رؤى

الأمية في مصر.. أبناء “الغلابة” يدفعون الثمن في العهد الملكي

وصف المجتمع المصري قبل ثورة يوليو 1952، بمجتمع النصف في المائة؛ لوجود التفاوتات الاجتماعية والطبقية الهائلة التي ألقت بظلالها الكثيفة على كل شيء، بما في ذلك التعليم ليدفع أبناء الفقراء الثمن غاليا جيلا بعد جيل، بسقوطهم فريسة للأمية بسبب قلة الحيلة والعوز؛ ليجمعوا إلى جانب الفقر والمرض، الجهل أيضا.

وفي كتابها “الأمية في مصر1923 – 1952” تقول آية سمير غريب “تكوّن المجتمع المصري في تلك الفترة من طبقتين رئيستين هما: الطبقة البرجوازية التي تشكلت من كبار ملاك الأراضي الزراعية في الريف، وأصحاب العقارات والمصانع وحاشية القصر في المدن، وقد سيطرت هذه الطبقة على الحياة الاقتصادية، كما تكونت منها معظم الأحزاب السياسية وتولت أغلب الوزارات في تلك الفترة، أما الطبقة الثانية الفقيرة فكانت تتكون من عمال المصانع وصغار الموظفين وصغار الملاك والفلاحين وبينهما شريحة اجتماعية رقيقة من الطبقة الوسطى، تضم مهنيين ومعلمين وقد أثرت هذه التناقضات على التعليم؛ حيث ظل النظام الذي وضعه كرومر موجودا حتى بعد رحيله، وتولي المصريين شئون العملية التعليمية”.

الأمية في مصر

وتضيف “انقسم التعليم كما انقسم المجتمع إلى قسمين: مدارس أولية مجانية أو بمصروفات قليلة، وهى بشكل عام كانت ضعيفة المستوى وفي مباني غير مجهزة، ويعمل بها معلمون غير متخصصين، ولا تدرس بها لغة أجنبية، وتؤدي إلى المدارس الزراعية أو الصناعية.. وفي مقابلها مدارس ابتدائية بمصروفات؛ تدرس بها لغة أجنبية، وتؤدي إلى التعليم الثانوي. وبذلك قسمت الأمة إلى طبقتين مختلفتين بنوعيتين من التعليم، وهو ما أدي إلى حرمان الكثير من الأطفال القادرين على اكتساب العلم والمعرفة؛ بسبب فقرهم.. بينما تمكّن القادرون من أن يتعلموا لقدرتهم على دفع المصروفات، حتى وصل الحال بالنائب الدستوري  عبد السلام عبد الغفار إلى أن يقول في مجلس النواب، المدارس الثانوية تحضير للمدارس العالية، فيجب على كل من يلتحق بها أن يكون قادرا على دفع أجر التعليم إلى أخر مرحلة من مراحله، ولا أنكر نبوغ الفقراء، ولكن المجال أمامهم واسع للالتحاق بالمدارس الصناعية”.

زادت الهوة بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير في مصر بين عامي (1940 – 1944) حيث ارتفع عدد أصحاب الملايين في مصر من 50 إلى 400 وزادت الودائع في البنوك من 45 إلى 120 مليونا من الجنيهات، بينما ازداد الفقراء فقرا بحسب ما تؤكده آية سمير في كتابها. تكمل آية “وقد أدت كل تلك الأوضاع إلى ارتفاع نسبة الأمية، حيث إن التعليم بدون ارتفاع مستوى المعيشة لا يؤتي ثماره المرجوة، حيث هرب أغلب أبناء الفلاحين من التعليم الإلزامي، ولم يفعلوا ذلك بالطبع لكي يلعبوا، ولكن لمساعدة ذويهم في العمل وقد أدت زيادة الضرائب ببعض الفلاحين في تلك الفترة إلى بيع كل ما يملكونه لتسديدها؛ فعلى سبيل المثال تذكر الوقائع أن فلاح في الزقازيق قام بنزع سقف منزله وبيعه ليسدد الضرائب، كما اتجهت هذه الشريحة من أبناء المجتمع إلى تقليل نفقاتهم المتواضعة، وامتنعوا عن اقتناء بعض السلع كما سربوا أبناءهم من المدارس”.

فلاحين في عهد الملك فاروق
فلاحين في عهد الملك فاروق

لقد وقف الفقر حائلا بين انتظام التلاميذ في المدارس لمحو أميتهم، فكان يجب على الحكومات في تلك الفترة قبل إصدار تشريعات لمحو الأمية أن توفر بيئة اقتصادية ملائمة،  فالرجل الذي يعتمد على أجر أولاده اليومي في المعيشة لن يرسلهم لتلقي الدروس اليومية في المدرسة بحسب ما أوردت المؤلفة.

كان من أبرز أسباب انتشار الأمية في المجتمع المصري، قبل ثورة يوليو أن مجانية التعليم ظلت شعارا فارغا بلا مضمون، بحسب ما يكشف الكتاب.. وفي هذا الصدد تقول الكاتبة” كان محمد علي يقدم المكافآت للتلاميذ ويوفر لهم الإقامة المجانية، وعندما جاء الاحتلال البريطاني قرر المصروفات الدراسية في عام 1885، رغم أن التعليم في بريطانيا نفسها في تلك الفترة كان مجانيا، وكان هذا القرار متعمدا من الاحتلال لجعل التعليم حِكرا على الأغنياء دون الفقراء، وقد نجحوا عن طريق ذلك في نشر الأمية، وعلى الرغم من تولي المصريين شئون التعليم بعد تصريح 28 فبراير 1922، فإن الحال لم يتغير كثيرا حيث ظلت المدارس الابتدائية محافظة على ارستقراطيتها وظلت تفرض رسوم باهظة لم يستطيع الفقراء تحملها”.

وبحسب الكتاب “طالب الأهالي بمجانية التعليم في عام 1930، سواء في المدارس الابتدائية أو الثانوية بسبب الكساد العالمي الكبير، وهو ما دفع وزارة المعارف العمومية إلى تقسيط الرسوم الدراسية البالغة تسعة جنيهات في عام 1932، ومع ذلك عجز بعض أولياء الأمور عن دفعها وتم فصل أبنائهم. وعلى الرغم  من إقرار مجانية التعليم الابتدائي في عام 1944، فإنها لم تنفذ! كما ظل التعليم الثانوي بمصروفات، وعندما تولت حكومة الوفد الوزارة في عام 1950، جعلت في مقدمة أهدافها  إقرار مجانية التعليم، حيث تولى طه حسين وزارة المعارف، وكانت دعوته الشهيرة أن التعليم حق كالماء والهواء وبذلك اصبح التعليم العام كله مجانيا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock