فن

السينمائيون.. من دعم الصناعة إلى الاستثمار في المطاعم و “الكافيهات”

تعاني السينما المصرية من أزمة منذ سنوات ضاعفت جائحة “كورنا ” من حدتها في السنوات الثلاث الأخيرة.

تلك الأزمة التي تتجلى في عدة ظواهر أهمها التراجع الكبير في معدلات الإنتاج سنويا، ما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة بين المئات من صناع السينما؛ سواء فنانين أو فنيين.. ما خلق وضعا غير مسبوقٍ لسيطرة “الشللية” وتَحكم العلاقات الشخصية في توزيع فرص العمل.

ورغم إعلان النقابة المعنية بأصحاب المهنة عن وضع ضوابط للعمل والمشاركة فيما يتم  إنتاجه إلا أن صوتها يبقى خافتا أمام صوت “السوق” الذى يتحكم بقدرٍ متعاظمٍ، بغض النظر عن القيمة الفنية التي لم تعد تشغل الكثيرين من الصناع بنفس الدرجة التي تتحكم فيها معايير المكسب والخسارة – وهذا مقبول بدرجة ما في الاستثمار بشكل عام – لكنه بالقطع لا يجب أن يكون هو السائد في صناعة تساهم في صياغة الوجدان وتشكيل الوعى.

من أهم العوامل التي ضاعفت من جراح صناعة السينما– غياب الدولة عن دعمها كواحدة من مكونات قوتنا الناعمة والتخلي عن دورها الذي بدأ مع إنشاء المؤسسة العامة للسينما عام 1957، تلك المؤسسة التي لعبت دورا كبيرا في إثراء الصناعة؛ لتشهد مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي زيادة في معدلات إنتاج الأعمال التي جمعت بين القيمة الفنية والنجاح الجماهيري في آن واحد.

ولم يمنع الدور الذي قامت به المؤسسة عددا من رجال الصناعة في المساهمة بدور ملحوظ في تنمية صناعة السينما والعمل على تطويرها.

نجوم دعموا السينما

وبعيدا عن جيل مؤسسي صناعة الفن السابع في مصر والذى عانى معظمهم من أزمات مالية حادة في نهاية حياتهم نتيجة أسبابٍ متعددةٍ إلا ان جيل الوسط الذى تألق في منتصف القرن العشرين؛ كان مهتما بالصناعة، واستثمر عدد كبير منهم أمواله في الإنتاج السينمائي.

هذا ما فعلته “ماجدة الصباحي” التي قدمت عددا كبيرا من الأعمال المهمة منها “النَّدَّاهَة” و”أنف وثلاث عيون” و”العمر لحظة” الذى يُمَجِّدُ بطولات الجيش المصري في حرب الاستنزاف وينتهي بانتصار أكتوبر المجيد.

ومن روائع أعمال شركة ماجدة الصباحي كان ملحمة “جميلة” الذي يروي حياة المناضلة الجزائرية “جميلة بُوحِيْرِد” عام 1960، وفيلم “هجرة الرسول” عام 1964.

وقدمت شركة “أفلام ماجدة” ما يقرب من 12 عملا من أهم الأعمال الفنية التي تمثل قيمة ومعنى وتحمل رسالة لدور الفن في خدمة مجتمعه.

كما كان للراحل الكبير “فريد شوقي” دور بارز في دعم الصناعة من خلال شركة الإنتاج الفني التي أنشأها، وقدَّمت أعمالا عظيمة مثل “رصيف نمرة 5” كما قدَّم من إنتاجه ملحمة بوسعيد من خلال عمل وطني هو “بوسعيد الوطنية” وقدم فيلم “الفتوة” واستمرت رحلته مع الإنتاج حتى عام 1991، عندما قدَّم فيلم “شاويش نص الليل“.

لم تكن “ماجدة” و”فريد شوقي” هما فقط من استثمر أمواله في صناعة السينما؛ بل شاركهم العشرات نفس الاهتمام والإحساس بالمسئولية تجاه الفن الذى صنع ثروتهم.

ففي منتصف السبعينات أسس الفنان الراحل “نور الشريف” شركة “بى إن” للإنتاج الفني وحملت أول حرف من أسمه “نور” واسم زوجته الفنانة “بوسي” وقدَّمت الشركة ثلاثة أعمال هي: “دائرة الانتقام” و”ضربة شمس” وكان “ناجى العلى” آخر ما قدمته الشركة للسينما وبسببه قرر “نور” التوقف عن الإنتاج بعد الحملة الشرسة التي تعرض لها الفيلم، وتسببها في خسائر مادية فادحة.

ومن بين نجوم الجيل المعاصر أنشأ الفنان “محمود حميدة” شركة “البطريق” للإنتاج الفني  وقدَّم من خلالها عددا من أهم أفلام السينما من بينها “جنة الشياطين” و”ملك وكتابة” كما ساهمت الشركة في إنشاء “ستوديو الممثل“.

واهتمت الفنانة “إلهام شاهين” بالإنتاج الفني من خلال شركتها وقدمت أعمال عديدة منها “يوم للستات” و”خلطة فوزية” و”هز وسط البلد“ وتعتبر “إلهام” واحدة من نجوم الفن القلائل الذين أقدموا خلال السنوات الأخيرة على الإنتاج الفني واستثمار أموالهم في صناعة السينما.

