أثار الفنان الكبير “لطفى لبيب” حالة واسعة من الجدل في الساحة الفنية مؤخرا بعد إعلانه اعتزال التمثيل بسبب حالته الصحية؛ قبل أن يتراجع عن ذلك بعدها بعدة ساعات مؤكدا أنَّه لم يقصد كلمة الاعتزال بمعناها الحرفي؛ مشددا على أنَّه لا يوجد ممثل في الدنيا يُقدم على اعتزال فنه. وبالنسبة له فإنَّ الفيصل هو حالته الصحية؛ لذا فإنَّه سيركز خلال الفترة المقبلة على اختيار أدوار تناسب وضعه الصحي.
تصريحات لبيب حول الاعتزال؛ جاءت عقب تكريمه يوم 6 نوفمبر الجاري من قبل وزيرة الثقافة. وأوضح “لبيب” في كلمته أنه: “مش قادر أمثل تاني لأنِّي بأعاني من جلطة أثَّرت على الجانب الأيسر من جسدي وده حكم ربنا وأنا راضي بيه” ولعدة ساعات تصدر الفنان الكبير نتائج البحث عبر موقع جوجل.
لطفى لبيب الذى عاد لمواصلة مشواره الفني من جديد متراجعا عن الأذن الذى تقدم به لجمهوره من أجل الانصراف، واعتزال الساحة الفنية –مقاتل شرس بطبعه اعتاد أن يخوض معاركه حتى النهاية حتى لو كانت مع مرض لا يرحم فـ “لبيب” واحد من أبطال حرب أكتوبر؛ حيث كان مجندا ضمن الكتيبة (26) التي كانت من أولى الكتائب التي تمكنت من عبور القناة؛ طبقا لما رواه الفنان الكبير في كتاب له عن الحرب صدر في عام 1975، ويفتخر “لبيب” حتى اليوم بحصوله على وسام نجمة سيناء.
بدأ “لبيب” مسيرته الفنية ممثلا في مسرحية بعنوان “المغنية الصلعاء” في عام 1981، ورغم أنَّه لعب أدورا صغيرة لفترة طويلة، إلا أنَّه نجح في جذب الأنظار إليه بقدرته على رسم الشخصية بطريقة مميزة وبحضور لافت عبر مجموعة من “الإفيهات” المميزة التي اشتهر بها.
إنَّه “ديفيد كوهين” في السفارة في العمارة وهو الدور الذى لعبه باقتدار أمام الزعيم عادل إمام وهو أيضا راضي سواق الميكروباص “الفهلوي” الذى يسعى بكل الحيل لاستنزاف أموال الشاب “مصري” الذى عاد إلى وطنه بعد سنوات طويلة من الإقامة في أمريكا؛ ليفاجأ بواقع جديد تماما عن ذلك الذى تركه عندما كان طفلا صغيرا. ليقع في يد “راضي” الجشع.. قبل أن يكتشف حجم الخديعة التي تعرَّض لها. وهو رئيس القناة المتورط في علاقات مريبة في فيلم “جاءنا البيان التالي” مع هنيدي، ومنذ عام 2000، أصبح للرجل أدوارا في معظم الأفلام التي تم إنتاجها.
وبعيدا عن الفن كان لـ “لبيب” مواقفه السياسية الثابتة، فهو معروف بتأييده للقضية الفلسطينية، ولذلك رفضا عرضا من سفارة الكيان؛ لتكريمه عقب أدائه لدور السفير الصهيوني.
“لطفى لبيب” دليل أخر على أنَّ الوسامة ليست شرطا كي يصبح المرء ممثلا قديرا كما كان يتصور البعض.. وهو أيضا من أعطى الدليل القاطع على أنَّ العمل الفني ليس مجرد بطل يدور الكون حوله وينهال صفعا على كل من يمر من أمامه وتقع في غرامه جميع نجمات العمل ورغم أنه لم يحز في أعماله دور البطولة المطلقة إلا أنَّه كان قادرا على أن يخطف الكاميرا، وأن يبقى لأدائه ومشاهده مكانا في ذاكرة وعقل المشاهد لفترة طويلة.
في فيلم “السفارة في العمارة” كان عادل إمام نجما؛ ولكن تجسيد “لبيب” لدور السفير الصهيوني كان بالغ الروعة، وكذلك في فيلم “جاءنا البيان التالي” رأسنا -رغم تألق هنيدي_ الأستاذ “فخري” صاحب محطة الحقيقة للأخبار الذى جسده “لبيب” بدقة واقتدار، وهو أيضا “بشندى” الدجال الذى يواجه الخالة نوسا في “يا أنا يا خالتي”.
لقد امتلك “لبيب” القدرة على إضحاكنا، دون أن يتكلف أي مشقة أو يبذل أي جهد بردود أفعال وتعبيرات وجه تلقائية يصعب أن تتكرر. هو-بالتأكيد- حالة خاصَّة على الشاشة لا يمكن تعويض غيابها لدى جمهور عريض ألف حضور الرجل طوال السنوات الماضية.
“لطفى لبيب” غير المتكلف هو صانع البهجة الذى عرفناه عبر عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية التي لعب فيها أدورا كوميدية مازلنا نَحِنُّ لمشاهدتها فترة بعد أخرى دون أن نمل من ذلك.
ولد “لبيب” من مواليد مركز “ببا” بمحافظة بنى سويف في 18 أغسطس عام 1947، وحصل على ليسانس الآداب ثم التحق بمعهد الفنون المسرحية بعد ذلك ولعب الكثير من الأدوار على خشبة المسرح وفى السينما والتلفزيون كما شارك في العديد من المسلسلات الإذاعية.
أصيب لبيب بجلطة منذ أكثر من ثلاث سنوات أثَّرت عليه كثيرا؛ ومع ذلك فإنَّه مازال يقاوم بشراسة حتى اليوم. ورغم مرضه إلا أنَّه حاول المشاركة في بعض الأعمال الفنية؛ لكنه فى لحظة ضعف خرج ليعلن للناس اعتزاله العمل بالفن قبل أن يتراجع مرة أخرى ويؤكد أن المرض لا يمكن أن يمنع فنانا محبا لفنه من مواصلة أداء رسالته السامية وإسعاد جمهوره.
المؤكد أنَّ “لبيب” قد أدرك –بما لا يدع مجالا للشك– أنَّه يحتل مكانة بارزة في قلوب كل من تابعوه عبر مسيرته الفنية الطويلة، وأنَّه قد استمد من ذلك طاقة قوية ستساعده على أن يقف طويلا في مواجهة ذلك المرض الذى يحاول النيل منه، ولكن أنَّى له أن يفعل مع رجل مثل “لبيب” الراضي بقضائه دوما.. والذى اعتاد أن يرسم البسمة على الوجوه بتعبيرات وجهه الصادقة التي لا يعرف التكلف إليها سبيلا.