجمل أعمالها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
سوف نتوقف كثيرا أمام “منة شلبي” كحالة فنية مبهرة ما تزال لم تبح بطاقاتها كاملة ولديها الكثير من الإبداع والعطاء خاصة أنها من القليلات اللائي يبتعدن عن ضوضاء “التريند” ولم يصنعن انتشارا من أخبارهن الشخصية أو إقحام أنفسهن في المجال العام بتصريحات مثيرة لجدل خاوى بلا داعٍ ولا مضمون.
بلغت “منة” درجة وعى ليس على مستوى التمثيل فحسب؛ بل الأهم أنه وعى عام يجعلها أكثر قدرة على إدارة موهبتها والخروج بها نحو شواطئ البقاء في ذاكرة الفن المصري