نجوم المطاعم والكافيهات

على العكس من هؤلاء فقد غاب نجوم الجيل الحالي تماما عن كل أشكال دعم الصناعة؛ بالرغم من الأزمة الحادة التي تعانيها، وتأثرهم بها بسبب الضعف الشديد في معدلات الإنتاج.. فنجد معظمهم قد فضَّل استثمار أمواله –التي جمعها من الفن– بعيدا عن الفن بحجة أنَّ الاستثمار في السينما غير آمن!!.

هذا ما جعلهم يهرولون نحو المشروعات الاستهلاكية سريعة الربح مثل: المطاعم والكافيهات. حيث يمتلك الفنان “حسين فهمي” مطعما عائما على نيل القاهرة منذ سنوات عديدة. كما يمتلك الفنان “أحمد السقا” مزرعةً للخيول العربية الأصيلة والنادرة وناديا للفروسية، بالإضافة إلى معرض للسيارات في منطقة مصر الجديدة، كما أنه يقوم بتأجير بعض السيارات لشركات الإنتاج خلال تصوير الأعمال الفنية. أما الفنان “أحمد حلمي” فيمتلك مطعما و”كافيه” في حي الزمالك.. أما الفنان “أحمد عز” فيمتلك ناديا صحيا “جيم” يرتاده عدد من المشاهير.

احمد حلمي
أحمد حلمي

وقد افتتحت “راندا البحيري” مطعما في الإسكندرية، وسبقها “هاني شاكر” بافتتاح مطعم و”كافيه” في منطقة المهندسين، ويملك المطرب “مصطفى قمر”، “كافيه” في شارع جامعة الدول العربية وتمتلك الممثلة “عبير صبري” محلا لملابس المحجبات بمصر الجديدة!.

وانضم إلى هؤلاء مؤخرا نقيب الممثلين “أشرف زكى” وزوجته “روجينا” بعد افتتاحهما مطعما بمدينة الشيخ زايد كما افتتح أيضا الفنان “بيومي فؤاد” مطعما خاصا.

ويمتلك الفنان “هاني سلامة”، “كافيه” بالزمالك، صوَّر بداخله عددا من مشاهد الجزء الأول من مسلسل “نصيبي وقسمتك” ويمتلك “عمرو يوسف” مطعما في حي المعادي، والفنان “هشام ماجد” افتتح مطعمه أيضا منذ فترة وجيزة. كما أن الممثل الشاب “حسن الرداد” يمتلك “كافيه” بالمهندسين وأيضا يمتلك الفنان “تامر هجرس“، “كافيه”.

ومن أصحاب المطاعم أيضا “هشام سليم” الذي يمتلك مطعما سياحيا في الغردقة، ويشترك الفنان “محمد أسامة” الشهير بـ “أوس أوس” والفنان “مصطفى خاطر” في ملكية مطعم بمنطقة المهندسين.

هذه هي بعض النماذج المُعلنة بينما يفضل البعض الآخر المشاركة في مشروعات استثمارية دون الإعلان عنها!!.

لكنهم يشتركون جميعا في رفض الاستثمار بالفن!!.

رغم أن الفن هو المصدر الأساسي، وربما الوحيد لثرواتهم إلا أنهم يأبون دعمه في مرحلة الأزمة بدعوى البحث عن التأمين الشخصي والأسرى، ويرفعون شعار “الفن مالوش أمان”.

ما بين المطعم وصالة العرض

ما الفارق بين الذين ضخوا أموالهم التي جمعوها من الفن في مجال الاستثمار الفني بكل أنواعه وبين جيل جديد يسعى لاستثمار ثرواته في مجالات أخرى ربما اكثر أمانا مثل “الكافيهات” والمطاعم والقرى السياحية وغيرها.

الفارق الأول أن هذا الجيل من نجوم الصف الأول يتقاضون أجورا بعضها يرهق عمليه الإنتاج ذاتها؛ نظرا لضخامتها المبالغ فيها في ظل أزمة صناعة ورغم ذلك، يمتنعون عن دعم منبع دخلهم وسر شهرتهم وسبب صناعة تاريخهم الفني.

 بالإضافة إلى ذلك فالمؤكد أن الفن هو الذى خلق لهم مكانة في قلب المشاهد العربي، ودخلوا من خلاله تاريخ أوطانهم كصناعٍ للبهجة.

قد يعتبر البعض أن هذا حقهم في ظل وضع غير آمن للفنون؛ وإمكانية أن يجور عليهم الزمن ويجبروا على التقاعد لسبب أو لآخر.. ومن ثم فإن مبرر لجوئهم لمشروعات بعيدة عن الفن له وجاهة ومنطق.. لكن يؤكد البعض الآخر أن استمرار صناعة السينما وعودتها لسابق عهدها هو الضمان الأساسي لاستمرار هؤلاء وغيرهم من العاملين في الصناعة، وأن تراجعها بهذا الشكل قد يؤدى إلى دخولهم في نفق النسيان، وفى تلك الحالة لن تعيد “الكافيهات” لهم الشهرة التي ذهبت مع الصناعة، ولن تعوضهم المطاعم عن لحظة نجاح واحدة أو نظرة إعجاب لعمل مميز أو هادف أو ممتع.

لن تتضرر الأوطان إذا غابت المطاعم و”الكافيهات” لكنها قطعا سوف تخسر الكثير إذا ضعفت صناعة السينما، وغابت صالات العرض وتوقف العمل في بلاتوهات الفن السابع، ولن تجد من يمد لها يد العون خاصة من أصحابها الذين طالما حصدوا منها المكاسب المعنوية والمادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock